مطالب بحملات توعية وتشديد الرقابة على أفلام السينما
تحقيقات
16 يناير 2016 , 01:37ص
الدوحة - العرب
حذر تربويون ومواطنون من ضعف الرقابة الأسرية والرقابة العامة في دور السينما على محتويات الأفلام التي تقدم للأطفال، وبيّن مختصون
لـ «العرب» أن الوعي الأسري ومراقبة ما يقدم للأطفال يعد أمرا بالغ الأهمية خصوصا بعد منع فيلم دنماركي خادش للحياء وغير ملائم للعادات والتقاليد المرعية في المجتمع، وأكدوا أن تحقيق الوعي بالمادة التي تقدمها وسائل الإعلام المرئية يتطلب تضافر جهود كافة المدارس والأسر ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في توعية الأسرة والأبناء بالمخاطر الناجمة عن مشاهدة أفلام قد تتنافى مع ثقافة المجتمع المحافظ، مشيرين إلى أن منع عرض مشاهدة فيلم لن يحل المشكلة، فالكثير من هذه الأفلام يمكن مشاهدتها عبر الإنترنت.
الأستاذ عبدالله بلال، الكاتب الصحافي ورئيس لجنة التقييم في الحملة الوطنية التوعوية "دلني" قال: إن من المعروف أن كل ممنوع مرغوب، وبذلك فإن عدم عرض الفيلم ومنع مشاهدته لم يحد من المخاطر الناجمة عن الغزو الثقافي الذي يأتي من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي فالمشكلة أكبر من ذلك، وبالتالي يجب تضافر كافة فئات المجتمع ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية والخاصة في الحد من تلك الظاهرة المنتشرة في عدد من الدول العربية والخليجية.
وأضاف بلال: يمثل الغزو الثقافي حرباً على حضارة الدول، كما أنه يهدم العادات والتقاليد التي نشأت وتبلورت عبر المئات من السنين داخل وجدان كل فرد منا؛ ولذلك فإن دولة قطر تعمل على التمسك بالقيم والعادات والتقاليد والتراث عبر دمج الماضي بالحاضر عن طريق الفعاليات الثقافية التي تقام في العديد من الأماكن مثل سوق واقف ودرب الساعي، وعدد من الفعاليات الأخرى التي تشارك بها المؤسسات الحكومية والخاصة.
أسباب وحلول
وأكد بلال على ضرورة تشكيل مجلس موحد لمنظمات المجتمع المدني مع مشاركة الأسرة والفئات المستهدفة من الأطفال والشباب الذين يمثلون العنصر الحيوي لتقدم وازدهار الدول، يتم بمقتضاه عمل عدد من الندوات والمحاضرات ومناقشة أسباب وعوامل ضعف الرقابة الأسرية على الأبناء والنتائج المتراكمة عن ذلك، فضلاً عن تعريف الطلاب والشباب بالمخاطر الناجمة عن مشاهدة كل ما يخالف الشريعة الإسلامية، ويتنافى مع العادات والتقاليد القطرية بشكل خاص والخليجية بشكل عام ونشرها في وسائل الإعلام لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة الجماهيرية، مشيراً إلى أن العديد من الأسر والشباب يسافرون طوال العام للدراسة أو للسياحة ومن ثَمَّ فإنه يشاهد عادات وتقاليد مختلفة، وهنا يكون دور تلك المنظمات في التوعية والتفريق بين التقدم العلمي والتكنولوجي والحرية التي ينادي بها الغرب والمخاطر الناجمة عنها.
وأشار بلال إلى أن هناك ضعفا من الجهات الرقابة متسائلاً كيف يتم عرض الفيلم ثم يتم منعه من العرض، وما نجم عن ذلك العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول الإجراءات التي يتم بها التحقق من المحتوي لتلك الأفلام وغيرها من البرامج التي نشاهدها ليلاً ونهاراً في وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية الخليجية والعالمية، مشيراً إلى أن الترويج لأي عمل تلفزيوني أو فيلم سينمائي أصبح لا يخلو من المشاهد الخادشة للحياء لتحقيق مشاهدة كبيرة وربحية عالية دون النظر لغرس الفكر للشباب، وتوصيل رسالة هادفة لهم وعدم تغييب العقول من أجل تحقيق الفائدة المادية، فالسينما والإعلام وجهان لعملة واحدة ألا وهي توصيل رسالة للمشاهدين والقراء تقتضي إظهار الجوانب السلبية للحياة في صورة عمل درامي، والتحذير من الانزلاق وراء السلبيات مثل المخدرات وعقوق الوالدين والحوادث والخلافات الزوجية وغيرها من القضايا التي يناقشها الإعلام والأعمال الدرامية لغرس ذلك داخل نفوس ووجدان أطفالنا، ولكن الأمر تغير لتصبح السلبيات إيجابيات كونها تحقق عائدا ماديا قويا، ويأتي هنا دورنا كتربويين لتوعية كافة أطياف المجتمع خاصة الطلاب والشباب.
