قرار «مواصفات المباني» خطوة ضرورية لدمج ذوي الاحتياجات بالمجتمع
تحقيقات
18 نوفمبر 2015 , 02:51ص
امير سالم
أشاد خبراء في مجال رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بموافقة مجلس الوزراء على مشروع قرار وزير البلدية والتخطيط العمراني بشأن الشروط والمواصفات الفنية للمباني التي يستخدمها ذوو الإعاقة.
وأكدوا أن هذه الخطوة سوف تسرع من خطوات الدمج المجتمعي لهذه الفئة على اختلاف نوعية الإعاقة التي يعاني منها الشخص، دون الحاجة لمساعدة الآخرين، لافتين في حديثهم لـ «العرب» إلى أن اهتمام الحكومة بذوي الإعاقة بالموافقة على القرار يتسق مع المبادئ الأساسية التي استندت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأكد مواطنون استطلعت «العرب» آراءهم ضرورة المبادرة بتفعيل القرار، وأن يتم التعامل بحسم مع كافة المنشآت لضمان التزامها بهذه المواصفات مع إمكانية تعديل مواصفات عدة منشآت أخرى بما يتطابق مع الشروط والمواصفات الفنية المطلوبة، لافتين إلى أهمية إجراء حوار مجتمعي مع ذوي الإعاقة بما يضمن مراعاة كافة الملاحظات المطلوبة لتطبيق المواصفات حتى تتحقق الاستفادة الكاملة من تطبيق القرار، محذرين من عدم تفعيل القرار كما حدث قبل 10 سنوات؛ حيث تم تجاهل تنفيذ المواصفات ما أسفر عن بناء أكثر من 100 منشأة دون تطبيق مواصفات ذوي الاحتياجات الخاصة.
الحوار خطوة أولى
«أرى ضرورة أن تكون مباني كافة المؤسسات مجهزة لخدمة جموع ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة إلي مراعاة ما تحتاجه كل إعاقة من تجهيزات خاصة» سواء فيما يتعلق بالتصميم البنائي أو باقي الخدمات الأخرى، هذا ما أشارت إليه السيدة إيمان صالح أمين السر العام بالمركز القطري الثقافي الاجتماعي للصم، موضحة أهمية مشاركة مسؤولي الجهات المعينة بذوي الإعاقة على اختلاف أنواعها مع المعاقين أنفسهم، سواء كانت جمعيات أو مراكز أو مؤسسات، لمعرفة احتياجاتهم ونوعية الخدمات المفترض وجودها في المباني الخاصة بهم، وما هي المعايير والمواصفات الفنية المطلوبة لجعل تعاملهم أكثر سهولة.
وتابعت «صالح»: إن هذا الاجتماع يجب أن يكون سابقاً لاجتماع آخر بين مسؤولي وزارة البلدية، لوضع تصوراتهم وإبداء ملاحظاتهم حول القرار، لافته إلي ضرورة أن تحرص وزارة البلدية علي استطلاع رأي ذوي الاحتياجات الخاصة والجهات التي تدعمهم حول آلية تطبيق القرار، حتى يكون ملبياً ومتضمناً كافة الملاحظات التي يطرحها ذوي الاحتياجات الخاصة بما يتوافق مع «الكود الهندسي» الخاص للمنشآت.
وأعربت أمين عام المركز القطري الثقافي الاجتماعي للصم عن اعتقادها بأن هناك مباني لعدة وزارات مهيأة بما نسبته %80 لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنها ما هو تابع لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وبورصة قطر، واللجنة الأوليمبية، موضحة أن الخدمات الموجودة بمبان هذه الجهات، علي سبيل المثال، في منتهى السلاسة وتخدم ذوي الإعاقة ولا توجد أدنى معوقات تعترضهم.
ودعت صالح إلى أهمية المبادرة تفعيل القرار؛ لأنه سوف يساهم في تقديم خدمات لائقة يحتاجها ذوو الاحتياجات بما يدعم دمجهم في المجتمع، والاستفادة من قدراتهم، وتنمية المهارات الخاصة بهم، ومنحهم الثقة في ذواتهم، وضمان تكافؤ الفرص في العمل والإنتاج وفي الحصول علي الخدمات أسوة بالأصحاء، وتحقيق مصلحة المجتمع ككل في النهاية.
