يكشف في حوار رمضاني مع «العرب» ذكريات الطفولة في الشهر الفضيل.. د. مصطفى كوكصو: قطر وتركيا تتميزان بأعمال الخير والحفاظ على التقاليد في رمضان

alarab
الملاحق 17 مارس 2025 , 01:25ص
هشام يس

تركيا تحتفل بالشهر الفضيل في أجواء بهيجة وتطلق عليه «سلطان الشهور»
بعض العادات الرمضانية تعكس روح التكافل الاجتماعي مثل «الخبز المعلق»
كنا في الطفولة «نبيع صومنا» لأهلنا للحصول على الهدايا لشراء ما لذَّ وطاب
طبق «الهريس» الرمضاني في قطر يشبه إلى حدّ كبير «الكِيشكك» في تركيا
«موائد الرحمن» المجانية التركية تشبه المبادرات القطرية لتوزيع وجبات الإفطار

 

تستقبل تركيا شهر رمضان الفضيل وسط أجواء روحانية ودينية رائعة، وتراث إسلامي عريق ينتشر عبقه في معظم الدول الإسلامية حول العالم. وترتبط قطر وتركيا بعلاقات إنسانية وثقافية فريدة، تجلَّت في العديد من المناسبات والمواقف التي تجمع بين البلدين، وفي ظل هذه العلاقات يأخذنا سعادة الدكتور مصطفى كوكصو، سفير الجمهورية التركية لدى الدولة، في جولة بين ذكرياته في رمضان كسفير لواحدة من أعرق الدول الإسلامية، ويكشف لنا عن العديد من الخفايا التي تربطه بهذا الشهر الفضيل منذ الصغر.
وتحدث سعادته في حوار رمضاني مع «العرب»، عن ذكريات الطفولة ورغبته الشديدة هو وإخوته في الاستيقاظ للسحور، بدافع احترام شهر رمضان، وصيامه ساعات قليلة في طفولته، في تقليد تركي يُسمَّى
بـ «صيام العصافير».
وبدأ الحوار بتوجيه التهنئة إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وإلى صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وإلى الحكومة والشعب القطري والمقيمين، وإلى الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء. وتطرق سعادته إلى بعض العادات الرمضانية التي تعكس روح التكافل الاجتماعي، مثل تقليد «الخبز المعلق»، أما بالنسبة إلى الأطباق المميزة فمن أشهرها «الشوربة» التي تُعد من أساسيات المائدة الرمضانية، بالإضافة إلى «الجَجِك»، وهو من الأطباق التركية التقليدية المشابهة للسلطة القطرية المعروفة بـ «اللبن بالخيار».

ولفت سعادته إلى أن رمضان في قطر وتركيا يتميز بالخير والحفاظ على العادات والتقاليد، موضحا أنه رغم اشتراكهما في الأجواء الروحانية، إلا أنه في قطر تُزيَّن الشوارع وتُقام المجالس الرمضانية، بينما في تركيا تُعلَّق الزينة الضوئية «المحيا» على المآذن ويُطلَق مدفع الإفطار.
وتشمل العادات الرمضانية في قطر «الغبقة» و«القرنقعوه»، بينما يتميز رمضان في تركيا بوجود «المسحراتي» وموائد الإفطار الخيرية.
ويختلف توقيت الوجبات، حيث تُعد وجبة الإفطار في تركيا الوجبة الأساسية التي تجتمع حولها العائلة والجيران والأصدقاء، بينما تُعتبر الغبقة في قطر الوجبة الأهم التي تجمع العائلة والأصدقاء بعد صلاة التراويح.
وإليكم نص الحوار

