في خطوة تؤكد انخراطها الفاعل في حماية التراث الثقافي الإنساني، صادقت دولة قطر في نوفمبر 2023 على اتفاقية اليونسكو لعام 2001 الخاصة بحماية التراث الثقافي المغمور بالمياه، والتي تهدف إلى المحافظة على الآثار المغمورة في بيئتها الأصلية، وتعزيز التعاون الدولي في مجال البحث العلمي والتوثيق والحماية القانونية لهذا النوع من التراث. وتعد هذه الاتفاقية أول أداة قانونية دولية تُعنى بحماية التراث الثقافي الموجود تحت الماء لأكثر من 100 عام، وتشمل حطام السفن، والمدن الغارقة، والموانئ القديمة، وكل ما يرتبط بتاريخ البشرية البحري. وتؤكد الاتفاقية على أن هذا التراث ملك للإنسانية جمعاء، ويجب حمايته من النهب والاستغلال التجاري.
في هذا الإطار، تعمل متاحف قطر، بالتعاون مع مكتب اليونسكو لدى دول الخليج واليمن بالدوحة، على تنفيذ برنامج شامل لنشر الوعي وبناء القدرات المحلية لحماية هذا التراث حيث يتواصل هذا البرنامج التوعوي حتى 3 مايو المقبل.
وعلى هامش أولى ورشات هذا البرنامج التي قدمها البروفيسور ماريانو أزنار، أحد أبرز المتخصصين في القانون الدولي المتعلق بحماية التراث الثقافي، حيث تناولت الورشة اتفاقية اليونسكو لعام 2001 كونها تُشكل مرجعًا عالميًا في مجال حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. التقت «العرب» الدكتورة وفاء سليمان، خبيرة التراث الثقافي المغمور بالمياه في متاحف قطر، لتحدثنا عن تفاصيل المشروع وأبعاده المختلفة.
◆ ما الذي تعنيه اتفاقية اليونسكو لعام 2001؟ وما أهمية مصادقة قطر عليها؟
¶ الاتفاقية تهدف إلى حماية التراث الثقافي الموجود تحت الماء لأكثر من 100 عام، سواء أكان مغمورًا جزئيًا أو كليًا، وتمنع الاتجار به أو التنقيب غير المشروع عنه. قطر، بصفتها دولة بحرية ذات تاريخ غني، حين صادقت على الاتفاقية في نوفمبر 2023، أثبتت التزامها بحماية هذا النوع من التراث، وشاركت في الجهد الدولي لصيانته، ما يعكس رؤيتها الثقافية المتقدمة وتقديرها للهوية البحرية.
◆ ما أهداف البرنامج المشترك بين متاحف قطر ومكتب اليونسكو في الدوحة؟
¶ يهدف إلى نشر الوعي بأهمية التراث الثقافي المغمور بالمياه، وتنفيذ أنشطة تثقيفية وتدريبية لفئات مجتمعية مختارة، خاصة الغواصين. نعمل على تنظيم محاضرات، وورش عمل ميدانية، وجولات إرشادية في مواقع أثرية بحرية، مثل موقع الزبارة، لتفعيل اتفاقية 2001 على أرض الواقع.
◆ ولماذا التركيز على فئة الغواصين؟
¶ الغواصون يمثلون خط الدفاع الأول عن هذا التراث، فهم الأقرب له، ويملكون القدرة على الوصول إليه. نراهم “حرّاس” هذا التراث. لذلك نسعى إلى إشراكهم في أعمال التوثيق والبحث، وتدريبهم على أحدث التقنيات في هذا المجال، بما يضمن مشاركتهم الفعلية والمستدامة في جهود الحماية.
◆ هل هناك قاعدة بيانات محلية لهذا التراث؟
¶ نعم، لدى إدارة الآثار في متاحف قطر قاعدة بيانات تحتوي على عشرات المواقع الأثرية المغمورة، تشمل حطام سفن وموانئ قديمة. وقد أنجزنا عددًا من المسوحات البحرية بالتعاون مع بعثات أجنبية وجامعات دولية مختصة. ونطمح الآن لتحديث هذه البيانات، وربطها باستراتيجية وطنية أشمل.
◆ إذن تم بالفعل التنقيب في المياه الإقليمية القطرية عن الآثار المغمورة وهل سيتم نقل هذه الآثار واستخراجها من المياه؟
¶ نعم، قطر قامت بعدة مبادرات في السنوات الماضية، شملت مسوحات أثرية في المياه الإقليمية، بالتعاون مع مراكز أبحاث أجنبية. المشروع الحالي يضيف إلى هذه الجهود من خلال تدريب الغواصين، وتعزيز البنية القانونية والتقنية، وتحديث خريطة المواقع الأثرية المغمورة، ولكن لا يتم استخراج هذه الآثار إلا بقدر البحث العلمي والعينات التي يتم التعرف عليها أما الآثار المغمورة ذاتها فلا يتم استخراجها بل تكون مواقع أثرية يتم زيارتها في أماكنها الأصلية حسب اتفاقية 2001 وهو ما يشجع مزيد من السياحة البحرية.؟
◆ وهل يوجد تعاون مع مراكز ونوادي الغوص؟
¶ نحن الآن بصدد بناء شبكة تواصل مع مراكز الغوص وشركات الغوص في قطر، لتحديد الغواصين المهتمين وتوعيتهم بدورهم في هذا المشروع. هناك تجاوب مشجع جدًا، خاصة أن الغوص ليس مجرد نشاط رياضي، بل يمثل جانبًا من الهوية البحرية لقطر.
◆ ما مكونات المشروع بالتحديد الذي تنظمه متاحف قطر مع مكتب اليونسكو بالدوحة ؟
¶ يتألف المشروع من ثلاث مراحل: محاضرات توعوية لتعريف الجمهور بأهمية التراث المغمور بالمياه، ورش تدريبية للغواصين حول طرق التوثيق والحماية وفق المعايير الدولية، جولات إرشادية إلى مواقع أثرية بحرية، أبرزها موقع الزبارة، وهو موقع تراث عالمي كان للبحر دور محوري في نشأته.
◆ هل هناك أنشطة مفتوحة للجمهور قريبًا؟
¶ نعم، نُعدّ لـ”يوم مفتوح” في موقع الزبارة يوم 3 مايو، سيُسلط فيه الضوء على هذا النوع من التراث، وستُتاح للغواصين فرصة توثيق مواقع أثرية فعلية. الهدف هو الدمج بين التوعية والتعليم العملي في بيئة تراثية حقيقية.
◆ ما أهمية الربط بين هذا التراث والاقتصاد الأزرق؟
¶ التراث الثقافي المغمور بالمياه يمكن أن يكون رافدًا من روافد الاقتصاد الأزرق، وهو مفهوم يدعو لاستثمار الموارد البحرية بشكل مستدام. إذا أُحسن توظيف هذا التراث، فالاقتصاد الأزرق يعطي الأولوية لجميع الركائز الثلاث للاستدامة: البيئية والاقتصادية والاجتماعية. كما تعتبر النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية الصحية والمرنة أساسية للتنمية المستدامة مع وجود ملايين العاملين في جميع أنحاء العالم في مجالي صيد وتربية الأسماك، معظمهم في البلدان النامية ومن هنا تظهر أهية الاقتصاد الأزرق وتعزيز الموار المرتبطة بالبحار بشكل عام ومن الآثار المغمورة بالمياه.