مخاطر التقليد
وأوضح بلال أن من النماذج على السلوكيات السلبية للطلاب والشباب التي يتقمصها من خلال مشاهدته لتلك الأفلام والمسلسلات الهابطة التدخين وشرب الشيشة والمخدرات، وما يتخيله من تأثير نفسي وجسدي عليه بعد تناول تلك السموم من خلال ما يشاهده ومن ثَمَّ فإنه يقع ضحية تلك المخاطر، فضلاً عن السرعات الزائدة التي يشاهدها في أفلام الأكشن وما تخلفه من حركات استعراضية بالسيارات والدراجات النارية، والنتيجة حصد أرواح العديد من الطلاب والشباب في ظاهرة أصبحت شبه يومية تشكل مأساة للأسرة والعائلة وللأشقاء، فلا تقتصر المشكلة على الفرد الواحد ولكن تتطرق للأسرة والأشقاء وتصبح نقطة سوداء في تاريخهم، ومن ثَمَّ فإننا فقدنا شبابا هم عماد الوطن وخسرنا طاقات ودمرنا أسرة كاملة قد تكون في بادرة الأمر أسرة علمية ناجحة يخرج منها كوادر مبدعة في المستقبل البعيد، إذن فإن المشكلة لها أبعاد خطيرة وتتطلب تضافر الجهود للحد من انتشارها، ولا ننس التركيز على عدم الاعتماد على مربيات المنزل والمخاطر الناجمة عن ذلك، فقد نتحدث عنها في عدة صفحات وربما كتب ودراسات وأبحاث.
الرقابة والتوعية
ومن جهته قال السيد ياسر البلوشي، المشرف الطلابي بمدرسة أحمد بن حنبل الثانوية المستقلة: يعد غياب الرقابة الأسرية عنصراً هاماً في تكوين شخصية الأطفال والطلاب وغرس الوازع الديني والعادات والتقاليد في وجدانهم حتى تنمو وتصبح بعد ذلك سلوكا يحتذى به يعلمه لأبنائنا فيما بعد، والمثال على ذلك ذهاب الأبناء مع آبائهم يوم الجمعة للصلاة فيتعلم الطفل عادات وتقاليد المجتمع الإسلامي، ومع مرور الوقت يتساءل الطفل عن كيفية أداء الفريضة وواجباتها وأحكامها، ومن هنا فإننا لم نفرض عليه أمورا خارج إرادته ولكن نكسبها له بسلوكياتنا نحن كآباء.
وتابع البلوشي: كما يعد غياب سيدة المنزل والأم عن تربية أطفالها واتكال تلك المسؤولية على مربيات المنزل والسائقين خطأً جسيماً لنقل ثقافات وعادات مختلفة قد تتشكل لديه في الكبر، مؤكداً على أن الطفل يكتسب عادات وسلوكيات بشكل كبير في المراحل الأولى له من العمر، ويقلد المقربين له بشكل كبير، كما أنه لا يخفى على أحد أن هناك بعض مربيات المنزل والسائقين غير مسلمين وإن كان البعض منهم يلتزم بتصرفات شخصية خارج العادات والتقاليد القطرية في الملبس والمأكل واللغات، وهذا يشكل لدى أبنائنا تضارباً في تكوين شخصية الطفل منذ لحظة الولادة، أضف إلى ذلك فإن هناك عوامل أخرى تتطلب من الوالدين مراقبة سلوكيات الأبناء في السنوات الدراسية خاصة فترة المراهقة والتي يكون الشاب على استعداد للتغير للتخلص من الدور الرقابي للأسرة والشعور بالاستقلالية والتمرد على العادات والتقاليد والانبهار بالغرب، مؤكداً على ضرورة منع الخلافات الأسرية والتقرب من الأبناء ومراقبتهم وتشجيعهم ودمجهم في الأسرة عن طريق المجالس والأدوار الشبابية.
