آلة العود هي العمود الفقري للموسيقى الخليجية خاصة في الإيقاعات التراثية
«العود» قريب من القلب ويتحاور مع إحساس العازف
بدأت العزف في العاشرة من عمري بشغف فطري للموسيقى
رسالتي للشباب: ثقفوا أنفسكم موسيقياً.. ولا تربطوا أنفسكم بلون معين
أكد الموسيقار والعازف القطري عبد العزيز جاسم الهيدوس أن المشهد الموسيقي في قطر من أكثر المجالات الثقافية تطورا وازدهارا. وقال الهيدوس في حوار خاص لـ «العرب» بمناسبة تكريمه في مهرجان كتارا الرابع لآلة العود مؤخرا، تتويجا لمسيرته الإبداعية، إن السنوات الأخيرة شهدت تناميًا لافتًا في عدد المبدعين والمشروعات الفنية التي أضافت بعدًا جديدًا للثقافة القطرية والخليجية. وأشاد بدور المهرجانات الفنية في اكتشاف وتشجيع الجيل الجديد، منوها بأن وجود مهرجان ضخم كـ «مهرجان كتارا لآلة العود» يعكس اهتمامنا بتراثنا. كما تناول مسيرته الإبداعية منذ البداية وأهم المحطات بها. وإلى التفاصيل:
◆ نود أن تحدثنا عن شعورك حيال هذا التكريم في النسخة الرابعة لمهرجان العود؟ وماذا تمثل في مسيرتك الفنية؟
¶ هذا التكريم يعني لي الكثير. وسعيد بالتكريم من قبل المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» فالتكريم شرف كبير لي ويثري مسيرتي الفنية، وهو التكريم الثاني لي بعد تكريم من نادي الجسرة.
◆ وماذا عن مشاركتك في مهرجان العود الرابع؟
¶ شاركت في النسختين الأولى والثانية، واعتذرت عن الثالثة، إلى أن جاء تكريمي في النسخة الرابعة، مما ترك أثراً طيباً في نفسي. أود أن أشكر القائمين على هذا التكريم وأثمن جهودهم في دعم الفن والفنانين.
◆ وكيف ترى أهمية مثل هذه المهرجانات في اكتشاف وتشجيع الجيل الجديد؟
¶ هذه المهرجانات لها دور عظيم في اكتشاف وتشجيع الجيل الجديد. وجود مهرجان ضخم كـ «مهرجان آلة العود» يعكس اهتمامنا بتراثنا الموسيقي، خاصة وأن العود يمثل جزءاً أصيلاً من هويتنا الخليجية والعربية. آلة العود ليست مجرد آلة موسيقية، بل هي آلة قريبة من القلب، تُضم بين الصدر واليدين، وتتحاور مع إحساس العازف..
البداية وأبرز المحطات
◆ نود أن نتوقف عند بداية رحلتك مع آلة العود وما هي أبرز المحطات في مشوارك الفني؟
¶ بدأت العزف على العود في سن 10- 12 سنة بشغف فطري للموسيقى، وتعلمت العزف في ظل غياب الوسائل الحديثة والتكنولوجيا، وكنت أعتمد على المحاولات الشخصية والابتكار، مثل استخدام علب الزيت وماكينة سيارة لصنع آلات موسيقية بدائية، وكان التعلم مقيداً بالعادات والتقاليد، مما اضطرني للتمرن بسرية تامة دون علم أحد في المنزل.
ومن بعد ذلك تأثرت بإخوتي الكبار عبدالله وعبد الرحمن الذين كانوا يعزفون العود، واغتنمت الفرصة لتعلم العزف على آلاتهم في غيابهم..
◆ لو تحدثنا عن أسلوبك الخاص في العزف على العود؟ وكيف يعبر عن مشاعرك من خلال الأوتار؟
¶ تأثرتُ بمدارس موسيقية عريقة، مثل: رياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش ومحي الدين حيدر، سلمان شكر، كثير من العرب فكنت أحب اللون العربي (الشرقي) وبدأت أشتري عودا وبدأت الرحلة التعليمية في طور جديد ومن هنا كونا فرقة الجسرة، في أوائل الثمانينيات بالتعاون مع فنانين آخرين مثل جاسم الهيدوس، عبدالعزيز صادق الذي كان أحد أعضاء نادي الجسرة، وخالد المعضادي، وغيرهم وتمت الفرقة بعرض من النادي، وكان أول شريط موسيقي للفرقة بالتعاون مع الملحن الراحل حسن علي وكان له بصمة واضحة في الموسيقى، وقد استمرت الفرقة لعدة سنوات، لكنها توقفت بسبب الظروف الشخصية لأعضائها.
فكان أسلوبي مزيجا من المدارس الفنية حيث تأثرت بكثير من المدارس المصرية والعراقية والتركية والهندية، فكانت حصيلة شكلت وبعدها شاركت في مسابقات دولية كمهرجان اتحاد الإذاعات العربية، في لبنان وحصلت على الجائزة الذهبية عن مقطوعة موسيقية بعنوان «إلى قلبي»، وعرفها الموسيقار الراحل عبدالعزيز ناصر باسم «أحاسيس»، وقد تعاونتُ مع عدد من الملحنين والفنانين مثل فرج عبدالكريم، صقر صالح، وعبدالرحمن الماس، قدمتُ ألحاناً لتترات تلفزيونية وبرامج مثل «المجلة التربوية» وبعض التترات الصغيرة للتلفزيون.