سلطان الشهور
◆ حدثنا عن طبيعة الأجواء الرمضانية في بلدكم؟ وهل هناك طقوس رمضانية لا تزال محفورة في ذاكرتكم؟
¶ في تركيا، نحتفل بهذا الشهر الفضيل بأجواء من الفرح والابتهاج، ونطلق عليه تسمية «سلطان الشهور» نظرا لعظمة هذا الشهر ومكانته الخاصة. ويتميز شهر رمضان بأجوائه الروحانية والاجتماعية الفريدة، حيث تزيين المساجد بوضع زينة ضوئية تربط بين المنارتين نسميها «المحيا» تحتوي على كلمات ترحيب برمضان بكلمات وأحاديث بالأنوار مثل» أهلا يا شهر رمضان « صوموا تصحوا «. وتقام صلوات التراويح في أجواء مهيبة، وتكثر موائد الإفطار الجماعية في الساحات العامة، فتوزع فيها وجبات الإفطار والتي ليست مخصصة للفقراء فقط بل موجهة للعموم، حيث تحب العائلات التركية عادة الإفطار الجماعي في الساحات لما فيه من تعزيز لمشاعر التآزر والتضامن.
إلى جانب هذه الأجواء، هناك بعض العادات الرمضانية التي تعكس روح التكافل الاجتماعي، مثل تقاليد «الخبز المعلق»، حيث يقوم الأشخاص الذين يشترون الخبز من المخابز بدفع ثمن أرغفة إضافية تُترك لصالح المحتاجين، بحيث يمكن لأي شخص غير قادر على الشراء أن يأخذ خبزًا مجانًا دون الحاجة إلى السؤال. كذلك، تستمر في بعض المناطق التركية عادة «إغلاق دفتر الديون»، والتي تعود إلى العهد العثماني، حيث كان المحسنون يسددون ديون الفقراء المسجلة في دفاتر التجار دون الكشف عن هويتهم، خاصة خلال شهر رمضان، مما يعزز قيم التضامن والتراحم في المجتمع.
وأكثر ما أذكره من طفولتي هو رغبتي الشديدة أنا وإخوتي في الاستيقاظ على السحور. فلقد نشأنا على احترام شهر رمضان، وكنا نصوم ساعاتٍ قليلةً في طفولتنا، وهذا تقليد في تركيا يُسمَّى بـ «صيام العصافير»؛ لتشجيع الأولاد على الصوم، ومن ثم كنا «نبيع صومنا» لاهلنا من اجل الحصول على الهدية التي كنا نشتري بها ما لذَّ وطاب.

الأطباق التقليدية
◆ ما هو الطبق الرمضاني الذي يُذكّرك ببلدك، وهل تحرص على إعداده أو تناوله خلال إقامتك في قطر؟
¶ هناك العديد من الأطباق التي ترتبط بذكريات رمضان في تركيا، ومن أشهرها «الشوربة»، وهي من الأطباق التي أحرص على تناولها في رمضان، خاصة في بداية الإفطار. في بلدي، تعدّ الشوربة أساسية في المائدة الرمضانية. كما أن «الجَجِك» يُعد من الأطباق التقليدية في تركيا المشابهة للسلطة القطرية المعروفة بـ «اللبن بالخيار».
وفي قطر، هناك أطباق رمضانية خاصة أيضًا مثل «الهريس»، وهو طبق يشبه إلى حدّ كبير «الكِيشكك» في تركيا، حيث يتم تحضيره باستخدام القمح واللحم بطريقة تقليدية. أما «السمبوسة»، التي تعدّ من الأطباق الرمضانية الشهيرة في قطر، فهي قريبة من «البورك» التركي، حيث تحتوي على عجينة محشوة باللحم أو الجبن ويتم قليها أو خبزها.
هذه التشابهات في الأطباق تعكس التداخل الثقافي بين المطبخين التركي والقطري، وهو ما يجعل تجربة الإفطار في رمضان ممتعة وغنية بالنكهات المختلفة.

◆ كيف يختلف رمضان في قطر عن رمضان في بلدكم من حيث العادات والتقاليد؟
¶ يختلف رمضان في قطر عن تركيا في العادات والتقاليد رغم اشتراكهما في الأجواء الروحانية.
 في قطر، تزين الشوارع وتقام المجالس الرمضانية، بينما في تركيا تُعلق الزينة الضوئية «المحيا» على المآذن ويُطلق مدفع الإفطار. العادات الرمضانية تشمل «الغبقة» و»القرنقعوه» في قطر، بينما يتميز رمضان في تركيا بوجود «المسحراتي» وموائد الإفطار الخيرية. ويختلف توقيت الوجبات، حيث إن وجبة الإفطار في تركيا هي الوجبة الأساسية ويجتمع حولها العائلة والجيران والاصدقاء، بينما في قطر تكون الغبقة هي الوجبة الأهم التي تجمع العائلة والأصدقاء بعد صلاة التراويح. وفي العيد، تُقدم العيديات للأطفال في قطر، بينما يوزع الأتراك الحلقوم والشوكولاتة على الزوار.
 وعلى الرغم من الفروقات الثقافية بين البلدين، إلا أن الرابط الديني القوي بيننا يجعل من رمضان مناسبة تجمع المسلمين على روح واحدة، تتجلى في التضامن، والكرم، والصلاة، والاحتفال المشترك.