صعوبات بالجملة
«هذا القرار مهم جداً في كسر حاجز عزلة ذوي الاحتياجات الخاصة عن المجتمع» هذا ما أشار إليه السيد طالب عفيفة عضو مجلس إدارة الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، موضحاً أن فئة المعاقين علي اختلاف درجة إعاقتهم يواجهون صعوبات كبيرة في التعامل بصورة عادية داخل كافة المؤسسات وجهات تقديم الخدمة، لافتاً إلي أن مشروع القرار يشجع هذه الفئة على تجاوز الصعوبات اليومية التي يعيشونها، وتحقيق الدمج المجتمعي والمساهمة الفاعلة من جانبهم في كافة مناحي الحياة.
ووصف «عفيفة» هذه الخطوة بأنها نقلة نوعية تصب في مصلحة المجتمع بالكامل باعتبار أن ذوي الاحتياجات الخاصة جزء لا يتجزأ منه، وأن تفعيل مشاركتهم مجتمعياً، حال تطبيق اشتراطات البناء في كافة المؤسسات بما يتوافق مع حالتهم الصحية، سوف يعمل علي تحقيق المصلحة العامة ويجعل هذه الفئة قادرة على المساهمة البناءة في العمل والإنتاج.
وقال عضو مجلس إدارة الجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة: «إن هذا القرار جاء استجابة لمطالب سابقة لهذه الفئة والمؤسسات الداعمة لمطالبها» مشددًا في الوقت نفسه على أهمية أن يطبق القرار فعلياً علي الأرض بما لا يؤدي إلي تفريغه من محتواه الهادف إلى تسهيل الحياة والدمج المجتمعي لذوي الإعاقة.
وأكد «عفيفة» أن المشاركين في بطولة العالم لذوي الاحتياجات الخاصة التي استضافتها قطر قبل أيام، أعربوا عن إعجابهم بما شاهدوه من اهتمام حكومي بالبطولة حتى خرجت بصورة مشرفة، موضحاً أن هذا الحدث أبرز مدى ما توليه الحكومة من اهتمام بشأن هذه الفئة ليس علي صعيد البطولة وحدها، وإنما على مستوى الخدمة المقدمة، وقال: «قابلت عدداً كبيراً من المشاركين في البطولة وأشادوا بجودة الخدمات» وأعربوا عن أملهم في تطبيق ما شاهدوه من خدمات، في بلادهم، وفي كافة نواحي الحياة اليومية من خدمات ومواصلات وغيرها».
الدليل الهندسي
«لابد من اتباع الدليل الهندسي «الكود الخاص» لذوي الإعاقة حتى يتم تطبيق القرار على النحو الذي يحقق الفائدة الشاملة لجموع المعاقين في كافة المجالات الحياتية.. هذا ما أكده السيد أمير الملا الرئيس التنفيذي للجمعية القطرية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، موضحاً أهمية أن تتسق أي خطوة في هذا الشأن مع «الكود الخاص» المعمول به في الأمم المتحدة والجهات الدولية مع مراعاة ما يمكن، ولا ما لا يمكن تطبيقه علي أرض الواقع.
وأعرب الملا عن أن أمله في أن يطبق هذا القرار بسرعة، وأن يتوافق مع ما جاء في نصوص القانون رقم 2 لسنة 2004، والخاص بذوي الإعاقة، وبما جاء بالاتفاقية الدولية للأمم المتحدة لحقوق ذوي الإعاقة، لافتاً في الوقت نفسه إلي أهمية أخذ رأي المختصين، وذوي الإعاقة في كل ما يخص شؤونهم حتى يحقق القرار المصلحة العامة، وبما يتفق مع مصالح جموع ذوي الاحتياجات الخاصة.