تأثير المحتوى الإعلامي
وبسؤاله عن تأثير المحتوى الإعلامي على سلوكيات الطلاب والشباب أكد البلوشي على أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأقرب والأسرع للجمهور في الوقت الحالي؛ فبضغطة زر واحدة تستطيع مشاهدة كافة الأخبار والأغاني والمسلسلات والبرامج والأفلام في العديد من دول العالم، والرقابة لا تستطيع منع ذلك ولكن لا بد من التوعية بحيث يصبح الطلاب والشباب قادرين على التفريق بين ما هو إيجابي وما هو سلبي، أما فكرة المنع والحذف طبعاً هي مطلوبة ولكنها ليست وسيلة للحد من الظاهرة، فيمكن للجميع الوصول لما يريده بعدد من البرامج وغير ذلك، ولكننا نريد غرس ذلك في نفوس ووجدان الطلاب والشباب فهم قادة المستقبل وسيأتي يوم يسافرون للدراسة والسياحة والاحتكاك بأطياف المجتمع؛ فعليه أن يكون واعياً وقادراً على التفريق والاستفادة من تقدمات الغرب وعدم تقليدهم في تصرفاتهم وعاداتهم الشخصية فهي بالطبع لا تتماشى مع المجتمع الخليجي الإسلامي المحافظ للثقافة والعادات والتقاليد.
الفن القطري
وتساءل المهندس محمد الهاجري: أين الفن الخليجي والقطري ولماذا لا يتم تعليم الطلاب في المدارس طبيعة الثقافة والفن عن طريق المعلمين ومسؤولي النشاط الثقافي كما هو معمول في النشاط الرياضي، مؤكداً على ضرورة تفعيل النشاط الثقافي والأدبي واكتشاف الفنانين والممثلين الطلاب وتنمية هواياتهم لتحويلها لموهبة فيما بعد.
وتابع الهاجري: نرى في العديد من الفعاليات غياب دور المراكز الشبابية والمراكز الفنية المتخصصة التي تقام على هامش المهرجانات مثل ربيع سوق واقف، مؤكداً ضرورة العمل على تعزيز مشاركات المواهب الشبابية في مثل هذه المهرجانات والفعاليات لصقل مواهبهم من خلال المنافسات بين الفرق المشاركة في الفعاليات، أضف إلى ذلك فإن مثل هذه المهرجانات فرصة للتواصل بين المواهب المختلفة والتعرف على الثقافات والألوان الأخرى من الفنون والمعارف وما يتماشى مع ثقافة المجتمع الخليجي للتفرقة بين ما هو إيجابي وما هو سلبي.
وأكد الهاجري على ضرورة إعداد كوادر طلابية شابة تكون بمثابة المرآة الحقيقية للفن والثقافة القطرية من الفرق الموسيقية والمسرحية والتمثيلية والرسامين والمصورين ودمجهم مع المراكز الفنية المتخصصة للمشاركة في كافة الفعاليات التي تقام في الدولة، من أجل تعزيز التنافسية بينهم وصقل مواهبهم، فضلاً عن تكوين كوادر فنية قطرية تستطيع نشر الفكر الثقافي الهادف والإيجابي والحث على توصيل رسالة فنية للعقول تتماشى مع طبيعة المجتمع القطري المحافظ.
تفعيل الرقابة
وأوضح الهاجري أن الرقابة على الأفلام أمر ضروري، ويجب أن تكون هناك رقابة على الأطفال عند حضور بعض الأفلام التي تتطلب تحديد فئة عمرية فوق 18 عاما، فضلاً عن منع الأسر من اصطحاب أبنائها تحت تلك الفئة العمرية لعدم تعرضه لمشاهد قد يقلدها في المستقبل القريب وتترسخ في وجدانه ويتأثر بها، مؤكداً على ضرورة التوعية من قِبَل الأسرة وزيادة الرقابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت والتحذير والتوعية في المدارس ووسائل الإعلام وعرض دراما قطرية هادفة تستطيع التفرقة بين التجارب الغربية السلبية والتجارب الإسلامية الناجحة، والتفرقة بين الحريات والتقدم العلمي وبين التقليد الأعمى، أضف إلى ذلك فإن التحذيرات المكتوبة عن الأفلام بشأن محتواها لا تساهم بمنع المشاهدين من الحضور خاصة فئة الشباب، الذين يزيد حضورهم لمثل هذه العروض خاصة مع غياب الرقابة من قِبَل موظفي السينمات، مؤكداً على أن إدارات السينمات أصبحت مطالبة بوضع قوانين صارمة تنفذ وفق نوعية الأفلام المعروضة ومن ثَمَّ وضح التحذيرات على البوسترات الموجودة في وسائل الإعلام التي تروج لتلك الأفلام.