جهود مبشّرة لترجمة مؤلفات العلماء المسلمين مثل الفارابي والرازي والتركستاني
علاقتي باللغة العربية بدأت بـ «مصحف جدي».. ولم أتوقع يوماً الفوز بالجائزة
فخور بمساهمتي في ترجمة «الجزء الأخير من القرآن».. و«ثراث الأجداد»
قررت مواصلة الترجمة والتأليف والكتابة حتى أكون مفيداً للعالم
أكد الدكتور اختيار بالتوري الأستاذ بجامعة الفارابي الوطنية بكازاخستان، الفائز بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، في دورتها الثامنة 2022، أن الجائزة تؤدي دوراً محورياً في تعزيز الوعي الثقافي، والتعايش السلمي العالمي.
وقال في حوار مع «العرب»: نجحت الجائزة في اثراء التفاعل المعرفي وتعزيز حركة الترجمة، وباتت حاضنة للإبداع والتبحر في معرفة ثقافة الآخر، انطلاقا من أن الترجمة بمثابة الجسر الذي تعبر منه إلى الآخر، والاطلاع على ما لديه من ابداع في شتى صنوف المعرفة.
وأرجع بالتوري المترجم والفائز في فرع «حقل الإنجاز» بالجائزة تميزه إلى حبه للغة العربية، وارتباطه بها مبكراً انطلاقا من كونها لغة القرآن الكريم، وأداء العبادات، مشدداً على أنه قرر أن يواصل عمله في الترجمة والتأليف والكتابة، وقال « أريد أن أكون مفيداً للعالم كله، لا سيما أننا نعيش في ظل العولمة».
ويمتلك بالتوري سجلا حافلا في مجال مجالات الترجمة بين العربية والكازاخية منها مساهمته في ترجمة معاني مفردات الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، وكثير من النصوص التي تُرجمت من «العربية» إلى القازاقية تتعلق بـ «تراث الأجداد»، ويري أن هناك حركة مبشّرة لترجمة مؤلفات العلماء المسلمين؛ كالفارابي والرازي والتركستاني.. إلى الحوار:
متى بدأت علاقتك بالترجمة ؟ ولماذا اللغة العربية تحديداً ؟
- منذ الطفولة، إذ كان والدي يحتفظ بكتاب قديم بـ «لغة غريبة»، وبدافع الفضول سألت عن ذلك الكتاب، فجاءه الرد بأن هذا الكتاب هو القرآن الكريم، وحين حاولت قراءةَ شيء منه لم أستطع، ثم زاد اهتمامي به عندما شاهدت جدّي ينكبّ على قراءته يومياً، فتعلمت اللغة العربية وواظبت على تطوير مهاراتي باللغة العربية، وقواعدها حتى أتقنها وتمكنت في النهاية من قراءة القرآن الكريم بـ «العربية».
هل ترى أن هناك مشتركات بين اللغتين العربية والكازاخية ؟
- اللغة العربية وثيقة الصلة باللغة القازاقية ولا يمكن الفصل بينهما، وأن حركة الترجمة بين اللغتين قامت على مسارين متوازيين ومتقاطعين؛ الأول يتصل بالرغبة في التعرف على التعاليم الدينية وشؤون الفقه والعقيدة، والثاني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبعد الثقافي التاريخي، فقد ساهم الكازاخيون الذين عاشوا في آسيا الوسطى إسهاماً بارزاً في الحضارة الإسلامية، وأكثرهم عاشوا في المنطقة العربية، وكتبوا مؤلفاتهم بالعربية، ما يستدعي في الوقت الراهن «نقل مؤلفاتهم إلى اللغة الكازاخية لتعريف الأجيال الجديدة بما تركه أجدادهم من علوم ومعارف».
هل يقتصر التفاعل بين العربية والكازاخية على الجوانب الأكاديمية أم هناك مجالات أخرى؟
- الأمر يتعدى الجانب الأكاديمي لأن الأجيال الشابة في كازاخستان تحبّ اللغة العربية، وتريد أن تتعلمها وتتحدث بها، وهناك من يرتبط بها من باب تعزيز صلته بالثقافة الإسلامية ولفهم أمور دينه وقراءة القرآن الكريم عوضاً عن قراءة ترجمة معاني مفرداته، وكذلك قراءة التفاسير بلغتها الأم، ما يجعل التفاعل مع اللغة العربية دائما، وفي حراك مستمر لا يقتصر على الجانب الاكاديمي.