المنشآت غير مجهزة
خلافاً لما سبق من سطور بدت وجهة نظر السيد محمد البنعلي نائب رئيس المكتب التنفيذي للجمعية الخليجية للإعاقة، أقل حماساً استناداً إلي السوابق الماضية في هذا الشأن، موضحاً أن المواصفات والمقاييس الخاصة بالمباني وتأهيلها لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة كانت موجودة منذ 10 سنوات، ولكن البلدية لم تفعلها، واختفت هذه المقاييس ولم تطبق دون سبب، لافتاً إلي أن ما لا يقل عن 100 برج تم تشييدها ولا تتوافر بها المواصفات والمقاييس الخاصة للمعاقين.
وأكد البنعلي ضرورة تطبيق هذا القرار دون إبطاء حتى لا نفاجئ ببناء مزيد من المؤسسات والأبراج بدون مواصفات، لافتاً إلي أن تطبيق القرار بصورة صحيحة سوف يضع قطر في المركز الأول عربياً في مجال الاهتمام بذوي الإعاقة، ودمجهم في المجتمع، لكنه أعرب عن مخاوفه من أن يتكرر سيناريو ما حدث قبل 10 سنوات، وأن لا يرى القرار النور، محذراً من أن بناء مزيد من المنشآت الخدمية دون تطبيق المواصفات والمعايير الدولية الخاصة بالمعاقين سوف يزيد من المعوقات التي تعترض هذه الفئة، موضحاً أن تعديل مواصفات بناء هذه المنشآت، والتي تجاوز عددها الـ100 برج، صعب للغاية، ولن يكون إجراءً عملياً يحقق الأهداف المرجوة منه.
وقال «البنعلي»: إن بطولة العالم لذوي الإعاقة التي استضافتها قطر مؤخراً، كشفت عن عدم جاهزية الفنادق وغيرها من المنشآت للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة نظراً لعدم تطبيقها للمواصفات والمعايير، موضحاً أن بعض هذه الفنادق لا يوجد فيها أكثر من غرفتين فقط لذوي الإعاقة، كما لا توجد سيارات خاصة بالمعاقين، منوهاً بأن قطر في وقت سابق لم يكن بها أكثر من 4 سيارات فقط لذوي الاحتياجات الخاصة، متمنياً أن يكون هذه العدد قد زاد عن السابق.
وأوضح أن السفن البحرية الموجودة بمنطقة الكورنيش، علي سبيل المثال، غير مؤهلة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، لكونها غير مطابقة للمواصفات نظراً لعدم وجود ممر آمن يسمح لهذه الفئة بدخول وخروج المعاقين بصورة آمنة وطبيعية، مضيفاً أن الخطوط الجوية القطرية لا تترجم إجراءات السلامة الجوية للغة الإشارة، مما يضع الركاب من ذوي الإعاقة السمعية وغيرها في صعوبات عدم الفهم لهذه الإجراءات كما أن هناك شباب مقعدين يعانون من صعوبات الطيران عبر «القطرية» لعدم جاهزيتها للتعامل مع حالتهم الصحية بصورة مطابقة للمعايير والمواصفات المطلوبة.
وأكد نائب رئيس المكتب التنفيذي للجمعية الخليجية للإعاقة أن التشريعات والقوانين الخاصة بذوي الإعاقة في قطر، هي الأقوى والأكثر مراعاة لحقوق هذه الفئة لكنه أوضح أن التطبيق الفعلي ليس علي مستوى التشريع.
وأعرب البنعلي مجدداً عن أمله في تطبيق الشروط والمواصفات الفنية للمباني التي يستخدمها ذوو الإعاقة لكنه دعا إلي ضرورة الاستماع إلي وجهة نظر الخبراء وذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم قبل
تطبيق القرار حتى يكون مشمولاً بكافة المعايير والملاحظات، وأن يلبي كافة أنواع الإعاقة، مشدداً علي ضرورة تشكيل لجنة من المعاقين أنفسهم لإبداء الرأي علي نحو يجعل تطبيق القرار محققاً للمصلحة العامة.
المنشآت غير مجهزة
وبدوره قال السيد أحمد الجولو رئيس جمعية المهندسين القطريين: «لا يوجد علي العموم كود بناء موحد، ولكن تتوافر مواصفات ينبغي توافرها في المنشآت بما يسهل مهمة ذوي الاحتياجات الخاصة، لافتاً إلي أن الفترة المقبلة سوف تشهد انتهاء دول مجلس التعاون الخليجي من وضع الكود الموحد للمباني».
