مطالب بتوظيف أبناء المقيمين خريجي الجامعات القطرية
تحقيقات
17 نوفمبر 2015 , 02:30ص
امير سالم
دعا مواطنون وخبراء إلى الاستفادة من أبناء المقيمين وخصوصا خريجي الجامعات القطرية في سوق العمل، وأكدوا أن من بين هؤلاء الخريجين كفاءات ومواهب يمكن الاستفادة منها في دفع مسيرة العمل والإنتاج، لافتين إلى أن اشتراط الخبرة المسبقة يقف عقبة لا يمكن تجاوزها أمام هذه الفئة من الباحثين عن فرصة عمل.
وأكدوا أهمية تبني الشركات والهيئات والمؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة آلية عمل أو خطة مستقبلية لاستقطاب الكوادر المحلية من أبناء المقيمين ودمجهم في سوق العمل.
وبينوا في حديثهم لـ «العرب» أن اشتراط الخبرة يدفع المواهب بهذه الفئة إلى البحث عن فرصة خارج قطر، مما يضيع فرصة الاستفادة منهم بعد سنوات طويلة من الإنفاق عليهم في مراحل التعليم المختلفة وما يصاحبها من خدمات رعاية صحية وغيرها، لافتين إلى أن الخريج المقيم يشعر بالانتماء والولاء للمجتمع القطري، ويعتبر نفسه جزءا من نسيج هذا المجتمع، ويبحث عن فرصة حقيقية لأن يكون منتجا وفاعلا، مقارنة بصاحب الخبرة الذي يبحث عن تحسين أوضاعه المادية وليس له عميق انتماء إلى المجتمع ومؤسساته المختلفة.
استطلعت «العرب» آراءهم إن شرط الخبرة يمكن تعويضه من خلال الدورات التدريبية والورش المكثفة المؤهلة لتطوير قدرات هذه الفئة التي تحتاج فرصة وتعتبر جزءا من نسيج المجتمع القطري، وتدرك طبيعته وعاداته وتقاليده وطموحاته في الرقي والتقدم إلى مصاف الدول المتقدمة، لافتين إلى أن خريجي الداخل أقل في التكلفة الاقتصادية من ذوي الخبرات القادمين من الخارج، الذين تخصص لهم ميزانية للتعاقد، والإقامة، والسفر.
أولوية للكفاءات الجامعية
«يمكن الاستفادة من الطاقات الإيجابية والقدرات الخاصة لهذه الفئة من الخريجين دون أن تكون الخبرة عائقا أمام الاستفادة منهم سواء بالحكومة أو القطاع الخاص». هذا ما أكده الدكتور فهد الجمالي الأستاذ المساعد بجامعة قطر، موضحا أن الخريجين من أبناء المقيمين يجب أن تكون لهم الأولوية في سوق العمل بعد القطريين طالما أنهم درسوا وتعلموا وتربوا سنوات حياتهم في قطر، لافتا إلى أن بيئة العمل في قطر جيدة وتطبق أفضل مستويات الجودة والكفاءة.
ودعا إلى ضرورة وجود آليات حكومية للتواصل مع الجامعات من أجل تحصيل المعرفة المسبقة بالكفاءات الموجودة، والمرشحة للعمل بكفاءة بعد انتهاء دراستهم الجامعية، وتوفير فرص العمل المتوافقة مع قدراتهم كل في مجال تخصصه.
وأكد أهمية تبني الشركات والهيئات والمؤسسات والدوائر الحكومية والخاصة آلية عمل أو خطة مستقبلية لاستقطاب الكوادر المحلية من أبناء المقيمين دمجهم في سوق العمل، موضحا أن خطة من هذا النوع سوف تحقق حزمة من المكاسب وفي مقدمتها تمكين هؤلاء الخريجين من الوظائف بأقل تكلفة مقارنة بعمليات الاستقدام من الأسواق الخارجية، فضلا أن هؤلاء الخريجين يتعاملون مع المجتمع ولديهم انتماء واحترام لعاداته وتقاليده، وليسوا غرباء عنه، مضيفا أن توظيف هذه الفئة سوف يكون ختام مرحلة الإنفاق الحكومي عليهم في مجالي التعليم والرعاية الصحية، وبداية مرحلة تحصيل مكاسب دمجهم في سوق العمل دون الحاجة إلى التوسع في التعاقد من الخارج.