حدثنا عن مشاركاتك في ترجمة معاني القرآن الكريم، وإلى أي مدى وصلت ؟
- بالفعل شاركت في ترجمة معاني مفردات الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، وترجمة تفاسير سور قصيرة من القرآن الكريم، وكتاب الثقافة الإسلامية، وتاريخ تركستان، وسيرة الظاهر بيبرس، وعدد من مؤلفات الفارابي، وأن كثيراً من النصوص التي تُرجمت من «العربية» إلى القازاقية تتعلق بـ «تراث الأجداد»، وأن هناك حركة مبشّرة لترجمة مؤلفات العلماء المسلمين؛ كالفارابي والرازي والتركستاني، ولكن «ما زال هناك الكثير الذي لم يُترجَم في الأدب والثقافة والتاريخ».
ماذا كان مرجعك الرئيس في هذه المجالات المتنوعة بين المجالات الدينية والتاريخية ؟
- لا تنس أن للقواميس والمعاجم أهمية كبيرة خلال عملية الترجمة، وتؤدي هذه القواميس «العربية - الكازاجية» دوراً مهماً جداً في هذا السياق، ومنها القاموس العربي - القازاقي الذي صدر عام 2016، ويشتمل على حوالي 50 ألف كلمة، وللعلم فقد كنت أحد مؤلفيه إلى جانب عدد من أساتذة اللغة العربية في كازاخستان، وتساند المترجم حين يترجم بشكل فوري بين اللغتين، أو حين يحتاج للبحث في المخطوطات المكتوبة بالعربية، والتي تتصل بالتراث الثقافي والتاريخي لكازاخستان».
كيف ترى جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، وهل كان لها دور بالفعل في إثراء حركة الترجمة العالمية؟
- نجحت الجائزة في اثراء التفاعل الثقافي بأنحاء العالم على اختلاف مشاربه، كما ساهمت في تعزيز حركة الترجمة، وباتت الجائزة حاضنة للإبداع المعرفي، انطلاقا من أن مجال الترجمة بمثابة الجسر الذي تعبر منه إلى الآخر، والاطلاع على ما لديه من ابداع في شتى صنوف المعرفة.
لذا كانت سعادتي كبيرة بالحصول على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي التي تُقدمها دولة قطر للعالم، وصراحة لم أتوقع الفوز بهذه الجائزة أو بأي جائزة أخرى، فرغم أنني أعمل في حقل الترجمة منذ أكثر من عشرين عاماً، لم يخطر ببالي أبداً أنني سأرشح ما أنجزته من ترجمات لجائزة» حتى جاء اختيار «الكازاخية» ضمن لغات الدورة الثامنة للجائزة التي تمثل محطة مهمة في حركة الترجمة المتبادلة بين «العربية» و«الكازاخية».
ماذا إذن عن استراتيجيتك في مجال الترجمة ؟
- ما يهمّني في ما أقدمه من ترجمات هو إيصال المعلومات والنصوص بشكل صحيح ودقيق إلى شعبنا ولغتنا الأم، وشجعني الفوز بجائزة الشيخ حمد للترجمة على مواصلة هذه المهمة، مثلما سوف يشجّع عدداً من زملائه ومن الطلبة الجامعيين على ارتياد هذا المجال وتقديم إسهاماتهم فيه.
هل يمكن أن تكشف لنا عن ملامح مرحلة ما بعد الجائزة ؟
- «سأبقى في هذا الطريق، وقد قررت أن أواصل عملي في الترجمة والتأليف والكتابة، كي أكون مفيداً للعالم كله، لا سيما أننا نعيش في ظل العولمة، ومن الممكن أن تصل مؤلفاتي للجميع، وهذا مهم للتقارب الثقافي والتفاهم الإنساني».
عودة إلى جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي.. هل ترى أنها سوف تدعم مسيرة معرفة كل منا للآخر؟
- تؤدي الجائزة دوراً محورياً على صعيد تقارب المترجمين وتقارب الثقافات، ولا تنس أنها تسعى لتحقيق التفاهم الدولي، والتعايش السلمي في العالم عبر معرفة الآخر، وهذا «لا يكون بدون التقارب الفكري والعقلي»، انطلاقا من قوله تعالى : (وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فهذا هو «المعيار الذي يُحتكَم إليه».
بعد 20 عاما بين سطور الترجمات بماذا تنصح العاملين في المجال ؟
- ألا يتراجعوا عن خوض غمار الترجمة ما داموا اختاروا الترجمة تخصصاً أو مهنة، وأن عليهم ألا يملّوا من العمل، وأن يؤمنوا بأن هناك العديد من المعارف التي يتم اكتسابها بالخبرة، وهذا «يحتاج إلى الوقت والصبر».
كما أنصح المترجمين بالاستماع إلى إرشادات أساتذتهم وملاحظاتهم وتوجيهاتهم، وأقول لهم في هذا السياق: «لا تنشروا ما تترجمونه مباشرة، وعليكم أولاً العودة إلى الأساتذة والخبراء في هذا المجال، وإطلاعهم على ما أنجزتموه حتى يصححوا لكم الأخطاء، وحتى نضمن أن يُطبع الكتاب في أفضل نسخة».