يتحدث هذا الكتاب عن سيرة أسد الصحراء والمجاهد الشيخ عمر المختار (رحمه الله)، منذ مولده حتى استشهاده، وعن عبادته، وتلاوته للقرآن الكريم، وشجاعته، وكرمه، ودعوته، وجهاده قبل الاحتلال الإيطالي ومعاركه الأولى ضدها، وسفره إلى مصر للتنسيق مع الأمير إدريس في شؤون البلاد والقبائل، واستمرارية الجهاد.
وهذا الكتاب «الشيخ الجليل عمر المختار (رحمه الله): نشأته، وأعماله، واستشهاده»، هو من القطع الصغير، ويبلغ عدد صفحاته ١١٨ صفحة، وتمت ترجمته للغات التركية والفارسية والبنغالية والإندونيسية والبوسنية، وفي الكتاب، يعيش القارئ الكريم مع عمر المختار في معاركه التي خاضها؛ كمعركة بئر الغبي، وعقيرة الدم، وعن وسائله في تموين المجاهدين، وعن تشكيلاته وخططه وقيادته لحرب العصابات التي أصبحت مَعْلَماً لمن جاء بعده من قيادات حركة التحرير.
اخلاص للجهاد
ويتحدث الكتاب عن فقد عمر المختار لكبار المجاهدين، وآثار ذلك على مشاعره وأحاسيسه، وموقفه من تلك الصدمات المتكررة، كاستشهاد أخيه في الدين حسين الجويفي البرعصي، وابن أخيه المختار بن محمد، وعن حرصه على الشهادة وإخلاصه لقضية الجهاد، وعزيمته النافذة، وصبره العظيم، وحكمته في القيادة، وفهمه للأمور ببصيرته النافذة ونظره البعيد.
ويوضِّح الكتاب حرص إيطاليا على دخول المفاوضات مع عمر المختار لكسب الوقت، وتفريق المجاهدين، وكيف كان عمر المختار منتبهاً لأغراضهم الخبيثة، فكان في تلك المفاوضات واسع الأفق بعيد النظر، فاتخذ مواقف صحيحة وقوية فرضت الاحترام على أعدائه قبل أصدقائه.
ويبين الكتاب حقيقة الجنرال غراسياني الذي كان عند قومه معظَّماً ومقدَّماً، والذي أسندت إليه الحكومة الإيطالية بزعامة الدوتشي (موسليني) مهمة القضاء المبرم على حركة الجهاد مهما كلَّف ذلك، بكل الطرق وكافـة الوسائل، ولذلك أنشأ المحكمة الطـائرة التي كانت تحكم على الأهالي بالموت، وتصادر الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشيست، فكانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة، وتصدر أحكامها وتنفذ في دقائق بحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أن تغادر الموقع الذي انعقدت فيـه، لتنعقد في نـفس اليوم بموقع آخر، وفتحت أبواب السجون في كل مدينة وقريـة ببرقـة، ونصبت أعواد المشانق في كل من العقيلة، وإجدابية، وبنغازي، وسـلوق، والمرج، وشحـات، ودرنـة، وعين الغزالة، وطبرق، ولأتفه شبهة وأقل فرية يصدر حكم الإعدام وينفذ شنقاً أو رمياً بالرصاص، وقام الجنرال غراسياني بعزل الأهالي الخاضعين لهم عن المجاهدين، وأدخلهم المعتقلات الرهيبـة، فيجد القارئ في هذا الكتاب حقيقـة تلـك المعتقلات.
وتحدث هذا الكتاب عن عمر المختار كقائد عسكري له القدرة على تغيير خططه، وتطوير أساليبه القتالية مع ما يتمشى مع المراحل التي يخوضها، حتى أن عدوه غراسياني اعترف بذلك فقال: ((بالرغم من إبعاد النواجع والسكان الخاضعين لحكمنا يستمر عمر المختار في المقاومة بشدة، ويلاحق قواتنا في كل مكان)).
