د. خالد النعمة مدير إدارة المناصرة والتوعية بمعهد الدوحة الدولي في حوار مع «العرب»: مشروع لدراسة ديون الغارمين وتأثيرها السلبي على الأسرة

alarab
المزيد 17 أغسطس 2025 , 01:22ص
حامد سليمان

مشكلة الغارمين لا تقتصر على الأسر القطرية وتنتشر في الكثير من المجتمعات
مساهمة وزارة التعليم بإضافة بعض المواد التثقيفية لأبنائنا الطلاب
تثقيف الطلاب على الحياة الزوجية
دراسة التوازن بين أعباء الحياة والعمل أو ما نسميه بالسياسات الصديقة للأسرة
ثلاثة مستويات أساسية لمشاريعنا المحلية والإقليمية والدولية

 

كشف الدكتور خالد النعمة مدير إدارة المناصرة والتوعية بمعهد الدوحة الدولي للأسرة، عن مشروع للمعهد لدراسة ديون الغارمين وأسبابها النفسية والاجتماعية وتأثيرها السلبي على الأسرة، إضافة إلى مشاريع لتطوير بعض الأدوات المنهجية والدراسية والتي يمكن أن تساهم من خلالها وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بإضافة بعض المواد التثقيفية للطلاب، لتثقيفهم على الحياة الاجتماعية بصورة أكبر، والتركيز على الحياة الزوجية.
وأوضح النعمة في حوار مع «العرب» أن الثقافة الزوجية من الأمور الهامة جداً، وأن أعباء الحياة تغيرت بصورة واضحة عما كانت عليه في السابق، خاصة مع دخول العصر الرقمي الذي أضاف تحديا كبيرا على الأسرة، لافتاً إلى أن المعهد يعمل في الوقت الحالي على دراسة التواجد الرقمي وتأثيره على الحياة اليومية، وأن لديه مشاريع لتثقيف الوالدين في طريقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتواجد في الفضاء الرقمي.
وأشار إلى مبادرة على مستوى وطني كبير بتوفير منهج للتعرف على الثقافة المالية والاقتصادية والأسرية والزوجية قريباً، مقدماً الشكر لوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي على جهدها وقيادتها لهذا المشروع. وإلى نص الحوار:

◆ ماذا عن أبرز القضايا التي يعمل معهد الدوحة الدولي للأسرة على دراستها؟
¶ المعهد يركز على عدد من الموضوعات التي تهم المجتمع بشكل أساسي، ويعمل مع قطاعات مختلفة في الدولة، ويركز بشكل كبير على القضايا التي تتعلق بالتماسك الأسري، مثل مشكلات الخصوبة والطلاق ومعرفة أسبابه وتقديم أبرز الحلول، إضافة إلى المشروعات المتعلقة بالنشء والتربية الوالدية، فكل هذه الأمور تعتبر باكورة أساسية يعمل عليها المعهد.
ومن المشروعات المهمة أيضاً التي يعمل عليها المعهد موضوع الديون والغارمين ودراسة أسبابها النفسية والاجتماعية وتأثيرها السلبي على الأسرة، كما أن لدينا مشاريع لتطوير بعض الأدوات المنهجية والدراسية والتي يمكن أن تساهم من خلالها وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي بإضافة بعض المواد التثقيفية لأبنائنا الطلاب، لتثقيفهم على الحياة الاجتماعية بصورة أكبر، والتركيز على الحياة الزوجية.
كما أن المعهد يعمل على دراسة التوازن بين أعباء الحياة والعمل، أو ما نسميه بالسياسات الصديقة للأسرة، وغيرها من المشاريع التي يعمل عليها المعهد في ثلاثة مستويات أساسية المحلي والإقليمي والدولي، مع شركاء متعددين على حسب حاجة المشروع.