مكاسب بالجملة
وتابع: «إن الخريج المقيم يتميز عن القادم من الخارج بمعرفته لطبيعة السوق، فضلا عن أنه لا يحتاج إلى وقت كبير للاندماج في المجتمع لأنه مندمج بالفعل منذ سنوات طويلة، مضيفا أن المقيم من خريجي الجامعات في قطر أقل تكلفة لأنه يوفر تكاليف الاستقدام وتذاكر الطيران والسكن مقارنة بالمتعاقد من الخارج.
وأوضح الجمالي أن المزايا السابقة المسبوقة بالكفاءة والسرعة والانخراط في سوق العمل لا يمكن أن تصطدم بشرط سنوات الخبرة الذي تحدده جهات حكومية وخاصة للقبول بالوظائف المتاحة، داعيا إلى عدم التشدد في هذا الشرط خاصة مع إمكانية توفير دورات سريعة ومكثفة للخريجين المتميزين الذين يتم استقطابهم للعمل بعد متابعة مستواهم الدراسي والأكاديمي، وقال: «إن الدورات المكثفة وورش العمل يمكن أن تمنح الخريجين خبرات سريعة تجعلهم قادرين على الإنتاج بصورة أفضل ما يجعل فارق الخبرة أمر ثانوي لأنه يمكن تعويضه بمرور الوقت».
وأوضح الجمالي إن مواليد قطر وأبناء المقيمين يجب أن يكونوا في المرتبة الثانية بعد القطريين في أولوية الحصول علي وظائف بحكم أن لديهم انتماء وسابق خبرة ومعرفة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وأكد إمكانية توسيع خدمة التوظيف التي تقدمها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للقطريين بالقطاع الخاص، موضحا إمكانية توفير أيام مهنية لتوفير الوظائف لمواليد قطر، والخريجين من أبناء المقيمين، وأن تكون هذه الوظائف متاحة فقط للمتميزين من خريجي الجامعات القطرية.
وقال: «يوجد طلاب من جنسيات عدة يعيشون في قطر، ومستوياتهم العلمية الجامعية في منتهى التميز وهم أكفاء ولديهم القدرة علي الإبداع يحتاجون فرصة للانخراط في سوق العمل بعد انتهاء مرحلة الدراسة الجامعية»، مضيفا أنه من غير المنطقي استبعاد هؤلاء من المساهمة الجادة في بناء مستقبل قطر على خلفية أنهم بلا خبرة، وأن الوظائف المتاحة للمتعاقدين من الخارج الذين يحتاجون وقتا أطول للاندماج في سوق العمل، والمجتمع بمفهومه الواسع الكبير.
مشكلة مزدوجة
«لا يعاني هؤلاء الخريجون وحدهم من نقص الوظائف أو عدم توافر فرص متاحة للانخراط في سوق العمل، المشكلة يعيشها القطريون أيضا». هذا ما أشار إليه السيد يوسف سلطان الخبير بهيئة التقييم بالمجلس الأعلى للتعليم، موضحا أن هؤلاء الخريجين سواء من القطريين أو المقيمين يجب أن تكون لهم الأولوية في التوظيف والاستفادة بما لديهم من قدرات وإمكانات تدعم سوق العمل باعتبارهم كوادر وطنية بحكم الموطن أو المولد أو المعايشة.
وتابع: «إن شرط الخبرة لا يجب أن يكون صخرة تتحطم عليها طموحات الخريجين ويؤدي لعدم الاستفادة منهم وتحولهم إلى فئة غير منتجة غير قادرة على بدء حياتها العملية بسهولة» موضحا أن التعطل عن العمل يجعل شريحة كبيرة من الخريجين عبئا على المجتمع وطاقات غير منتجة ما يصيبهم بالإحباط لأنهم لا يجدون فرصة للتعبير عن قدراتهم وذواتهم في ظل الاعتماد على الخبرات الأجنبية، ولفت إلى أن الدولة تصرف مبالغ ضخمة في رعاية أبناء المقيمين صحيا ودراسيا طوال في مختلف مراحل حياتهم حتى التخرج من الجامعة، وبالتالي فمن الأولى أن تستفيد الدولة من قدرات هؤلاء الخريجين بدلا من تركهم يبحثون عن أسواق عمل خارج قطر، أو العودة لبلادهم الأصلية، لافتا إلى أن توظيف هؤلاء الخريجين سوف يوفر على جهة العمل سواء كانت حكومية أو خاصة مصروفات كبيرة في بنود الاستقدام، وتذاكر السفر، وبدل السكن وغيرها، وهي مبالغ طائلة تضخ في بند استجلاب خبرات من الخارج.