وقال أيضاً: ((عمر المختار قبل كل شيء لن يسلم أبداً؛ لأن طريقته في القتال ليست كالقادة الآخرين؛ فهو بطل في إفساد الخطط وسرعة التنقل؛ بحيث لا يمكن تحديد موقعه لتسديد الضربات له ولجنوده... عمر المختار يكافح إلى أبعد حد لدرجة العجز، ثم يغير خطته ويسعى دائماً للحصول على أي تقدم مهما كان ضئيلاً؛ بحيث يتمكن من رفع الروح العسكرية مادياً ومعنوياً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وهنا يسلم أمره لله كمسلم مخلص لدينه)).
التي مدَّها الإيطاليون على طول الحدود الليبية المصرية ما يزيد على ٣٠٠ كم؛ من البحر المتوسط إلى ما بعد الجغبوب، بغية القضاء على حركة الجهاد التي كان يقودها المختار، ويجد القارئ الكريم في هذا الكتاب تفصيلاً دقيقاً موثقاً عن الأعمال الشنيعة، والمزرية التي قام بها الإيطاليون ضد الشعب الليبي عندما احتلوا العاصمة السنوسية الشهيرة، وكيف اهتزَّ العالم الإسلامي لتلك الأحداث؟ وكيف كان دور الصحافة الإسلامية؟
ويبين الكتاب للقارئ الكريم وثائق تاريخية مهمة بقلم شكيب أرسلان، وجمعية الشبان المسلمين بمصر، وقد وقع عليها محمد رشيد رضا صاحب مجلة (المنار) الإسلامية، وتقي الدين الهلالي، الأستاذ الأول للآداب العربية بندوة العلماء بالهند، وغيرهم.
ويمضي الكتاب مع عمر المختار حتى الأيام الأخيرة من حياته، فيصف اللقاء الشهير الذي تم بين محمد أسد وعمر المختار، وكيف وقع المختار في الأسر؟ ويتحدث عن مواقفه في داخل السجن التي تدل على سلامة العقيدة، ورسوخ مفهوم القضاء والقدر في نفس ذلك الشيخ الجليل، وعن عزة الإيمان التي كان يتحدث بها في لقائه مع الجنرال غراسياني، وأثناء المحكمة، وكيف كان يقاد إلى المشنقة وهو يتلو قول الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ*ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً*فَادْخُلِي فِي عِبَادِي*وَادْخُلِي جَنَّتِي*} [الفَجر: 27-30].
إن هذا الكتاب يثبت بالحقائق التاريخية أن حياة عمر المختار مدرسة تستحق الدراسة والبحث؛ في جوانب متعددة في شخصيته العلمية والدعوية والجهادية وصفاته الخلقية الرفيعة.
حاولت في هذا الكتاب الاعتماد على أسلوب السرد التاريخي، وعدم الاعتماد على تخطيط الأحداث التاريخية كما يفعل بعض المؤرخين وأصحاب السير، محاولاً الابتعاد عن الألفاظ المعقدة والمغالات والتقريع، بل كتابة تاريخ سهل يستعرض سيرة هذا الرجل القائد وأهم محطات حياته الجهادية ضد المحتل المعتدي وحتى لحظة إعدامه وموته عام ١٩٣١م.
صدر هذا الكتاب بفضل الله وتوفيقه لأول مرة عام ٢٠١٤م عن المكتبة العصرية للنشر والتوزيع في لبنان. ولله المنة والفضل من قبل ومن بعد، وأسأله تعالى أن يجعله لوجهه خالصاً ولخلقه نافعاً. والحمد لله رب العالمين.
يمكن الاطلاع على كتاب الشيخ الجليل عمر المختار (رحمه الله) نشأته، وأعماله، واستشهاده، وهو متوافر على الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي على الرابط التالي:
https://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/49