تجار الذهب: حركة السوق لا تتوقف وأذواق المواطنين تميل إلى التراث
تحقيقات
17 أبريل 2017 , 01:33ص
عصام الشيخ
تعد صناعة الذهب والحُلي والمجوهرات من الحرف القديمة الدالة على عبقرية الإنسان وإبداعه، ومرَّت هذه الصناعة بعهود كثيرة منذ ما قبل التاريخ إلى الحضارات في العصور الوسطى، وصولاً إلى الحضارة الإسلامية.
وتعد النساء أكثر استعمالاً للذهب من الرجال، خاصة في المجتمع المسلم؛ حيث أباحه الله للنساء وحرَّمه على الرجال، ورغم ذلك فإن الرجال أكثر تعاملاً معه؛ حيث يقومون بصياغته، أي صهره وتشكيله لصناعة الحلي والجواهر التي تتزين بها النساء، ومرَّت صياغة الذهب بالعديد من المحطات، ويقوم الصاغة بتشكيله في محالهم، ومن ثمَّ بيعه لمن يطلبنه من النساء للزينة، كما كانت عملية الصياغة اليدوية في الماضي القريب بسيطة جداً، وتتم عن طريق استخدام معدات متواضعة.
وقال العديد من التجار إن أذواق المواطنين ما زالت تميل ناحية التراث القديم من الذهب، الذي يرتدونه في المناسبات الكبرى كالأفراح والأعياد، رغم أن هناك الأجيال الجديدة التي تهتم بالأذواق الجديدة.
السعدي: ادخار للزمن وأمان للمستقبل
قال عبدالله السعدي، من المعروف أن النساء هن الأكثر استهلاكاً للذهب، خاصة في مجتمعاتنا المسلمة التي تُحرِّمه على الرجال منذ القدم، وأن أجمل ما تتزين به النساء قديماً هو الذهب، وبالرجوع إلى المئة سنة الماضية نجد أن وجود الذهب كان شبه نادر، إذ لم يكن يعرفه إلا عِلية القوم، وكانت أكثر النساء يستعِرْن الذهب من قريباتهن أو صديقاتهن في المناسبات كالزواج مثلاً، كما كانت النساء يعتنين بالذهب عند الحصول عليه، فالمرأة تعشق منذ قديم الزمان الذهب، فهو يحقق لها العديد من المزايا والضمانات. أيضاً بريق الذهب يزيدها جمالاً، وكثرته تعطيها الأمان، لذا فقد كنَّ لا يفرطن فيه تطبيقاً للمثل الذي يقول (الذهب زينة.. وخزينة) أي زينة للتجمل وخزينة لأنه ادخار للزمن وأمان للمستقبل، فعند الحاجة يتم بيع الذهب والاستفادة من ثمنه، فالذهب تبقى قيمته ولا تزول.
وأضاف أن الكثير من النساء يملن إلى التراث القديم، كما تعمد الكثير منهن إلى المتاجرة في الذهب، حيث تشتري منه بكثرة كلما توفر معها مال، وذلك في فترة ركود أسعار الذهب وانخفاضها، ومن ثم تقوم ببيع ما لديها وما تستغني عن لبسه إذا ارتفع سعر الذهب، وتحتفظ بمالها إلى وقت انخفاض سعره لتشتري من جديد، وبذلك يتضاعف رأسمالها مرات عديدة.
أما في السابق وقبل انتشار محال الذهب التي باتت تبيعه بسعر الغرام الواحد، فقد كان بيع الذهب يتم عن طريق جلبه من قبل بعض النساء، وبيعه للنساء بهامش ربح قد يقل أو يزيد، حسب سماحة من تبيع، حيث عرف العديد من النساء في كثير من البلدان بذلك، فعندما تهم امرأة ببيع أو شراء ذهب فإنها تذهب إلى العديد منهن وتستعرض الأسعار وتختار للبيع من تعطي ثمناً أكثر وفي الشراء لمن تقدم سعراً أرخص، وكان غلاء السعر يعتمد على عيار الذهب وعلى فن الصائغ بالدرجة الأولى، فكلما زادت نقوشه وأتقن صنعه زاد ثمنه وهكذا.