وفيما يتعلق بالخبرة واعتبارها شرطا أساسيا لتوظيف أوضح «سلطان» أنه ليس من المنطقي أن يكون لدينا كفاءات مصروف عليها أموالا طائلة في التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية سواء من القطريين أو المقيمين، ولا يمكن الاستفادة منها لكونها بلا خبرة، موضحا أن الخبرة يمكن تعويضها سريعا، وكل من حصل على الخبرة لم يكن يوما مؤهلا، وإنما يكتسبها بمرور الوقت، وقال: «إن وزارة التنمية الإدارية تقوم بتدريب موظفي الحكومة حتى يحصلوا على خبرات علمية وتدريبية ويتأهلون للترقي في المسار الوظيفي، وهو ما يمكن تطبيقه مع الخريجين الجدد ذوي الكفاءة من الباحثين عن وظائف» ونوه بأن قطاعا كبيرا من الخريجين يتزايد سنويا لا يجد أي فرصة للعمل، ولا يمكن أن يكون هؤلاء الخريجين عالة على المجتمع رغم أنهم أكثر حيوية ورغبة في خدمة المجتمع بحكم كونهم يعيشون فيه، وعلاقتهم به ليست تعاقدية تعتمد على أجر مقابل العمل.
تحول إيجابي
«توجد أعمال كثيرة لا تشترط الخبرة، وتوفر مدة اختبار للتأكد من توافر الكفاءة والقدرة على تلبية متطلبات الوظيفة، ولكن هناك قطاعات أخرى تشترط الخبرة». هذا ما أكده الدكتور أحمد جعفر استشاري الأمراض الباطنية، موضحا أن قطاع الصيدلة وشركات الدواء لا يتشدد في شرط الخبرة المسبقة، ويقبل الخريجين الباحثين عن عمل، ويقوم بتدريبهم وصقلهم بالمهارات المطلوبة بما يجعلهم مؤهلين تماما، موضحا أن اشتراط الخبرة المسبقة قد يفقد سوق العمل كفاءات واعدة تعلمت في قطر، وتعرف طبيعة وعادات وتقاليد المجتمع، داعيا إلى عدم التشدد مع هذه الفئة من الخريجين، وإن يتم الاهتمام بهم، وتوفير وظائف مناسبة لمؤهلاتهم، مضيفا إمكانية تدريب هؤلاء الخريجين إخضاعهم للتقييم في مرحلة تالية للتأكد من أنهم باتوا قادرين علي الإنجاز، قبل التعاقد معهم رسميا أسوة بذوي الخبرة القادمين من أسواق الخارج.
وأكد جعفر أن خطوة من هذا النوع سوف تحقق تحولا إيجابيا في أداء سوق العمل، وتتمثل في أن هذا السوق لن يكون قاصرا على استجلاب الخبرات الأجنبية، وإنما منتجا وصانعا لها، لافتا إلى أن خريجي جامعات ومدارس قطر يعيشون داخل المجتمع وإن لم يكونوا قطريين، ولديهم إحساس بالولاء والانتماء لهذا المجتمع الذي يعيشون فيه سنوات حياتهم الباكرة، ما يجعلهم أقدر قدرة على العمل والإنجاز والانصهار في مسيرة انطلاق قطر وتحقيق رقيها ونهضتها في كافة المجالات، وهو ما لا يتوافر إجمالا في القادم من الخارج بحثا عن تحسين وضعه المالي دون أي اعتبار آخر سوى تحقيق مصالحه فقط.
