أجرت جولة ميدانية بإحدى المزارع.. «العرب» ترصد: تجربة قطرية متميزة لتوطين زراعة أشجار الفاكهة

alarab
محليات 18 أغسطس 2025 , 01:24ص
منصور المطلق

في جولة خاصة أجرتها العرب داخل مزرعة السيد حمد خليفة الكواري، بدت المزرعة كأنها لوحة متكاملة تجمع بين عبق التراث وروح الطموح الحديث، حيث اجتمع في مكان واحد شغفه بتربية الخيل العربي الأصيل وحرصه على خوض تجارب زراعية تهدف إلى توطين أنواع متعددة من أشجار الفاكهة.  استقبلنا الكواري بابتسامة تنم عن فخر بما أنجزه، وبدأ حديثه قائلاً إن المزرعة بالنسبة له ليست مجرد مشروع زراعي أو استثماري، بل هي رسالة وطنية يسعى من خلالها إلى الحفاظ على السلالات الأصيلة من الخيل العربية من جهة، وإثبات قدرة الأرض القطرية على احتضان زراعة الفواكه من جهة أخرى. وبينما كنا نتجول في أرجاء المزرعة، أخذنا أولاً إلى الإسطبلات التي تحتضن عدداً من الخيول العربية الأصيلة، حيث قال بحماس إن هذه الخيول تمثل التراث الحي الذي ورثناه عن الأجداد، فهي لم تكن مجرد وسيلة نقل في الماضي بل كانت رمزاً للقوة والوفاء والجمال. 
وأضاف أن الاهتمام بالخيول اليوم ليس ترفاً بل هو واجب وطني وثقافي، لذلك يسعى مع فريقه إلى العناية الفائقة بها من خلال توفير التغذية السليمة والرعاية البيطرية المتخصصة والتدريب المستمر. 
وأشار إلى أن خيوله شاركت في مسابقات جمال الخيل العربية على المستويين المحلي والدولي وحققت مراكز متقدمة، وهو ما يعزز إيمانه بضرورة المضي قدماً في تطوير هذا القسم من المزرعة ليكون واجهة مشرفة لقطر في المحافل الدولية. 
وبعد جولة في قسم الخيول انتقلنا إلى القسم الزراعي من المزرعة حيث تنتصب أشجار الفاكهة في صفوف أنيقة، بعضها مألوف مثل الليمون، وبعضها بدا غريباً في هذه البيئة مثل الموز والمانجو والتين. 
ووقف الكواري إلى جوار أشجار الموز وقال إنه بدأ منذ سنوات في تجربة زراعة الفاكهة بهدف شخصي بسيط وهو أن يأكل مما يزرع، لكنه سرعان ما تحوّل إلى هدف أكبر يتمثل في إثبات قدرة المزارع القطرية على إنتاج الفواكه محلياً وتخفيف الاعتماد على الاستيراد. وأوضح أن المناخ الصحراوي في قطر لم يكن عائقاً أمام طموحه، بل كان دافعاً للبحث عن حلول مبتكرة، لذلك اعتمد أنظمة ري حديثة مثل الري بالتنقيط ووفّر بعض الظل الجزئي للأشجار الحساسة، الأمر الذي ساعد على تحقيق نتائج مشجعة وصلت معها نسبة تكيف الأشجار مع المناخ المحلي إلى نحو 80%.  وأكد أن هذه النسبة تعتبر إنجازاً مهماً يدفعه لمزيد من العمل والتجربة. ثم اصطحبنا إلى بستان صغير يضم أشجار التين التي أثمرت بشكل لافت، وقال إن تجربة التين كانت من أنجح التجارب حيث تأقلمت الأشجار بسرعة وأعطت ثماراً بجودة عالية، بينما كانت تجربة الموز أكثر تحدياً لكنه أصر على مواصلتها حتى أثمرت الأشجار وأنتجت محصولاً محلياً يفخر به. 
وأشار إلى أن المانجو لا تزال في مراحلها الأولى لكنها تسير في الطريق الصحيح، في حين أن أشجار الليمون تكيفت بشكل رائع مع المناخ وأعطت ثماراً جيدة، ما يجعله يتوقع أن يسهم هذا النوع في تلبية جزء من احتياجات السوق المحلي مستقبلاً. 
وأضاف الكواري أن الهدف الأساسي من هذه الجهود هو تحقيق توطين حقيقي لأشجار الفاكهة في قطر، مؤكداً أن الأمر لا يتعلق فقط بثمرة تؤكل وإنما برؤية وطنية تسعى إلى تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030. وأوضح أن المزرعة ليست مغلقة على نفسها بل مفتوحة دائماً للباحثين والمهتمين، وأنه يرحب بكل من يرغب في التعلم أو الاستفادة من هذه التجارب، لأن نجاحه الشخصي لا يكتمل إلا إذا تحول إلى نجاح جماعي يشمل جميع المزارعين المحليين. 
وخلال حديثه، شدد الكواري على أن المزارع القطري قادر على مواجهة التحديات إذا ما توفرت له الإرادة والدعم، وأن الأرض القطرية رغم طبيعتها الصحراوية قادرة على أن تمنح الكثير إذا ما أحسنا استغلالها. 
ومع اقتراب نهاية الجولة، لخص حمد خليفة الكواري رؤيته قائلاً إن مزرعته مشروع حياة يحمل في جوهره رسالتين أساسيتين، الأولى هي الحفاظ على التراث من خلال الخيل العربي الأصيل، والثانية هي التطلع نحو المستقبل عبر توطين أشجار الفاكهة. وأضاف أن هذه المزرعة تمثل مزيجاً بين الماضي والحاضر، بين التراث الزراعي والفروسية العريقة وبين التكنولوجيا الحديثة في الري والزراعة. وأكد أن رسالته للشباب القطري هي أن يؤمنوا بقدرتهم على التغيير وأن يثقوا بأرضهم، لأن الأمل يكمن في التجربة والمثابرة. ومع ختام الزيارة، بدت المزرعة وكأنها رمز جامع لكل ما تحمله قطر من تاريخ وطموح، حيث يتجاور صهيل الخيول العربية الأصيلة مع خضرة أشجار الموز والتين والمانجو والليمون، في مشهد يعكس أن الحلم القطري لا يعرف المستحيل، وأن الإرادة قادرة على تحويل الصحراء إلى واحة غنّاء تحتضن الماضي وتستشرف المستقبل.