متحف قطر الوطني يكشف كواليس ثمانية أعوام من بناء الشكل والمحتوى
ثقافة وفنون
18 مارس 2019 , 06:33م
الدوحة - بوابة العرب
مع قرب افتتاح متحف قطر الوطني يوم 28 مارس الجاري، تم اليوم الكشف عن كواليس مسيرة بناء محتوى المتحف، كما أعلن عن أسماء العديد من الفنانين وصناع الأفلام القطريين والدوليين الذين كُلفوا بتصميم أعمال تسهم في صناعة التجربة المتحفية، ليحظى الزوار بتجربة تفاعلية مثيرة في صالات عرض المتحف الجديد الفريدة من نوعها.
ومن هؤلاء الفنانين علي حسن، بثينة المفتاح، عائشة السويدي، سيمون فتال، وجان ميشيل أوثونيل، إلى جانب صانعي الأفلام جنان العاني، وعبدالرحمن سيساكو، وغيرهم الكثير.
وتمتد صالات العرض، البالغ عددها 11 صالة دائمة، على مسافة 1.5 كيلومتر. وتتمتع كل صالة بشخصيتها المستقلة وبيئتها الشاملة، إذ تكتُب كل واحدة فصلًا من فصول قصة قطر، معتمدةً في ذلك على العديد من الوسائل الفنية التي تتنوع بين الموسيقى والشعر والمرويات الشفوية والروائح المثيرة للذكريات والمقتنيات التراثية والأعمال الفنية المصممة خصيصًا للعرض في المتحف، إلى جانب العديد من الأفلام، وغيرها من الوسائل الفنية الأخرى.
وعبر هذه الصالات، سينطلق الزائر في رحلة تبدأ من الزمن الذي نشأت فيه شبه الجزيرة القطرية، ثم يمضي الزائر في طريقه متتبعًا تطور البلاد، حتى يحط الرحال في العصر الحالي بكل ما فيه من إثارة وتنوع مستكشفًا على طول الطريق تراث قطر الثري وثقافة شعبها عبر التاريخ ومستشرفا أحلام أبنائها تجاه المستقبل.
وبهذه المناسبة، قالت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر:" سيكون المتحف الوطني مبعث فخر لقطر وأهلها، وسيغدو منصة استثنائية ترحب بالمجتمع الدولي وتمد جسور الحوار والتواصل مع الجميع في شتى دول العالم".
وأضافت:" يشرفنا اليوم، ونحن بصدد الافتتاح بعد أيام قليلة، أن نشارك نتائج مسيرة البحوث المكثفة والتخطيط المتواصل لبناء محتوى المتحف، والتي قادتنا لتصميم صالات عرض فريدة من نوعها تتسم بيئاتها بالعمق وبالأصالة. كما يسرنا أيضا أن نعلن أسماء عدد من مبدعينا من الفنانين وصناع الأفلام الذين كلفناهم بمساعدتنا في تحقيق رؤية المتحف. فقد قدم كل منهم منظورا شخصيا محركًا للمشاعر أثرى من خلاله التجربة المتنوعة التي يقدمها المتحف للزائرين".
من جانبها، قالت سعادة الشيخة آمنة آل ثاني، مديرة متحف قطر الوطني:" منذ اللحظة الأولى ونحن عازمون على ألا يكون المتحف الوطني مجرد مكان لعرض المقتنيات، بل أردنا أن يشعر فيه الزائرون بأنهم في رحلة حقيقية. ومن سيزور المتحف سيدرك ذلك، وربما يتغيّر مفهومه عن المتحف بعد الزيارة، بعد أن ينغمس في صالات العرض بذهنه وحواسه ومشاعره، متفاعلًا مع محتوياتها.. لقد حان الوقت الآن لنكشف كواليس هذه المسيرة التي دامت 8 أعوام لصياغة شكل ومضمون المتحف، ولنعلن أيضا عن أسماء العديد من الفنانين وصناع الأفلام الذين ساعدونا في ضخ الدماء إلى قلب هذا المتحف".
بدأت الخطوة الأولى بعقد حوار مجتمعي موسَّع اشتمل على أكثر من 12 جلسة شارك خلالها مئات القطريين للحديث عن نوعية المحتوى الذين يرغبون في مشاهدته بمتحفهم الوطني.
كما سجل المتحف الوطني أكثر من 500 مقابلة شخصية مصوّرة استمع فيها إلى مرويات تاريخية، وكانت هذه المقابلات كفيلة بالحصول على كمٍ هائل من المعلومات المتعلقة بنمط الحياة القديم في قطر، حيث شكلت هذه المرويات لاحقًا جزءًا رئيسيا من محتوى المتحف الوطني.. إلى جانب النقاشات المعمّقة مع الخبراء المحليين من مختلف التخصصات التي ساهمت في رسم الخطوط العريضة للموضوعات التي ستتناولها صالات العرض في المتحف.
