«التفحيط» انتحار للشباب القطري.. وأخطر من «الراليات»
تحقيقات
19 يناير 2016 , 01:18ص
امير سالم
قد تكون الموهبة كما هي عادتها محصورة في جانب من حياة شخص ما تجعله متميزا عن الآخرين، وقد يعيش الكثيرون ويموتون دون أن يعيشوا أجواء المخاطرة، وقد يتوافر لدى كثيرين منهم روح التحدي التي تعوض نقصا في الموهبة.. هي فطرة الله في خلقه.
ولكن أن تتوافر الموهبة مع روح المخاطرة ممزوجة في «عصير التحدي» فأنت أمام حالة استثنائية، لديها رأي ورؤية للحياة، لا تقف عند حد، ولا تقبل بالأمر الواقع، ولا بقواعد المنطق.
ما سبق ليس تمجيدا لأحد وإنما هو واقع صادفناه في لقاء عابر مع حمد السويدي بطل سباقات السيارات الذي كشف عن مواهب لا يراها في نفسه ولا يحسبها تميزا مدفوعا برغبة في المعرفة والبحث عن جديد.
في داخل مزرعته بفريج السودان وبدعوة خاصة كان لقاء السويدي مع "العرب" وهي أقرب في الحقيقة إلى عالم سحري يبدو غير مترابط لكنه واقعي حافل بالإثارة.
كشف السويدي عن أنه يعشق التحدي الذي أدخله عوالم مثيرة قد تبدو متناقضة، لكنها ترتبط لديه بحب المعرفة والتجربة، مؤكدا أنه يهوي تربية الطواويس، ويجمع كافة الفصائل النادرة منها على مستوى العالم، وأن روح المغامرة لديه دفعته يوما إلى البقاء مع أخطر أنواع أسماك القرش لمدة 40 دقيقة تحت الماء، مثلما دفعه الفضول يوما إلى معرفة عالم تربية النحل والتوجه إلى زراعة النباتات المائية والمعلقة.
رسالة تحذير
بداية اللقاء كانت رسالة تحذيرية لمن يهمه الأمر تلفت الانتباه إلى التفحيط واستعراضات السيارات الخطرة التي يمارسها الشباب القطريون في موسم التخييم بسيلين وخور العديد، لافتا إلى أن مثل هذه المسابقات تسيء إلى المظهر الحضاري لدولة قطر ما يستدعي ضرورة التصدي لمثل هذه الاستعراضات ومنعها نهائيا من خلال تنظيم سباقات للسيارات أسوة بما هو موجود في كافة دول العالم، وقال: "كنت من الجيل الذي بدأ التفحيط في قطر حتى تحول بمرور الوقت حتى أصبح على ما هو عليه الآن"، وقال: "أنا ضد التفحيط، وقد حان الوقت لمنع استعراضاته في سيلين وخور العديد، رغم أنه هو الذي صنع منا أبطالا في عالم السيارات" موضحا أن "التفحيط" انتحار للشباب القطري وهو أخطر من سباقات الراليات نظرا لغياب وسائل الأمان تماما، وارتفاع نسبة المخاطرة، وأعرب عن أمله في أن يتم استغلال مواهب الشباب القطري من محبي السيارات في جوانب إيجابية أكثر أمانا بما يساهم في حمايتهم من خطر الموت المحقق في استعراضات السيارات المميتة، موضحا إمكانية تنظيم سباقات للهواة تتوافر فيها عناصر الأمان وقواعد المسابقات التي يمارسها الشباب حول العالم، منوها بأن هذه المسابقات سوف تعمل على تفريغ طاقات هؤلاء الشباب واكتشاف المواهب التي يمكن أن ترفع اسم قطر عاليا في عالم سباقات السيارات.
اعتراف بالمسؤولية
وأكد السويدي أن جيله هو الذي اخترع التفحيط وجعله طقسا لدى القطريين الذين يتمتعون بموهبة فطرية في قيادة السيارات ويمتلكون قدرة وإقداما جعلهم لا يعرفون الخوف من قيادة السيارات ولا الاستعراضات في الرمال الخطرة.