◆ كيف تؤثر أجواء رمضان في نمط عملكم وجدول أعمالكم كسفير؟
¶ رمضان لا يخفف من وتيرة العمل الدبلوماسي، ولكنه يمنحنا فرصة لتعزيز العلاقات بشكل غير رسمي من خلال الفعاليات الرمضانية واللقاءات المجتمعية. يصبح جدول الأعمال أكثر تركيزا على اللقاءات المسائية بعد الإفطار، حيث تكثر دعوات الإفطار والسحور التي تجمع مختلف الشخصيات من المجتمع القطري والجاليات المقيمة. فاللقاءات خلال شهر رمضان تجرى في أجواء أكثر ودا وتفاهما مما يجعها مثمرة وأكثر تأثيرا.

◆ هل هناك عادات تركية تتشابه مع التقاليد القطرية في هذا الشهر؟
¶ من أبرز التقاليد التي تجمع بين البلدين في رمضان هي مدفع الإفطار، وتوزيع الحلوى التقليدية. كما أن تقليد «موائد الرحمن» المجانية التي تقام في الساحات العامة يشبه المبادرات القطرية في توزيع وجبات الإفطار.
فرمضان في تركيا وفي قطر يتميز بالخير والسلم، والحفاظ على العادات والتقاليد، سواء في المظهر أو الأكل أو العادات الاجتماعية أو أداء الواجبات الدينية وفعل الخير.

◆ كيف يتم الاحتفال بليلة القدر والعشر الأواخر من رمضان في بلدكم؟
¶ يتم الاحتفال بليلة القدر والعشر الأواخر من رمضان في تركيا بأجواء روحانية خاصة، حيث تكتظ المساجد بالمصلين الذين يحرصون على أداء صلاة التراويح والتهجد حتى الفجر. وتُعد ليلة القدر من أكثر الليالي قدسية، حيث يحرص الأتراك على إحيائها بالدعاء والإكثار من قراءة القرآن والتي نطلق عليها تسمية «المقابلة». وتنتشر في هذه الفترة الأعمال الخيرية مثل تقديم وجبات الإفطار للفقراء والمحتاجين والتبرعات للمؤسسات الخيرية والزكاة.
ومن العادات التي انتشرت في تركيا مع ازدياد التواصل مع العرب، إقامة صلاة القيام في هذه الليالي المباركة، إذ لم تكن هذه الصلاة معروفة سابقًا لدى الأتراك، ولكنها أصبحت شائعة بعد التعرف عليها من المسلمين العرب. كما يفضل بعض الأتراك الاعتكاف في المساجد خلال العشر الأواخر، بحثًا عن الصفاء الروحي والتقرب إلى الله.

روح التواصل
◆ ما هو التقليد الرمضاني الذي تتمنى أن يراه العالم ويتبناه من ثقافة بلدك؟
¶ لكل بلد ظروفه الخاصة، وما يناسبنا قد لا يكون مناسبا للآخرين، فالتقاليد تتشكل وفقا للثقافة والبيئة الاجتماعية لكل مجتمع. لكن الأهم من ذلك كله هو روح التواصل والتآخي التي يجسدها شهر رمضان، والأولوية يجب أن تكون لضمان ألا يُحرم المحتاجون من بركاته، عبر تعزيز قيم التكافل والتضامن التي تميّز هذا الشهر المبارك.

◆ كيف تعكس دولتك قيم رمضان في المبادرات الإنسانية والدبلوماسية خلال هذا الشهر؟
¶ تركيا تولي أهمية كبيرة للعمل الإنساني خلال شهر رمضان، حيث تنفذ المؤسسات التركية مشاريع إغاثية حول العالم، تشمل توزيع المساعدات الغذائية وإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما يجسد قيم الرحمة والتضامن التي يحملها هذا الشهر الفضيل. كما تعد موائد الإفطار جزءا من التقاليد الرمضانية الراسخة في تركيا، حيث تقام في جميع الأحياء بمساهمة الأفراد والمؤسسات، لتعزيز روح التكافل الاجتماعي والتآخي بين أفراد المجتمع.
بالإضافة إلى ذلك، تحظى الزكاة بأهمية خاصة خلال رمضان، حيث يتم توزيعها وفق نظام متوازن يشمل تخصيص ثلثها داخل البلاد لدعم المحتاجين، وثلث للمؤسسات الخيرية التي تقدم خدمات إنسانية واجتماعية، وثلث آخر يوجه إلى المحتاجين خارج تركيا، مما يعكس التزام البلاد بالمبادئ الإسلامية في التكافل والدعم الإنساني داخل الوطن وخارجه.