وفيما يتعلق بالمواصفات المطلوبة في المنشآت حتى تتوافق مع ظروف ذوي الاحتياجات الخاصة أوضح «الجولو» أن وزارة البيئة هي التي تحدد المواصفات، ومنها المطلوبة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة وفي مقدمها المداخل وكافة التسهيلات لذوي الإعاقة، موضحاً أن هناك منشآت حالية بالفعل غير مجهزة لخدمة ذوي الإعاقة لكن يمكن إضافة تعديلات تراعي ظروف ذوي الاحتياجات الخاصة، مشدداً في الوقت نفسه علي أهمية دخول القرار حيز التنفيذ خلال الفترة المقبلة وأن يتم إلزام المباني بالمواصفات المعتمدة دولياً في هذا الشأن لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، موضحاً ضرورة التشدد حيال مخالفي المواصفات بمنع منحهم التراخيص، سواء كان مؤسسة حكومية أو منشأة تابعة للقطاع الخاص طالما أنهما في الحالتين تقدمان خدمة لذوي الاحتياجات الخاصة.
قانون ذوي الإعاقة
الجدير بالذكر أن القانون رقم 2 لسنة 2004، والخاص بذوي الإعاقة يحدد ذوي الاحتياجات الخاصة بأنهم: كل شخص مصاب بعجز كلي أو جزئي دائم في أي من حواسه أو قدراته الجسمية أو النفسية أو العقلية إلي المدى الذي يحد من إمكانيته للتعلم أو التأهيل أو العمل، ويقر القانون بأحقيتهم في الخدمات التربوية والتعليمية لتلبية احتياجاتهم وتنمية قدراتهم بالقدر الذي تسمح به حالة كل منهم.
كما يؤكد القانون علي تنمية قدرات ذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم الخدمات والأنشطة التي تمكنهم من ممارسة حياتهم بشكل أفضل، ويتضمن القانون حق ذوي الاحتياجات الخاصة في التربية والتعليم والتأهيل كل حسب قدراته، إلى جانب الرعاية الطبية والنفسية والثقافية والاجتماعية والحصول علي الأدوات والأجهزة ووسائل النقل والمعدات التي تساعدهم على التعلم والتأهل والحركة والتنقل، وتوفير خدمات الإغاثة والمعونة والخدمات المساعدة الأخرى.
كما يقر القانون حق ذوي الاحتياجات الخاصة في العمل الذي يتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم وتأهيلهم في القطاعين الحكومي والخاص، وفى ممارسة الرياضة والترويح وفقا لقدراتهم الخاصة، وفي المسكن الذي يكفل لهم الحركة والتنقل بأمان وسلامة وتأمين المرافق الخاصة بهم في الأماكن العامة.
ويلزم القانون الجهات المختصة بأن تؤمن الجهات المختصة لذوي الاحتياجات الخاصة مساكن بمواصفات خاصة وفقا للأولوية والضوابط.
وفيما يتعلق باتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة فقد اعتمدت وبروتوكولها الاختياري في 13 ديسمبر 2006، وهي أول معاهدة شاملة لحقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين، وأول اتفاقية لحقوق الإنسان يُفتح باب توقيعها لمنظمات تكامل إقليمي، وتشكل الاتفاقية «تحولا مثاليا» في المواقف والنهج تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويقصد بالاتفاقية أن تكون بمثابة صك لحقوق الإنسان ذي بُعد جلي فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية، وتعتمد الاتفاقية تصنيفا واسعا للأشخاص ذوي الإعاقة وتعيد تأكيد ضرورة تمتع جميع الأشخاص الذين يعانون من الإعاقة بجميع أنواعها بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وتوضح الاتفاقية وتصف كيفية انطباق الحقوق بجميع فئاتها على الأشخاص ذوي الإعاقة وتحدد المجالات التي أُدخلت فيها تعديلات لكي يمارس الأشخاص ذوو الإعاقة حقوقهم بالفعل والمجالات التي انتُهكت فيها حقوقهم، وأين يجب تعزيز حماية الحقوق؟.