وقال: "بدأت التفحيط منذ كنت صغيرا بسيارة سوزوكي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وسريعا انتقلت إلى مرحلة احتراف مسابقات الرالي العالمية التي تحتل في قطر مكانة متميزة ولديها سجل مشرف بها" لافتا إلى أنه كان ولا يزال يفضل قيادة السيارات الإنجليزية الصنع، وأن "أوستن مارتن" أفضل سيارة يهوي قيادتها في السباقات الرياضية وفي الحياة اليومية.
الرالي أكثر أمانا
وعن حبه لسباقات الراليات رغم مخاطر الحوادث الناجمة عن السرعة قال السويدي: "إن الرالي أكثر أمانا من التفحيط الذي يحصد أرواح الأبرياء بلا هوادة، كما أن درجة الأمان تفوق قيادة السيارات في الشوارع، والتي تتسم في أحيان كثيرة بالتهور، وترتفع درجة خطورتها بسبب سلوكيات قائدي السيارات الذين ينشغلون بالهواتف ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي وهم في يسيرون بسرعات كبيرة".
مرحلة تريض
وعن توجهه إلى تنويع اهتماماته في مجالات أخرى على حساب مسابقات الرالي، قال السويدي: "أنا حاليا في مرحلة تريض، لكني لن أبتعد عن الرالي، وسوف أخوض منافساته حتى الرمق الأخير من حياتي، ولن أعتزل، وستكون خبراتي في خدمة الشباب القطريين من هواة سباقات السيارات لأنهم موهوبون بالفطرة".
الرقص مع القرش
وعن مغامرته المثيرة مع أسماك القرش المفترسة ودوافعه للتواجد معها تحت الماء على مدار 40 دقيقة كاملة قال حمد السويدي: "أهوى رياضة الغطس بشدة، وأسافر خصيصا إلى شرم الشيخ بمصر، وإلى شواطئ تايلاند والمالديف لقضاء أوقات طويلة في ممارسة هذه الرياضة" مضيفا أن روح المغامرة دفعته يوما إلى الغطس في أكبر حوض لأسماك القرش بالعالم وهو في دولة سنغافورة، لافتا إلى أنه تعايش مع "القرش" خلال هذه المدة ببدلة الغطس العادية، ومرت التجربة في سلام، لكنه شعر بالخوف وأنه خاطر بحياته بعد أن غادر المياه بسلام.
وعن أسباب هذا الشعور الذي سيطر عليه بعد هذه التجربة المثيرة أوضح السويدي: "صراحة فور خروجي من المياه قام فريق من الغطاسين المحترفين بنزول حوض المياه لإطعام أسماك القرش، وهم يرتدون سترات حديدية واقية، ومعهم صواعق كهربائية حتى لا يتم افتراسهم"، وقال ساخرا: "اكتشفت أنني كنت متهورا للغاية بالإقدام على هذه المغامرة، خاصة أن الأسماك كانت جائعة، وقلت لمرافقي الذي سمح لي بخوض هذه المغامرة كيف تقدمني فريسة لأخطر مخلوقات الأرض وتتركني معها 40 دقيقة دون وسائل أمان، وهي جائعة"!!
صيد ثمين
وقال: "خرجت من هذه المغامرة بمجموعة من أسنان القرش الموجودة في "قعر الحوض"، لأنها تغير أطقمها بشكل دوري، وتتغير لها نحو 30 ألف "سن" على مدار حياتها"، منوها بأنه يحتفظ بهذه الأسنان، ويأمل في تكرار المغامرة مستقبلا، خاصة أنه تحصل على خبرة في التعامل مع "القرش" تكمن في تجاهل وجوده، وعدم النظر في عينيه.