داوود: «الذهب الأصفر» أكثر استخداماً في الزينة
قال علي داوود -تاجر ذهب- قد يظن البعض أن الذهب الذي يعرض في الأسواق ذو قيمة واحدة، والحقيقة أن سعر الذهب يختلف باختلاف عياره، فالذهب الذي يعرض في محال بيع الذهب له العديد من العيارات، وكل عيار له ثمن معين، فأغلاها هو عيار 24، وهو عبارة عن الذهب الخام الخالص، وتتشكل منه السبائك الذهبية وأوقية الذهب، ثم الذهب عيار 22 قيراطاً (وحدة كتلة)، الذي يحتوي على 22 جزءاً من الذهب، مع جزأين من المعادن الأخرى مثل نحاس أو نيكل أو زنك، ثم الذهب عيار 21 قيراطاً (وحدة كتلة)، الذي يحتوي على 21 جزءاً من الذهب مع 3 أجزاء من المعادن الأخرى، ثم الذهب عيار 18 قيراطاً (ميزان)، يحتوي على 18 جزءاً من الذهب مع 6 أجزاء من المعادن الأخرى، ثم الذهب عيار 14 قيراطا (وحدة مساحة)، ويحتوي على 14 جزءاً من الذهب مع 10 أجزاء من المعادن الأخرى، كما كثر استخدام الذهب في مجوهرات الزينة فيما يعرف بـ(الذهب الأصفر)، ويتم ذلك عن طريق خلط الذهب مع النحاس والفضة والخارصين بنسب متفاوتة ينتج عنه عيارات الذهب المتعددة، ويتم قياس درجة نقاوة الذهب بالأجزاء (جزء من الألف) أو بالعيار حسب المقياس الأميركي، فمثلاً درجة النقاوة 1000 تقابل العيار 24، ودرجة النقاوة 875 تقابل العيار 21، بينما 750 تقابل العيار 18، وعموما فإن اللون يميل إلى الشحوب كلما تم إنقاص رقم العيار، أي نقصت كمية الذهب في السبيكة، أما الذهب الأبيض فهو ذهب ممزوج بالقصدير أو البلاديوم من أجل إكسابه اللون الأبيض، ويستخدم الذهب الأبيض عادة لأطقم المجوهرات.
صلاح: مصدر جذب بين الزوجين
قال صلاح محمد، معظم أذواق المواطنين تميل إلى التراث القديم من الذهب، حيث ارتبط الذهب بمظاهر الزواج والحياة الزوجية بشكل عام، فعند الخطوبة وقبول المرأة للزواج يتم تقديم الذهب ضمن المهر، إذ يقوم الزوج بواسطة والدته أو أحد أخواته بالذهاب إلى محل الذهب، ويختار لعروسه العديد من أطقم الذهب، التي تحتوي على (غوايش)، وكانت تسمى (مجاول)، وهي تلبس في ساعد اليد، وخواتم، وتُلبس في الأصابع، وقلادة تعلق بالعنق، و(بناجر) و(رشرش) تلبس على الصدر، وغيرها مما تلبسه المرأة من زينة الذهب.
وكان للمشغولات الذهبية فيما مضى العديد من الأسماء، فهناك ما يسمى (دقة فريد)، وكانت موضة ذلك الزمان، وكذلك الرشرش وغيرها من الأسماء التي اكتسبت شهرة، وبعد الزواج يظل الذهب مصدر جذب بين الزوجين، إذ يكون أجمل هدية يقدمها الرجل لزوجته، خاصة بعد الولادة، كما أن الذهب يدخل ضمن صفقات التراضي بين الزوجين، فإذا ما حدثت خصومة بين الزوج وزوجته، وكان الزوج هو المتسبب في الخصومة فإن اعتذار الرجل لا يكون شفهياً، بل بتقديم طاقم من ذهب على سبيل الاعتذار، وكان هذا الإجراء هو السائد فيما مضى.
وأخيراً فإن بعض النساء يفضلن أن يقدمن الذهب لصديقاتهن أو قريباتهن اللاتي رُزقن بمولود، فيتم تقديم (جنيه) من الذهب إذا كان المولود ذكراً، أما إذا كانت المولودة أنثى فيقدم لها طاقم ذهب صغير وناعم، كـ(خروص) للأذن، أو (تعليقة) للعنق، أو (غوايش)، وغيرها مما يصلح أن يلبسه الطفل.
ومن ضمن اهتمام محلات الذهب بتقديم ما يرضي أذواق المتسوقين، فقد حرص كل بائع على الحصول على فنيين مهرة لصياغة الذهب منذ القدم، ونظراً لكثرة انتشار المصانع فقد قلَّ المهرة في هذا المجال. ولكن لسعي العديد من المحلات الكبرى والمؤسسات والشركات لنيل أكبر حصة من المتسوقين في سوق الذهب والمجوهرات، فقد حرصت هذه المحال على تدريب العاملين لديها لإكسابهم الخبرة من الصاغة المهرة من كبار السن، للاستفادة من خبراتهم.