اختتمت مساء أمس الأحد فعاليات موسم الندوات الذي نظمته وزارة الثقافة في نسخته الثانية بالتعاون مع جامعة قطر والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومكتبة قطر الوطنية في الفترة من 4 حتى 19 مارس الجاري.
وجاء ختام الموسم بعقد ندوة تحت عنوان «تأثير الحضارة الاسلامية على الغرب» بحضور سعادة الشيخ عبدالرحمن بن حمد آل ثاني وزير الثقافة وسعادة السيد مسعود بن محمد العامري وزير العدل، وعدد من كبار الشخصيات وجمع كبير من المثقفين ومن المهتمين من المواطنين والمقيمين.
تأثير الحضارة الإسلامية
وتحدث في الندوة الأكاديمي والداعية المغربي الدكتور سعيد الكملي، وأدارها الداعية يوسف عشير
وتحدث فضيلة الدكتور سعيد الكملي عن تناول المؤرخين الأوروبيين لتأثير الحضارة الاسلامية على الغرب ورصد في هذا الصدد رأيين وقال: هناك رأيان الأول ينفي أي تأثير ويرى أن العقل العربي قاصر بطبعه، ولم يترك للبشرية أي علم أو أثر معتقدين أن المسلم يتدين بدين هو عدو للعقل والدين، فيما يرى القسم الثاني من المؤرخين أن انجازات المسلمين تنحصر في الترجمة من الاغريقية والرومانية إلى العربية وحفظ بذلك من الضياع إلى أن تسلمه الغرب في عصور النهضة وطوره، وحتى هذه الترجمة أجحفوها حقها هي الأخرى ورأوا أنها في كثير من الأحيان لا ترقى إلى الأصل، وعدد بعض العلماء والفلاسفة أتباع هذا التيار مثل نيوتن وغاليليو صامويل وغيرهما، وهي طائفة تبطل مزاعمها شواهد التاريخ ببداهتها، بالنظر إلى سيل العلماء المسلمين في شتى المجالات.
ثم تحدث الدكتور الكملي عن بعض المؤلفات التي أنصفت المسلمين وقال: بعض المؤلفين والمؤرخين مثل الكاتب الفرنسي فولتير رغم كرهه للمسلمين أنصفوا المسلمين حيث قال فولتير: نحن مدينون لهم بالفيزياء والكيمياء والطب والفلك وحتى الفنون، وكان لفولتير قاموس محمول قال فيه إننا مدينون لهم بالجبر، وكان يقصد العرب، وقال إن هذا الاختراع العظيم الذي يبدو أنه شعلة العقل البشري، وقصد بذلك أن العقل البشري كان مظلما وأضاءه اختراع العرب للجبر، في حين قال المستشرق الغربي غوستيف في كتابه «حضارة العرب» إن العرب هم من علمونا الطب والفلسفة والفيزياء والكيمياء وحتى الفنون.
علوم الأنساب
وهنا عرج د. الكملي لأسباب هذه المزاعم وقال: نحن لا ننكر أن الاسلام قد جاء لأمة عربية أمية ليس لديها علوم مدونة إلا بعض ما تحتاجه في طبيعة عيشها البدوي، مثل علوم الأنساب وبعض العلوم التي يستدلون بها على الأمطار والأعشاب، وهذه كلها لم تكن علوما مدونة، أو ضوابط قانونية، إلا بعض الأمور التي يتم من خلالها الفصل في الخصومات.
وهنا انتقل د. الكملي إلى نزول الدين الاسلامي على العرب حيث نقلهم من حالة الأمية التي كانت سمة وعلامة لها إلى الأستاذية، ومن حالة الجاهلية إلى حالة العالمية، وحدث هذا التغيير بتغيير التصور للدنيا، حيث فهم العرب من خلال الإسلام أنهم مستخلفون في الأرض، وأنهم مطالبون بإعمار الأرض، وفهموا أنه من خلال إعمار الدنيا، فإنك تعمر آخرتك.
وأشار الدكتور الكملي إلى الآيات والأحاديث التي حرضت المسلم على العمل. وأكد أن الاسلام يحض أتباعه على اعمار الارض. مستندا في ذلك الى حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها».
وقال: إن ذلك يعكس أمرا عظيما في أن الدين الإسلامي يدعو الناس إلى إعمار الأرض، حتى وفي أضيق الظروف. لافتا إلى أن الله تعالى زين لنا أشياء في الدنيا، وأن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كان يقول إننا نفرح بما زينه الله لنا في الدنيا.
كما لفت الى ما حث عليه الفقهاء من إحياء للأرض الجرداء، وتعميرها، وجريان الماء فيها، وكذلك البناء فيها، والعمل على تسويرها بأسوار لحمايتها.
وقال فضيلته: إن الاسلام حرض الناس على العمل، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يحرض على العمل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه. مؤكدا أن مثل هذه الأحاديث النبوية الشريفة حثت المسلمين على اعمار الارض، وهو ما عملوا به، على نحو ما يبدو من انجازاتهم في القرن الأول الهجري.
وفي هذا السياق، أكد د. الكملي أن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، امر بخط الشوارع على عرض ٢٠ ذراعا وبطول ٤٠ ذراعا وكان من اوائل من عمل على تخطيط المدن.
وتوقف عند قول المقريزي من انه لما رجع عمرو بن العاص، رضي الله عنه، من الفسطاط انضمت القبائل لبعضها البعض وتم تولية أربعة عليهم.