رحلة مع الطواويس
وعن ارتباطه بهواية اقتناء وتربية الطواويس النادرة وهي تختلف كلية عن سباقات السيارات والغوص مع أسماك القرش المثيرة والمميتة، أوضح حمد السويدي: "لا يوجد خلاف كبير بين عالم الهوايات الخطرة وعالم الجمال، فكلاهما حرك بداخلي التحدي، والرغبة في معرفة عوالم غامضة، وقد بدأت علاقتي بالطواويس بهدية قدمها لي واحد من أقاربي وكانت طاووسين، ودفعني جمالهما إلى التأمل في عظمة صنع الله، وبدأت أقرأ عن هذا العالم، وأبحث في كل مكان عن الأنواع النادرة منها، حتى أصبحت أمتلك الأندر والأجمل منها على مستوى العالم"، منوها بأنه يقضي أفضل أوقاته مع الطواويس في مزرعته "بفريج السودان" ويتأمل جمالها، ومراحل نموها وتطورها، وكأنه يعيش في "مرسم" متحرك مستمتعا بما فيه من لوحة إلهية تحوي جمال ورقة وألوان هذه المخلوقات.
اقتناء وليس للبيع
وقال: "إنني أتواصل باستمرار مع الاتحادات الدولية وفي مقدمتها الاتحاد الدولي لمربي الطواويس ومقره بالولايات المتحدة الأميركية" لافتا إلى أن لديه 225 نوعا من الطواويس ليس بغرض الاتجار، وإنما من أجل اقتناء الأجمل والأندر منها، منوها بأن قيمة الطاووس لا تقدر بمال، وأنه قدم طاووسين هدية لأحد الملوك العرب، وقال: "صراحة طواويسي ليست للبيع ولن تكون، لأنني جمعتها من الهند وجزيرة جاوة وأميركا لأستمتع بجمالها، وليس من أجل البيع والشراء".
معجزة النحل
وعن اتجاهه مؤخرا إلى عالم تربية النحل وأسباب اقتحامه هذا المجال الذي يخلو من مخاطرة سباقات السيارات والرقص مع أسماك القرش والتمتع بجمال الطواويس، قال حمد السويدي: "دخلت هذا المجال قبل عام تقريبا مدفوعا بتكريم الله تعالى للنحل بذكره في سورة كاملة تحمل اسمه بالقرآن الكريم، وكيف أن الله أوحى إليه، وكيف أنه يخرج من بطونه العسل الخالص الذي فيه شفاء للناس" مضيفا: "حاولت معرفة هذا العالم، وأن أقوم بإنتاج عسل طبيعي عالي الجودة خال من الغش وغيرها من عمليات الخلط التي تؤدي إلى إفساد نقاء الإنتاج".
وتابع: "في جزء خاص من مزرعتي يوجد "المنحل" بجواره نباتات تنتج أزهار الرحيق التي يتغذى منها النحل، ومنها البرسيم، والريحان، وأشجار السدر، والليمون وغيرها"، منوها بأن التحدي كان دافعا لديه في تربية النحل، وهو معرفة كيفية إنتاج العسل الطيب النقي، وقال: "أقوم باستيراد النحل من مصر، وأوفر الزهور بجوار بيوت النحل حتى لا تبذل مجهودا كبيرا في البحث عن الرحيق".
زراعات تتحدى الجاذبية
وكشف حمد السويدي أنه خصص جزءا من مزرعته لمشروع الزراعة المائية التي تمتد على إنتاج محاصيل ونباتات بدون تربة، بتقنية المياه المخلوعة بعناصر ومكونات التربية الطبيعية وتغذية المزروعات عليها، مثلما هو معمول به في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول العالم، موضحا أنه يركز على زراعة الخضروات حاليا التي توفر احتياجات أسرته منها، منوها في الوقت نفسه بأنه ينفذ تجربة زراعة المحاصيل المعلقة والمتدرجة في صفوف هرمية اعتمادا علي التربة البديلة وداخل أكياس وليس في التربة العادية، كاشفا عن أن لديه أصغر وأكبر شجرتي طماطم في العالم، وهما من إنتاج التربة البديلة، فضلا عن وجود فواكه ومنها الفراولة من بين الزراعات المتواجدة في مزرعته.
وعن وجود زراعات معلقة بارتفاعات متدرجة بالمزرعة قال: "بالفعل لدي أنواع من الزراعات تتواجد في صفوف متدرجة وداخل أكياس أو صناديق بلاستيكية تتدلى من أعلى إلى أسفل -خلافا لقانون الجاذبية- ويمكن في المدرج الواحد زراعة أكثر من نوع من الخضروات والفاكهة، وهي طبيعية وآمنة ومختلفة الأشكال والألوان".