تأثير على الاستقرار الأسري
◆ كيف يمكن أن تكون مشكلة الغارمين ذات تأثير مباشر على الاستقرار الأسري؟
¶  المعهد يعمل على دراسة هذا الأمر، للتعرف على التأثير الذي يمكن أن تسببه هذه المشكلة على الأسر التي تعاني منها، لكنها لا شك تشكل عائقا كبيرا جداً لاستمرارية الحياة الزوجية والرفاه العام، وهذا ما دفع المعهد لدراستها، فنحن نتناول مشكلة تعثر في سداد ديون، والأمر له تبعات قانونية ومالية، وهذا لا شك يؤثر على استمرارية الحياة بشكلها الطبيعي وتلبية الاحتياجات الاسرية.
ولا ننسى في هذا الجانب التبعات القانونية المترتبة على قضايا الغارمين، الأمر الذي يتطلب دعماً أسرياً لتجاوز هذه الثغرة المالية، في حين أن بعض الحالات يصيبها نوع من العجز المالي، ما يترتب عليه نوع من التفكك الأسري، وقد يصل في حالات إلى الانفصال، وإن كانت هذه الحالات قليلة.
وهذه المشكلة لا تقتصر على الأسر القطرية، ولكنها تنتشر في الكثير من المجتمعات، وترجع في الكثير من الأحيان لارتفاع سقف التوقعات بالنسبة للمشروعات، وقد عملنا مع شركاء داخل مؤسسات الدولة في قطر، بهدف الوقوف على الأسباب التي تؤدي إلى تعثر الغارمين، ومن بينها قراءة المشهد الاقتصادي بشكل غير صحيح أو زيادة سقف التوقعات عند الشباب، وعدم المعرفة المالية، والدخول في بعض المشاريع دون دراسة جدوى صحيحة، أو زيادة متطلبات وأعباء الحياة، وغيرها من الأسباب.

◆ التدريب والتعليم قبل الزواج من الأمور الهامة في تحقيق التماسك الأسري، ما الخطوات التي يعمل عليها المعهد من أجل التركيز على هذا المسلك؟
¶ الثقافة الزوجية من الأمور الهامة جداً، خاصةً أن أعباء الحياة تغيرت بصورة واضحة عما كانت عليه في السابق، فضلا عن دخول العصر الرقمي، الأمر الذي أضاف تحديا كبيرا على الأسرة، فلم يعد المربي هو الوالدين والمدرسة فقط، فالتواجد في الفضاء الرقمي شكل تربوي جديد يتعلق بمسألة التربية الوالدية.
ولا ننسى كذلك موضوع التثقيف المالي، وهو من الأمور الهامة جداً، وهو من الأمور التي تُدرس عبر مختصين في الجانب الاقتصادي، لذا عمل المعهد على مبادرة على مستوى وطني كبير، نشكر وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي على جهدها وقيادتها لهذا المشروع، بتوفير نوع من أنواع المناهج المساندة التي ستطلق قريباً، وهي بمثابة التعرف على الثقافة المالية والاقتصادية والأسرية والزوجية وتنظيم الحياة الزوجية، وهي مهمة جداً وتعد امتدادا للاقتصاد المنزلي الذي كان يدرس في السابق، ولكن تطور بطبيعة الحال مع تمدن الأسر، والطموح الكبير للأسر، مع الخبرات المتواضعة للكثير من المقبلين على الزواج فيما يتعلق بإدارة الأمور المالية، وكلها تحد لا يُدرس في المناهج بل تُعلم عن طريق القراءة والاطلاع أو التجربة العملية عن طريق الوالدين.

