أسماء الدوسري تكتب: الهجرة دروس وعبر
الصفحات المتخصصة
17 أكتوبر 2015 , 12:08ص
الحمد لله الذي جعل في بداية الأعوام وانتهائها عِبرةً وعظة، وما يتذكَّر إلا أولو الألباب، ها هي الأعوام تمر بنا في حركة لا تتوقف، وجري لا يعرف التريث والانتظار، ومضي لا يؤمن بالعودة، وتلك هي طبيعة الزمان.
بينما نحن نقلب صفحة من صفحات الزمن لنضيف سنة جديدة إلى تاريخ هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نرى أيامنا تدور بين ثلاثة أصناف: أمسٌ ذهب عنا وأبقى علينا حكمته، فيه عظةٌ وشاهدُ عدلٍ لنا أو علينا، واليوم زائر يحمل غنائمه سرعان ما يمضي عنا ليكمل رحلته، وغد لا ندري أنكون من أهله أو سيأتي ولا يجدنا.
وفي ذكرى الهجرة النبوية الشريفة كل عام، تهبُّ علينا رياح التغيير العظيمة التي غيَّرت وجه التاريخ عبر هذا الحدث العظيم، حتى تكون محطة للتغيير الدائم لأمة الإسلام عبر السنين، وصعودا نحو المعالي، والانتقال من الضَّعف إلى القوة، ومن قهر الضلال وسيطرة الباطل إلى حياة الإيمان والدَّور الريادي المنوط بها أصلاً، وحيث وفق الله تعالى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن اختار الهجرة النبوية عنوانا للتاريخ الإسلامي، وكان أمامه عدة مناسبات قوية يُمكن أن يستخدمها للتأريخ؛ مثل: غزوة بدر، أو فتح مكة، أو ميلاد أو بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كان توفيق الله تعالى لاختياره هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب -المدينة المنورة حاليا- بداية للعام الإسلامي ولم يؤرخه بمولده كما فعل أهل الكتاب فيه فوائد وأحكام أهمها ليعلم الناس أننا أمة عمل لا أمة أزمنة وحوادث.
والهجرة ليست بداية مرحلة في تاريخ الإسلام فحسب بل هي ذات دلالات تربوية وروحية عبرت عن عدم الاستسلام أمام جبروت الطغاة الذين أرادوا التصدي لدعوة الحق لكي يسكتوا الكلمة الإيمانية الصادقة التي رفع لواءها من أرسله الله هادياً ومعلماً ومرشدا.
الهجرة موقف يعبر عن الالتزام بالدفاع عن الحق ولو كلفنا ذلك حياتنا أو أموالنا أو فراق من نحب.
يوم الهجرة هو يوم المراجعة واليقظة والتوبة والعودة إلى منهج الله في الدعوة والكلمة الطيبة الناصحة وبالعودة إلى طريق الإسلام ومنهجه وأخلاقياته لكي نكون أقرب إلى الله وأحب إليه.
وما زالت دروس الهجرة حية وملهمة لكي نتعلم منها أن الحياة سفر من الأسفار، فيها مراحل ومحطات، كلما قطعنا مرحلة يجب علينا أن نقف وننظر كم قد مضى من المراحل وكم قد بقي، وهل نضمن أن يكون لنا فيه من نصيب؟!
إن الزمان يأكل من أعمارنا يوماً بعد يوم وليلة بعد ليلة وشهراً بعد شهر وعاماً بعد عام، وما مضى منه مضى منا، قال الحسن رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك".
قد فاز قوم أعدوا للسفر زاده فربحوا حتى وصلوا في عافية إلى وطنهم الموعود.
جعلنا الله وإياكم منهم ..ودمتم سالمين!
باحثة في الدراسات الإسلامية والأديان
asmaa.aldosary@gmail.com