تشهد الساحتان الأدبية والفنية في الدولة، حالة خصام مستغربة بين الرواية القطرية والدراما على مدار السنوات الأخيرة، خاصة بعد انتعاشة كبيرة لهما في فترة الثمانينيات، الأمر يثير الكثير من التساؤلات حول أسباب هذا الانقطاع في الشراكة بين الروائيين والمنتجين.
«العرب» استطلعت آراء كتاب حول غياب الرواية القطرية عن أعمال درامية، حيث تباينت الردود بين من يرى أن المسؤولية تقع على مؤسسات وشركات الإنتاج الفني، ومن يعتبر نقص كتاب السيناريو سببا لعدم تحويل الروايات إلى أعمال فنية.
ودعا الكتاب إلى ضرورة تكاتف الجهود بين الساحتين الأدبية والفنية المتمثلتين في وزارة الثقافة والمؤسسة القطرية للإعلام من أجل إحياء وجود الرواية القطرية على شاشة التلفزيون بأعمال تعكس قضايا المجتمع مثل أعمال الكاتبة وداد الكواري، مؤكدين وجود روايات كثيرة تصلح لصناعة عمل درامي أو سينمائي قادر على خوض المنافسات الدرامية السنوية.
واقترحوا تأسيس لجنة لقراءة الروايات القطرية لتقييم مدى إمكانية تحويلها إلى عمل فني أو إقامة ندوة بحضور كبار النقاد والكتاب الذين ألفوا المسلسلات والمسرحيات والذين كان لهم دور كبير في تحويل الرواية أو القصة إلى أعمال درامية من أجل حالة الفتور والخصام بين الرواية والدراما على المستوى المحلي.
لينا العالي: صانعو الدراما يريدون سيناريوهات سهلة
أكدت لينا العالي الفنانة والكاتبة المختصة في «أدب الطفل»، أن تحويل الرواية القطرية إلى عمل درامي يزيد في شهرتها وانتشارها، معتبرة أن الرواية الجيدة تنهض بمستوى العمل الدرامي.
وأضافت العالي، أن فترة التسعينيات شهدت انتشارا لأعمال وداد الكواري التي كان لها أثر كبير في تناول قضايا المجتمع، ومؤخرا ظهر العديد من الكتاب المتخصصين في كتابة الرواية وتبرز أعمالهم في معرض الكتاب، مؤكدة أن أغلب تلك الروايات قصص تعكس الواقع الاجتماعي إلا أن عددا محدودا منها يمكن تحويله إلى عمل درامي.
وأشارت إلى أن من أبرز الأعمال الأدبية التي عبرت من الورق إلى الشاشة، رواية «ساق البامبو» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي التي حولها الكاتب المصري محفوظ عبد الرحمن إلى مسلسل عرض قبل عامين في إحدى القنوات العربية، وقبلها رواية «عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الأسواني التي تحولت إلى فيلم سينمائي للمخرج مروان حامد وبمشاركة نجوم كبار من قبيل عادل إمام ونور الشريف وهند صبري وآخرين.
واعتبرت أن أهم التحديات التي تواجه تحول الرواية القطرية إلى سيناريو درامي هي اعتقاد الروائيين بأن المخرجين والمنتجين يبحثون عن سيناريوهات سهلة وجاهزة ولا يجتهدون في البحث عن روايات متميزة لها قابلية التحول إلى أعمال درامية ناجحة جماهيريا، رغم أن العديد من الروايات أسهمت في رفع مستوى المحتوى الدرامي بسبب تحويلها إلى مسلسل.
وأضافت أن العمل التلفزيوني أعاد التذكير في كثير من الروايات وكان سببا في بحث المشاهدين عنها ليقرأوا في هذه المرة ما شاهدوه عبر الفضاء السردي مما يدفعهم إلى شراكة الكاتب الروائي خياله.
وتابعت قائلة «لكن هذا الأمر في غاية الصعوبة بحيث يتطلب توافر نص روائي له بنية درامية وشخصيات واضحة من حيث رحلتها النفسية وطبيعتها السيكولوجية وظروفها الاجتماعية، كما يتطلب في كاتب السيناريو توافر الشروط المهنية وأهمها قدرته على تفكيك العمل الروائي وإعادة بنائه في قالب نص بصري ضمن رؤية جديدة وخاصة.. مع الحفاظ على هوية النص الأصلي الروائي، اعتقد أن منصة شاهد عملت على استقطاب الوجوه الجديدة مع روايات جديدة في قالب جديد».
وتخوض الكاتبة لينا العالي تجربة جديدة في كتابة السيناريو، حيث قالت «أخوض تجربة جديدة في كتابة سيناريو حلقات لقناة وهي تجربة تستحق مشاركة الكتاب المختصين في ادب الطفل، كما أن العمل حاليا في مرحلة التصحيح».
د.عبدالله فرج: أقترح تشكيل لجنة لتقييم الروايات المحلية
قال الدكتور عبدالله فرج المرزوقي الإعلامي والكاتب، إن إنتاج أعمال درامية من الرواية القطرية التي تعكس قضايا المجتمع يحتاج إلى تضافر الجهود من كافة الأطراف.