◆ كيف ترى تطور المشهد الموسيقي في قطر؟
¶ منذ بداياتي، كان منزلي أشبه بمدرسة للفنانين حيث كنا نجتمع كأصدقاء والذين أصبحوا اليوم رموزاً في المشهد الفني، مثل محمد المرزوقي، مطر علي الكواري، سعود النعمة، نهار عبدالله، والمرحوم حسن علي. في تلك الفترة، كان المعهد الموسيقي القطري مركزاً للقاءاتنا، حيث كنا نتبادل الخبرات ونتعلم من موسيقيين كبار، مثل عازف القانون الراحل عبد الفتاح منسي وغيره.
لاحقاً، تلقيت تكليفاً من الهيئة العامة للشباب آنذاك لإنشاء مركز الفنون الموسيقية، الذي كان بمثابة انطلاقة جديدة لتطوير المواهب الموسيقية في قطر. واقترحتُ استقدام مدرسين متخصصين من دول عربية وأجنبية، ووفّرنا دروساً لتعليم الآلات المختلفة، بدءاً من العود وصولاً إلى القانون والجيتار والكمان والتشيللو، فكان الإقبال الكبير على المركز من مختلف الأعمار والجنسيات، بمن فيهم أصحاب مناصب عليا وسفراء، الذين أرادوا تعلم الموسيقى. فالمركز شكَّل متنفساً للعديد من المواهب القطرية والخليجية التي لم تكن تجد فرصاً للتعلم سابقاً. وبالتالي ظهر العديد من خريجي هذا المركز نجوم الساحة الآن.
الحفاظ على التراث الموسيقي
◆ وماذا عن إسهام قطر في المحافظة على التراث الموسيقي الخليجي ونشره عالميًا؟
¶ من خلال المهرجانات مثل مهرجان العود، استطاعت قطر أن تبرز هويتها الثقافية خليجياً وعالمياً. هذه المهرجانات والفعاليات ليست فقط منصات للفنانين، بل أيضاً وسيلة للحفاظ على التراث الموسيقي ونشره دولياً، خاصة بعد كأس العالم الذي ساهم في تعزيز معرفة العالم بتراثنا الفني.
◆ وماذا عن تعليم الموسيقى للأجيال الشابة وخصوصية العود؟
¶ اليوم، نعيش في زمن مختلف، حيث بات تعلم الموسيقى مقبولاً ومشجعاً. رأيت أطفالاً وشباباً وحتى فتيات يتعلمون العود بشغف كبير. هذه الظاهرة تعكس التغيير في الثقافة والمجتمع، حيث أصبح العود جزءاً من الهوية الموسيقية الخليجية.
◆ وماذا عن دور آلة العود في المحافظة على الهوية الفنية الخليجية؟
¶ آلة العود تعد العمود الفقري للموسيقى الخليجية، خاصة في أداء الإيقاعات التراثية مثل “الصوت”، التي تعتبر من أصعب الإيقاعات. هذه الهوية الموسيقية المميزة جعلت العود رمزاً للفن الخليجي، كما أشار الراحل محمد عبد الوهاب حين أشاد بجمال وتعقيد الإيقاعات الخليجية.
فالعود لا يزال يحظى بمكانته كآلة رئيسية تعبّر عن هويتنا الموسيقية، وستظل الأجيال القادمة تحفظ هذا التراث وتعمل على تطويره.
التركي والعربي
◆ ما يميز آلة العود هو تنوع أساليبها ومدارسها.. فكيف ترى تقنيات تطوير هذه الآلة وفي نفس الوقت نحافظ على الهوية الخليجية؟
¶ هناك أساليب مختلفة مثل التركي، الشرقي، والعربي، بالإضافة إلى المدارس الغربية. كل أسلوب يعكس ذوقاً وتوجهاً خاصاً، وهناك بعض الشباب يقلدون اللون التركي في العزف ولكنه لا يمثل هويتنا العربية.
وبالطبع العود العربي الشرقي له ميزات مختلفة عن العود التركي والغربي، فالمهرجانات تساعد على إبراز هذه المدارس وتطوير التكنيك لدى العازفين، سواء في الطرب الأصيل أو الأساليب المتقدمة.
لكن الأهم هو أن يتجاوز العازف التقليد ويطور شخصية موسيقية فريدة تعبر عنه. التذوق الموسيقي يلعب دوراً مهماً هنا، فالعازف يجب أن ينفتح على جميع الألوان الموسيقية – العربية، الغربية، الهندية، والتركية – ليثري مخزونه الثقافي ويبرز شخصيته الموسيقية.
◆ وما هي رسالتك للشباب؟
¶ رسالتي للشباب هي أن يستفيدوا من هذه الفرص وأن يثقفوا أنفسهم موسيقياً. وأقول لهم لا تربطوا أنفسكم بأسلوب أو لون معين؛ التنوع هو مفتاح النجاح والإبداع. استمعوا، تعلموا، واقرأوا عن مختلف المدارس الموسيقية. كلما زاد انفتاحكم على الألوان المختلفة، زادت حصيلتكم الفنية وتميزكم كعازفين.