ارتفاع معدلات الطلاق 
معدلات الطلاق ما زالت في ارتفاع.. ولا شك أن هذا يمكن أن يكون له تأثير على الأطفال، فكيف يمكن أن نقي الأطفال تبعات انفصال الزوجين؟
¶ هذا الأمر يمس كافة الدول العربية ودول الخليج وقطر بصورة خاصة، ويعد الطلاق من المشكلات التي تعمل الدولة على نطاق واسع للحد منها، ولا شك أن للطلاق تأثيرا سلبيا على الأبناء، ولكن ليس بالضرورة أن يقع ضرر كبير عليهم، ففي بعض الحالات يكون الطلاق مخرجا وطوق نجاة للأسرة، حتى لا يحدث ما يمكن أن نعتبره «دمار شامل» بتأذي الجميع.
والأطفال في مقتبل العمر يحتاجون إلى تواجد الآباء، فللقرب منهم تأثير نفسي إيجابي كبير، ويتسبب غيابهم في الخوف وغياب الثقة بالنفس وغيرها من المشكلات.
وعند الحديث عند مرحلة ما بعد الطلاق، يغفل الكثيرون النماذج الإيجابية في هذه المرحلة، وهي النماذج التي تتمسك بقول الله عز وجل «ولا تنسوا الفضل بينكم»، فهناك الكثير من الأسر التي يقع فيها الطلاق وتظل العلاقة وطيدة ومتينة، وبما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويكون الرجل والمرأة حريصين كل الحرص على التماسك الأسري، سواء بالالتزامات المالية أو التواجد الأبوي، حتى وإن قل، فضلا عن الاتفاقات التي تجمع الاسرتين، وصولاً إلى تنظيم كافة الأمور، بما يحمي الأبناء من التأثيرات السلبية لهذه الخطوة، وهذه النماذج يجب أن تظهر بصورة أكبر في المجتمع حتى تكون استدلالا واستقراء لمرحلة ما بعد الطلاق.
والرسالة الهامة جداً، والتي يجب أن نوجهها لكل من يقبل على الطلاق، أن يرجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وإلى العادات والتقاليد، فلدينا الكثير من التشريعات الدينية والعادات العربية التي تمنع الفجور في الخصومة بعد الطلاق.
وفي النهاية نؤكد على أننا لا نؤيد الطلاق، ونركز على التماسك الأسري، وقد وضعت الدولة الكثير من الأطر التي تحمي الأسرة من التفكك والطلاق.

الدوام المرن للمرأة

◆ كان الدوام المرن للمرأة من القضايا التي عمل عليها المعهد في السنوات الماضية، وكان هناك استجابة من الدولة فيما يتعلق بهذا الأمر، فإلى أي درجة تجدون تأثير هذه الخطوة على تحقيق الاستقرار الأسري؟ 
¶ السياسات الصديقة للأسرة أصبحت توجها للكثير من مؤسسات الدولة، ونشكرهم على هذه الخطوة، وهي تحاول إيجاد نوع من التوازن بين أعباء الحياة ومتطلبات العمل، خاصةً بالنسبة للمرأة العاملة التي لديها عدد من الأبناء، فهناك عدد من السياسات الصديقة للأسرة، من بينها إيجاد دور الرعاية وغرف الرضاعة ببعض مؤسسات الدولة، وساعات العمل المرنة، واجازة الابوة، واجازة الأمومة، فكلها تعيد النظر وتركز على أهمية الأسرة كنواة للمجتمع، والتأكيد على هذا الأمر.
لا شك أن الدولة تتحمل تكاليف بالتوجه لهذه السياسات، ولكنها تقدم المصلحة العامة للمجتمع على غيرها من الأمور.
وإلى حد ما هناك بوادر إيجابية تشير إلى أن هذه السياسات حققت نوعاً من الاستقرار الأسري، ولكن للتحقق من مدى فعالية هذه السياسات يتطلب بعض الوقت، وسنلحظ ذلك خلال السنوات المقبلة إن شاء الله، وكل هذا يحتاج إلى نوع من الملاحظة المنطقية المبنية على المنهجية العلمية، ولكن لا شك أن هذه السياسات يمكن أن تسهم في ترتيب أولويات الحياة الزوجية على أعباء العمل، إضافة إلى التشجيع على إنجاب عدد أكبر من الأبناء، فتشجع الأم العاملة على المحافظة على موقعها الوظيفي وفي الوقت نفسه الانجاب ورعاية الأسرة. 