وأضاف المرزوقي أن الساحة الأدبية في دولة قطر لا تخلو من شاعر وكاتب ومؤلف ومخرج وروائي، معتبرا أن تطويع الرواية القطرية إلى عمل تلفزيوني أو إذاعي أو سينمائي أو مسرحي سيكون إضافة إلى الساحة الفنية والأدبية على حد سواء.
واعتبر أن الدراما المحلية المبنية على الرواية اختفت مع توقف الكاتبة وداد الكواري عن تأليف مسلسلاتها التي تعَود المشاهد القطري عليها، متسائلا عن الخلل في عدم تحويل الروايات المحلية -وهي كثيرة - إلى أعمال درامية.
وذكر المرزوقي أنه من بين كل تلك الروايات التي أنتجتها الساحة المحلية لم يقرأ ولا رواية، مشيرا إلى ضرورة تكثيف دور الملتقى القطري للمؤلفين وعقد الندوات بصورة دورية للتعريف بالإنتاج الأدبي المحلي.
وأضاف «لابد من لقاء تعريفي، أنا أعتقد بأنه قبل أن نفكر في تحويل الرواية القطرية إلى عمل درامي علينا تنظيم ندوة أو لقاء يجمع الروائيين والأدباء والكتاب والصحفيين والإعلاميين في دولة قطر للتعريف بالروائيين وبأعمالهم واصداراتهم، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تقييم الأعمال والانتقاء».
وتابع المرزوقي «في مصر تحولت الأفلام العربية منذ عام 1930 وكانت رواية زينب لمحمد حسين هيكل نقطة تحول بالنسبة للرواية العربية وقد حازت على جائزة كبيرة، وأنا أعتقد أن هذه الدعوة ستضيف إلى الأدب والفن والثقافة وستفتح بابا للروائيين القطريين والدراما القطرية للتطور».
ورأى أن مسؤولية تحويل الروايات إلى أعمال درامية ثنائية بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الثقافية وتحديدا وزارة الثقافة والمؤسسة القطرية للإعلام، داعيا إلى عدم ترك الروايات رهينة للمكتبات أو لا يقرأها أحد.
واقترح تشكل لجنة قراءة موسعة تضم كبار الكتاب وكبار الأدباء في العالم العربي لقراءة الرواية القطرية وتقييمها أو إقامة ندوة في دولة قطر يحضرها كبار النقاد وكبار الكتاب الذين ألفوا المسلسلات والمسرحيات والذين كان لهم دور كبير في تحويل الرواية أو القصة إلى أعمال درامية.
عائشة الكواري: فتور بين الشاشة والرواية في العقدين الماضيين
قالت الدكتورة عائشة جاسم الكواري مديرة الملتقى القطري للمؤلفين، إن تحول الرواية القطرية إلى عمل فني يضيف إليها الكثير ويساهم في انتشارها، مؤكدة ابتعاد الدراما القطرية عن المنافسة بقوة في السباقات الدرامية السنوية.
وأضافت الكواري، أن غياب الدراما القطرية عن المنافسة له أبعاد كثيرة منها دينية أو اجتماعية وغيرها، معتبرة أن النص الجيد يفرض نفسه على صنّاع الدراما، ولكن نحتاج من يكتشف هذا النص من خلال الناقد الواعي، وكذلك الجهات الداعمة التي تقوم بتحويله إلى دراما هادفة.
وترجع مديرة ملتقى المؤلفين، توتر العلاقة بين الرواية والشاشة إلى كون بعض الروايات غير قابلة للتحويل إلى مسلسلات أو أفلام، مما يدفع المخرج للبحث عن سيناريو جاهز، في حين تحتاج بعض الروايات لإعادة صياغة حتى تتحول إلى سيناريو الأمر الذي يحتاج لكثير من الوقت والجهد، مشيرة إلى أن المنصات مختلفة ويمكن أن نستفيد من الروايات في إنشاء بودكاست، أو مسلسلات أو أفلام، ونحن بذلك نضيف إلى الساحة الأدبية والساحة الفنية، والأرشيف الثقافي المحلي.
وأشارت إلى أن الملتقى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الأدب والشاشة تعود إلى فترة ذهبية تحولت فيها أعمال أدبية كبيرة لأفلام ومسلسلات فباتت راسخة في الذاكرة كوجهين لعملة واحدة.
ونوهت إلى أن الشاشة العربية في الماضي استقطبت أعمالا أدبية شهيرة لكتاب عرب وأجانب مثل نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق الحكيم ودستويفسكي وإميلا زولا وألبير كامو، لكن حماس الشاشة نحو السرد العربي اتسم خلال العقدين الماضيين بنوع من الفتور، وطرحت عددا محدودا من الروايات كأعمال فنية.