وضمّ فريق العمل المحلي في متحف قطر الوطني خبراء وعلماء في التراث والآثار والأحياء والتاريخ والسياسة من جامعة قطر وجامعة حمد بن خليفة وكلية لندن الجامعية قطر ومركز أصدقاء البيئة وميرسك للبترول، وغيرها من المؤسسات المرموقة في الدولة.
وأنشأ هذا الفريق شراكات مع مؤسسات دولية منها ليدن ناتشراليز (لأبحاث التاريخ الجيولوجي والطبيعي)، وأوتومن أركايفز (للوثائق النادرة المرتبطة بفترة الحكم العثماني في المنطقة)، ومتحف التاريخ الطبيعي في لندن (المتخصص في علم الحفريات القديمة)، ومتحف موسغارد في الدنمارك (نظرًا لجهوده الأثرية والأنثروبولوجية الرائدة في قطر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي).
وبالاعتماد على البحوث والمرويات والمواد التي جمعها فريق متحف قطر الوطني، بدأ الفريق في تحديد الموضوعات التي سيتناولها المتحف، وهي: البدايات، والحياة في قطر، والتاريخ المعاصر لقطر. ثم توصّل فريق المعارض إلى تصور يتمثل في عرض محتوى هذه الموضوعات على شكل رحلة تتكشف معالمها شيئًا فشيئًا كلما مرَّ الزائر بصالة من صالات العرض التي تتمتع كل واحدة منها ببيئتها المتعددة الجوانب والبانورامية المميزة.
ولمعرفة مدى تقبّل الناس لهذه الموضوعات والأفكار، أطلق المتحف الوطني معرضًا تجريبيًا استمر لثلاثة أشهر يروي من خلاله قصة القصر التاريخي للشيخ عبدالله الذي كان يتخذه مسكنًا ومقرًا للحكم، وصار بعدها مبنى للمتحف القديم. وقد زار هذا المعرض 11,000 زائر، أعربوا عن مدى ارتباطهم به، ليدرك موظفو متحف قطر الوطني بعدها أنهم ماضون على الطريق الصحيح.
وصار قصر الشيخ عبدالله بن جاسم الذي جرى ترميمه بعناية فائقة القلبَ النابض لمتحف قطر الوطني الجديد الذي صممه المعماري الشهير جان نوفيل على صورة يبدو معها من الخارج كنبتٍ عملاقٍ يخرج من الأرض يشبه وردة الصحراء في منظر لا يضاهيه جمالًا سوى تصميم صالات العرض من الداخل ذات التصميم المعماري البديع.
ولكي تكون صالات العرض نابضة بالحياة ومصدرًا للتفاعل الجماهيري، كلَّف متحف قطر الوطني مجموعة مختارة من صنّاع الأفلام المرموقين دوليا لإنتاج عدد من الأفلام. وقد أشرفت على إنتاجها مؤسسة الدوحة للأفلام، وتُعرَض هذه الأفلام على جدران صالات العرض بمساحتها الواسعة، وقد تم تصميم كل فيلم ليناسب عرضه جدار صالة العرض بشكل تام، حيث ينساب الفيلم مع انحناءات الجدار وديناميكيته، وهو ما منح كل فيلم بصمة خاصة بأن جعله صالحًا فقط للعرض على جدارٍ بعينه، وليس أي جدار آخر، ومع عرض هذه الأفلام على أحجام الجدران العملاقة، صارت هذه الجدران وكأنها صور متحركة بديعة.
فعلى سبيل المثال كلف متحف قطر الوطني جنان العاني، المولودة في العراق والمقيمة في المملكة المتحدة، أن تنتج فيلمًا مدته 20 دقيقة عن المواقع القطرية والقطع الفنية القديمة للعرض في صالة الآثار.
وتعاونت جنان العاني مع مؤسسة الدوحة للأفلام وفريق من خبراء الآثار لتقديم فيلم تأملي بعنوان "الآثار"، حيث صورت العاني المشروع في عام 2017، واستمر التصوير لمدة 4 أسابيع بواسطة طائرة مسيّرة متطورة حلقت فوق أراض قطرية في رحلة جوية وثقت خلالها تاريخ الاستيطان البشري في قطر.
وبالتناوب مع المشاهد الملتقطة في هذه الرحلة الجوية، يعرض الفيلم أيضًا صورًا دقيقة لآثار قديمة تشمل شفرات من حجر الصوان ترجع للعصر الحجري الحديث، ونصال أسهم من العصر الحديدي، وعملات معدنية قديمة، وأعمال خزفية إسلامية تعود للقرن الثامن عشر، وغيرها من صور المقتنيات التي التقطها ليفون بيس.