مراجعة ضوابط التوظيف
«من المفترض أن يتم مراجعة ضوابط التوظيف وعدم اعتبار الخبرة المسبقة شرطا رئيسيا وأساسيا لأنها تخدم سوق استيراد العمالة من الخارج وإغلاقه تماما في وجه الباحثين عن عمل من داخل قطر» هذا ما ذهبت إليه الخبيرة النفسية الدكتورة موزة المالكي، موضحة أن مواليد قطر أو أبناء المقيمين من خريجي الجامعات القطرية هم جزء من نسيج المجتمع القطري بحكم المعايشة والاندماج، ولا يمكن أن يبقوا بعيدا عن التوظيف بحكم أنهم بلا خبرة ولا ليسوا مؤهلين للعمل بالسوق القطرية لأنهم حديثي التخرج رغم أنهم الأولى من غيرهم في التوظيف.
وتابعت: «يمكن تعويض فارق الخبرة من خلال تنفيذ برامج عمل مكثفة وورش تدريبية عملية حتى يتحقق الاستغلال الأمثل لهؤلاء الخريجين بما يحقق المصلحة المشتركة لهم وللمجتمع» لافتة إلى أن هؤلاء الخريجين خاصة المتميزين منهم هم جزء فاعل في المجتمع القطري، ولديهم القدرة علي التعامل الإيجابي ومراعاة قيم وتقاليد المجتمع، ومتواجدون بالفعل.
وأوضحت أن فوائد توظيف الخريجين من أبناء المقيمين لا يجب أن تختزل في دمجهم بسوق العمل فقط، لأنهم يحققون أكثر من فائدة، منها أنهم موجودون بالفعل ولكن يشكلون أي ضغط إضافي علي الخدمات أو الإنفاق أو السكن، وغيره من ضروريات الحياة، بما يحفظ التركيبة السكانية مقارنة بالاستجلاب من الخارج، الذي يرفع من نسبة الوافدين بما يضيف أعباء على ميزانية الدولة من أجل تحسين وزيادة الخدمات.
وفيما يتعلق بالجانب النفسي المتعلق بتوفير فرص عمل للخريجين من أبناء المقيمين ومدى تأثيره الإيجابي على دفع مسيرة العمل والإنجاز، أوضحت المالكي أن أبناء المقيمين سيكونون أكثر مصداقية وعطاء وأسرع في الانخراط بسوق العمل مقارنة بالخبرات الوافدة من الخارج الذين يسعون إلى تحسين أحوالهم المالية، وقالت: «إن أبناء المقيمين لديهم إحساس مختلف وارتباط وثيق بالمجتمع القطري، لأنهم تربوا داخل قطر في سنوات بناء شخصيتهم، لأنهم يشعرون بالامتنان لوجودهم في قطر، وكونهم جزء من المجتمع القطري».
ودعت المالكي إلى ضرورة وضع تشريعات تخدم هذه الفئة خاصة أن الدولة أنفقت عليهم أموالا طائلة في التربية والرعاية الصحية والتعليمية، لافتة إلى أنه من غير المعقول بعد كل هذا الإنفاق في مراحل البناء، لا تتحقق الاستفادة منهم، وهم في مرحلة القدرة على العمل والإنتاج.
الخبرة تحتاج تكاليف
«من المنطقي أن يكون المقيم في المرتبة الثانية بعد القطري في التوظيف، ولكن يجب مراعاة شرط الخبرة في التوظيف خاصة إذا علمنا أن الوظائف المتاحة تحتاج مواصفات خاصة لشاغليها». هذا ما أكده السيد خالد السويدي، موضحا أن من واجب الخريج، محاولة اكتساب الخبرة من جانبه حتى يكون مؤهلا للوظيفة بالقدر الكافي، منوها بأن الخبرة عامل مهم، وتحصيلها يتطلب إنفاق أموال كثيرة في التدريب والتأهيل على مدى سنوات العمل، وبالتالي لا يمكن أن يتساوى حديث التخرج مع من لديه خبرة سنوات في فرصة الحصول علي الوظيفة.
وقال: «إن تجاهل الخبرة يمكن في بعض الوظائف، لكنه ضروري في وظائف أخرى، لكن من واجب الباحث عن وظيفة -خاصة إذا كان من الخريجين الجدد- أن يحاول تنمية مهاراته والعمل على تطوير قدراته للحصول على الخبرة المطلوبة».