◆ ما الرسالة التي تود توجيهها للجالية في قطر والعالم الإسلامي بمناسبة الشهر الفضيل؟
¶ دعني أتوجه بالتهنئة إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، وإلى صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وإلى الحكومة والشعب القطري والمقيمين وإلى الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، متمنياً أن يكون شهر رمضان شهر خير وبركة على الجميع.
وأتمنى أن يكون هذا الشهر الكريم فرصة لتعزيز المحبة والسلام بين الشعوب، وأن يكون مليئا بالخير والبركة للجميع.

فرصة للتواصل مع الزملاء الدبلوماسيين  من مختلف الجنسيات

عن المواقف التي حدثت له في شهر رمضان المبارك، ولا تُنسى خاصة على المستوى الدبلوماسي أو السياسي
قال سعادة الدكتور مصطفى كوكصو: «بالطبع، لدي تجربة لا تُنسى تتعلق بالإفطارات الرمضانية السنوية التي تنظمها سفارتنا، والتي تجمع مختلف الفئات وتُسهم في تعزيز الروابط الدبلوماسية والاجتماعية. كان رمضان في تلك السنوات ولا يزال فرصة فريدة للتواصل مع الزملاء الدبلوماسيين من مختلف الجنسيات، بالإضافة إلى المسؤولين ورجال الاعمال والاعلاميين والاكاديميين والجاليات المقيمة.
هذه الإفطارات الرسمية والغير رسمية، مثل غيرها من اللقاءات الرمضانية التي يتم دعوتي إليها، ستظل دائمًا جزءًا من الذاكرة التي لا يمكن نسيانها، لأنها لم تكن مجرد مناسبة لتناول الطعام، بل كانت لحظات قيمة لبناء علاقات دبلوماسية قوية في أجواء من التعاون والإخاء.

◆ هل هناك فعاليات اجتماعية أو دبلوماسية تقوم بها سفارتكم خلال الشهر الكريم لتعزيز العلاقات مع الجالية وأبناء المجتمع القطري؟
¶ كما ذكرت، نحرص في السفارة التركية على تنظيم سلسلة من موائد الإفطار المتنوعة التي تجمع الدبلوماسيين والمسؤولين ورجال الأعمال والإعلاميين والأكاديميين والقطاع الطبي والجالية التركية في قطر، لتعزيز أواصر التعاون. وإلى جانب هذه الفعاليات، تبذل السفارة جهودًا مكثفة خلال هذا الشهر الكريم، حيث يعمل طاقمها بلا كلل لضمان حسن التنظيم والاهتمام بكافة التفاصيل التي تعكس روح الضيافة التركية.
كما تشارك السفارة في العديد من المبادرات الاجتماعية والخيرية، وتسعى إلى تعزيز التواصل مع مختلف شرائح المجتمع القطري والجالية التركية من خلال لقاءات وزيارات متواصلة، مما يجعل هذا الشهر فترة مزدحمة بالأنشطة الدبلوماسية والاجتماعية التي تتطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب.

◆ هل هناك فعاليات رمضانية دبلوماسية مشتركة تُقام بين السفارات في الدوحة؟
¶ نعم، هناك العديد من الفعاليات الرمضانية المشتركة، مثل موائد الإفطار الدبلوماسية وكذلك السحور والغبقات، والتي تتيح فرصة لتعزيز التواصل والتعاون بين البعثات الدبلوماسية في الدوحة.

الدوحة نموذج في العمل الخيري

عن رأيه في روح التضامن والتكافل الاجتماعي في قطر خلال الشهر الفضيل قال سعادة السفير التركي لدى الدولة: «قطر تُعد نموذجا يُحتذى به في العمل الخيري والتضامن الاجتماعي خلال شهر رمضان المبارك، حيث تتجلى قيم العطاء والتكاتف في مختلف أرجاء المجتمع. وتنتشر المبادرات الخيرية لتوزيع وجبات الإفطار والسلال الرمضانية على الأسر المحتاجة، مما يعكس روح التعاون والتكافل بين الأفراد والمؤسسات.
ولا يقتصر خير القطريين على الداخل فحسب، بل يمتد ليشمل المحتاجين في مختلف أنحاء العالم، حيث يسهمون بسخاء في كفالة الأيتام وسداد ديون المعسرين خلال الشهر الفضيل، مجسدين بذلك معاني الرحمة والإحسان التي تميز هذا الشهر المبارك.