صالح غريب: شركات الإنتاج تبحث عن أعمال مثيرة
رأى الأستاذ صالح غريب مدير البرامج في الملتقى القطري للمؤلفين، أن الإنتاج الروائي على المستوى المحلي في قطر كبير جدا، خاصة مع بداية دور النشر القطرية تعمل في النشر منذ بداية عام 2017 حتى الآن، مبينا أنه من خلال رصده للإنتاج الثقافي في مجال الإصدارات خصوصا الروائية، حيث وقع في معرض الدوحة الدولي للكتاب في عام 2017 فقط أكثر من 200 رواية لكتاب قطريين الذين من بينهم من أصدرها في دول خارجية مثل الكويت والسعودية والإمارات ومصر ولبنان وسوريا وتركيا.
وأضاف غريب أن الملتقى القطري للمؤلفين ودور النشر بالدولة لها إنتاج غزير لكن لم تلتفت له أي من مؤسسات الإنتاج الدرامي المحلية أو الخليجية من أجل تحويله إلى أعمال درامية أو سينمائية، مشيرا إلى أن مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جمع الحكايات الشعبية في الخليج طمعا في تحويله إلى عمل فني من قبل قناة تلفزيون أو مؤسسة إنتاجية لكن ذلك لم يحدث.
وتابع «هذا الأمر ينطبق أيضا على الروايات القطرية أو الخليجية، ورغم أن الكتاب يقدمون أعمالهم إلى هذه الشركات أو المنتجين في دول الخليج، إلا أنهم يحجمون عن إنتاجها ويسعون لإنتاج أعمال مثيرة وتتناول قضايا مسكوت عنها في مجتمعات الخليج تظهر فيها الكثير من المساوئ والمستوى المتدني في الكثير من المجالات، لذلك لو التفت أحدهم إلى أعمال الكتاب القطريين والخليجيين وتحويلها إلى أعمال درامية أفضل من إنتاج أعمال يتم فيها تشويه المجتمعات الخليجية».
واعتبر غريب أن تحويل الرويات القطرية إلى أعمال درامية أمر سهل، داعيا المؤسسات الإنتاجية أو كتاب السيناريو أن يختاروا النصوص الروائية والاقتباس منها أو تحويلها كليا إلى أعمال درامية، مؤكدا وجود الكثير من الروايات التي تصلح لذلك مثل رواية «دخان» للدكتور أحمد عبدالملك الفائزة بجائزة كتارا للرواية القطرية.
وعن آليات العمل لتحقيق الاستفادة من الروايات القطرية، رأى غريب أنه يجب على مؤسسات الإنتاج الفني عرض خدماتها ورغباتها على الكتاب لتقديم أعمال مشتركة بين الجانبين.
عيسى عبدالله: كاتب الرواية ليس المسؤول
حمل الكاتب عيسى عبدالله، شركات الإنتاج مسؤولية غياب الرواية القطرية عن الشاشات وعدم تحويلها إلى أعمال درامية، مضيفا أن كاتب الرواية ليس مسؤولا دوره البحث عن سيناريست أو منتج لتحويلها إلى عمل درامي، وأن التلفزيون ليس مهمته إنتاج الأفلام أو المسلسلات، بل مؤسسات الإنتاج ودور النشر التي يجب أن يكون لديها لجان قراءة.
وقال عيسى إن العديد من الأعمال والروايات في قطر تصلح للأعمال الدرامية، لكن شركات الإنتاج ترغب في السيناريو الجاهز لعدم امتلاكها لجنة أو طاقم عمل يقرأ الروايات المحلية ويصنفها لما يصلح للأعمال السينمائية أو الدرامية.
وأضاف أن قطر تفتقر إلى كتاب السيناريو مثل وداد الكواري التي لم نر أسماء قوية من بعدها ولا أعمالا ترقى إلى منافسة الأعمال العربية ولا حتى الخليجية، مشيرا إلى ان المنصات الفنية الكبرى التي تختص في بث الأعمال الدرامية لا تبث الأعمال القطرية، رغم أن قطر كانت لها أعمال جيدة سابقا، وكان لها مكانتها في الوطن العربي.
وتساءل «لماذا بعد الوصول إلى تلك المرحلة جاء التوقف فجأة بدون مبررات، والأمر سيان بالنسبة للمسرح والدراما التلفزيونية، حيث كنا في وقت مضى في نفس المستوى مع الانتاج الدرامي القطري الذي استمر، ووصل إلى تبوؤ مكانة في الوطن العربي ككل عكس أعمالنا التي اختفت من الساحة».
وطالب عبدالله بضرورة وجود شركات إنتاج قادرة على صنع مادة درامية تنافس الأعمال الموجودة بالسوق.
وعن سبل ظهور الرواية القطري على الشاشة، قال «جي كي رولينغ عندما كتبت رواية هاري بوتر لم تبحث عن منتج ولم تسع لتحويل روايتها إلى فيلم، رغم أن عملها كان يتوفر على كل الشروط والمتطلبات لتحويله إلى مسلسل، لذلك شركات الإنتاج مطالبة بالسعي إلى النصوص المميزة والتي تصلح، وتنفذ العمل ثم تعرضه على التليفزيونات والمنصات المختصة بالعرض لتشتريه، وهو ما نفتقده، كما أن المنتجين لدينا لا يوفرون ما يتطلبه العمل من إمكانيات وهو ما يؤثر على مستوى العمل».