ومن بين صناع الأفلام الذين شاركوا في صناعة هذه الأفلام أيضًا المخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو (صاحب فيلم في انتظار السعادة، تمبكتو)، الذي كلفه متحف قطر الوطني بإنتاج فيلم قصير لعرضه في صالة العرض المخصَّصة لحياة البر. وأنتج سيساكو فيلمًا مدته 9 دقائق، واستمر تصويره 7 أيام في شهر مارس 2017 بمنطقة روضة الغدريات في الصحراء الشمالية لقطر. وجاءت مشاهد هذا الفيلم باللونين الأبيض والأسود، لتشبه الأفلام الكلاسيكية القديمة، وفيه يظهر أفراد من عائلة النعيمي التي أمدت صناع الفيلم ببعض الدعائم والحيوانات اللازمة لإنتاج الفيلم. ويصطحب الفيلم، المبني على بحثٍ عميق ومادة أصيلة، الزائرَ في رحلة إلى الصحراء يعيش خلالها يومًا عاديًا في حياة البدو خلال فترة الخمسينيات والستينيات.
جدير بالذكر أن خيمة بيت الشعر الموجودة في الصالة التي يُعرض فيها فيلم سيساكو ترجع إلى عائلة النعيمي.
ويوثّق الفيلم الثاني لسيساكو مدينة الزبارة في ذروة مجدها، حيث يرصد الفيلم حركة المواطنين والتجار في هذا المركز التجاري الحي طيلة اليوم من قبل آذان الفجر. ويقدم الفيلم لمحة عن الأسواق المفتوحة والجمال التي تحمل البضائع ومجالس تجار اللؤلؤ الأثرياء وهم يرتشفون الشاي ويعقدون صفقاتهم.
ولإثراء التجربة المتحفية بمزيد من المشاعر والخيال، كلف متحف قطر الوطني مجموعة من الفنانين المحليين والإقليمين والدوليين بإبداع أعمال جديدة للعرض داخل المبنى وفي ساحاته الخارجية الواسعة. وقادت سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر، عملية اختيار الفنانين لإنجاز المهام.
ومن هذه الأعمال منحوتة للفنانة سيمون فتال بعنوان "بوابات البحر" توجد بالممر المؤدي لمدخل المتحف، وتثير هذه المنحوتة في النفس شعورًا بأن الماضي لا يزال حيًّا مرتديًّا عباءة الحاضر، وهو عمل مستلهَم من النقوش الصخرية المكتشفة في منطقة الجساسية في قطر.
وعلى جدار داخلي بالمتحف، يرتفع عمل فني بديع للفنان القطري علي حسن بعنوان "حكمة أمة" مرحبًّا بالزائرين. ويحاكي هذا العمل في تصميمه العلم القطري مصحوبًا ببيت شعري للشيخ جاسم بن محمد بن ثاني، مؤسس قطر الحديثة.
وأمام مدخل صالات العرض الدائمة، تقف منحوتة الفنان القطري الشيخ حسن بن محمد آل ثاني، وهي منحوتة ضخمة الحجم بعنوان "الوطن الأم"، وفيها تتجلى العلاقة التي تربط بين الصحراء والبحر ونساء قطر.
وتحتضن براحة المتحف عملين بديعين يتوسطان حلقة صالات العرض التي تحيط بقصر الشيخ عبدالله من الخارج. العمل الأول للفنان العراقي أحمد البحراني، وهو منحوتة بعنوان "راية العز" تجسد قصة الاحتفال السنوي باليوم الوطني مع صورة لأياد متعددة متشابكة وهي ترفع العلم. والعمل الثاني منحوتة للفنان الفرنسي روش فاندروم بعنوان "في طريقهم"، تتكون من أربعة جمال، وفيها يستحضر الفنان التاريخ الطويل لقطر الذي يصوّر الحياة النمطية البدوية والاشتغال بالتجارة.
وأخيرًا العمل الفني "ألفا" للفنان جان ميشيل أوثونيل الواقع على بحيرة المتحف الممتدة بطول 900 متر، وهو أحد أبرز معالم الحديقة المحيطة بالمتحف ذات المناظر الطبيعية. ويتكون هذا العمل الضخم من 114 نافورة سوداء اللون، صُمِمت على نحو يحاكي أشكال الخط العربي برشاقته المعهودة أو عيدان القصب التي يستخدمها الخطاطون أقلًاما، وتعمل هذه النوافير مرة كل ساعة.