ولفت إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يحب النظام حتى في نصبه للخيام اثناء الحروب. وقال: إذا كان الأمر كذلك بالنسبة له صلى الله عليه وسلم في حبه للنظام أثناء الحروب، فما بالنا بحبه لهذا النظام في غير أوقات الحروب؟.
كما توقف عند قول الشريف الإدريسي من أنه في زمن عمر بن عبدالعزيز بنيت في قرطبة قنيطرة ضخمة، ولم يكن يمضي على فتح الاندلس اكثر من عشر سنوات، وكان ذلك في القرن الأول الهجري.
ووصف هذه القنيطرة بأنه كان بها ١٩ قوسا وكانت تتسم بالسعة وبين كل قوس وآخر ١٠ امتار، وأن طول القنطرة كان يصل الى ٣٠٠ متر. مؤكدا أن بناء بهذا الحجم كان بناء هندسيا صعبا للغاية، يصعب تخيله في ذلك الوقت.
إسهامات كبرى
وتحدث الدكتور سعيد الكملي عن الاسهامات التي قدمتها الحضارة الاسلامية في مجال الرياضيات، مؤكدا ان المسلمين قدموا العديد من الاسهامات في هذا الجانب، والتي استفاد منها الغرب وقام بالبناء عليها فيما بعد، ما جعل الأقلام الغربية حريصة على ترجمة المؤلفات التي ألفها المسلمون في الرياضيات، وقال إن أسماء كثيرة برزت في هذا الأمر لا يكفي الوقت للحديث عنهم، وذكر منهم ابن البناء العددي والذي برع: إلى جانب الرياضيات في العديد من العلوم شأن المثير من علماء المسلمين.
وأوضح أنه عرف بابن البناء نسبة لجده الذي احترف مهنة البناء. وقد درس النحو والحديث والفقه، ثم درس الطب والفلك والرياضيات. وقد ألف ابن البناء أكثر من سبعين كتاباً في الحساب، والهندسة، والجبر، والفلك، والتنجيم، ضاع أغلبها ولم يبق إلا القليل منها، وقد تم ترجمة ما تم العثور عليه منها، وأشهرها: كتبه “كتاب تلخيص أعمال الحساب”، الذي ظل الغربيون يعملون به إلى نهاية القرن السادس عشر للميلاد، عرف رحمه الله بتفوقه في الرياضيات وخصوصا في حساب الكسور المتسلسلة والجذور الصم ومربعات الأعداد ومكعباتها، وأدخل بعض التعديل على القاعدة المعروفة بقاعدة الخطأ الواحد وحل بعض المعادلات الجبرية الصعبة بطرق سهلة وقريبة المأخذ، كما أنه أنجز في الفلك انجازات مرموقة. كما أن من اهم مؤلفاته: «المدخل الى علوم النجوم»، «رسالة في كروية الأرض».
ابتلاء المسلمين
ثم تحدث الدكتور سعيد الكملي عن إشكالية ابتلاء المسلمين في العصور الحديثة بالابتعاد عن تشييد صروح التقدم العلمي، حيث باتوا يحرصون على ارتياد الجامعات الغربية، مؤكدا ان الحديث في هذا الامر ذو شجون فعوامل كثيرة كانت سببا في ذلك: ابرزها ابتلاء المسلمين بالاستعمار وهو ما تسبب في توقف ركب التقدم، كما ان من الإشكاليات أيضا كوننا اصبحنا نأخذ تاريخنا من الغرب فأصبح تاريخا بغير عيون عربية حتى تشكلت العقلية على ما سردوه، الا انه ابدى نظرة تفاؤل مشيرا الى ان ثمة أملا في بعض الجامعات العربية لتعديل تلك المسارات. واشار الى اهتمام الحضارة الاسلامية بكافة مقومات صناعة الحضارة بداية من التعمير والبناء وصولا إلى إرساء قواعد الهندسة العسكرية منذ القرن الاول الهجري عندما تم وضع قواعد لتأسيس المعالم العسكرية التي تحمي البلاد، وذلك منذ عهد معاوية ابن ابي سفيان، مؤكدا أن الاندلس كانت محطة مهمة وعظيمة تسللت منها مقومات الحضارة الاسلامية الى اوروبا.
وعقد الدكتور سعيد الكملي مقارنة بناء على شهادات الكتاب الغربيين أنفسهم في تاريخ اوروبا في العصور الوسطى وبين الاندلس التي كانت متقدمة علميا ومعرفيا وحضاريا فكانت الشوارع ممهدة ومنيرة وكانت هناك وسائل لحفظ البيئة خلافا للعواصم الاوروبية التي لم تكن تعرف الاضاءة او التمهيد او تتعرف على كيفية التخلص من القاذورات، كما كانت في الاندلس الجامعات والمراصد والمختبرات والمكتبات فكانت في اسبانيا اكثر من ٧٠مكتبة عامة حتى ان مكتبة الحاكم المستنصر كانت تحتوي وحدها على ٦٠٠ الف مجلد منها ٤٤ مجلدا في الفهارس فقط وكانت هذه المكتبة في الحديث والفقه فقط وذاك بناء على كتاب «حضارة العرب» للكاتب غوستاف لوبون الذي قدم مقارنة بينها وبين فرنسا لتكون المقارنة قي صالح الاندلس، لافتا الى ان نتائج هذه المقارنة كلها كانت مقدمات منطقية لأن يبرز من المسلمين الاطباء والعلماء والمهندسون وعلماء الخبر. الذي اعتبره منصفو الغرب مدخلا لتطوير الكثير من العلوم.