ماذا عن الخطط المستقبلية للمعهد؟
¶ نعمل في معهد الدوحة الدولي للأسرة على أن نسير بخطى استباقية، وذلك من خلال فتح آفاق التعاون مع مؤسسات الدولة، بحيث نعمل على سد الحاجة لبعض الكفاءات التي نحتاجها في بعض الأحيان، ولدينا خطط للتعاون مع وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك قطر الخيرية والمؤسسات العاملة على حل مشكلات الغارمين، والجهات المشاركة في العمل على تعزيز التماسك الأسري، فكل جهة تعمل من جانبها على هذا التوجه وفق مجالات اختصاصها.
كما نعمل في الوقت الحالي على دراسة التواجد الرقمي وتأثيره على حياتنا اليومية، ولدينا بعض المشاريع المتعلقة بتثقيف الوالدين في طريقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتواجد في الفضاء الرقمي، وحماية الأبناء عن طريق استخدام التقنيات الحديثة بالطرق الصحيحة.
كما نعمل على تعزيز مفهوم معهد الدوحة الدولي للأسرة كمنارة للعلم والمعرفة، وذلك من خلال تبني عدد من الطلاب بالانتساب للمعهد بقصد التدريب للعمل في الميادين المتعلقة برفع الوعي المجتمعي بشكل كبير، وتعزيز مفهوم التعاون المجتمعي في هذا الجانب، بالتعاون مع مؤسسات الدولة، ولدينا طلاب متدربون ومنتسبون يعملون في قطاعات مختلفة داخل معهد الدوحة الدولي للأسرة، بحيث ننقل هذه المعارف لهم.
ولا ننسى أن لدينا مشاريع على المستوى الإقليمي والعالمي، ونعمل عليها بالتعاون مع مؤسسات دولية كاليونيسيف واليونسكو، وغيرها من المؤسسات.

فكرة زيادة الوعي
◆ مع تشعب عمل معهد الدوحة الدولي للأسرة بما يخدم ويحقق أهدافه، إلى أي مدى تجدون التعاون من مؤسسات الدولة في تحقيق أهداف ورؤى المعهد؟
¶ يمكنني التأكيد على أننا في المعهد تعاونا مع معظم مؤسسات الدولة، والمعهد لا يبني فكرة زيادة الوعي فحسب، بل يعمل على إنشاء سياسات مبنية على دراسات واقعية، وإيجاد موجز السياسات للاسترشاد تقدم لصناع القرار في الدولة، بحيث يتم النظر في عدد من السياسات الموجودة في الدولة، والممارسات التي نرصدها في المنطقة، والاستفادة من الخبرات في هذا المجال الهام، لذا فلدينا تعاون مع الكثير من المؤسسات من بينها وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة التربية والتعليم، وعدد كبير من مؤسسات الدولة، وكان لنا تعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من أجل استثمار منابر المساجد في إيصال الرسائل التي نأمل وصولها للمجتمع.
ولم نلحظ أي رفض للتعاون في تحقيق الأهداف المنشودة من أي من مؤسسات الدولة، لأننا جميعاً نعمل لأجل الصالح المشترك، ونحن في المعهد حين نعمل على تصميم المشاريع نحرص على دراسة كافة الجوانب، فمشكلة الغارمين على سبيل المثال حين ننظر لها في السياق الاجتماعي، لا نغفل الجانب الاقتصادي، وغيره من الجوانب، بحيث يكون كافة الأطراف المرتبطين بنفس القضية مستفيدين، وألا تتضرر النظم المعمول بها في الوقت الذي تراعي فيه الأسرة كافة العقبات، فننظر للجانب التطبيقي على نحو قريب.