عمر القزابري.. «بلبل المنابر»

alarab
الصفحات المتخصصة 15 يونيو 2016 , 12:00ص
عبد الله سعد
الشيخ عمر القزابري هو قارئ وإمام مغربي، من مواليد سنة 1974 بمدينة مراكش المغربية، أتم حفظ القرآن في سن الحادية عشرة، يتوافد آلاف المصلين من كل حدب وصوب للصلاة خلفه في صلاة التراويح بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، تلقَّى القرآن في صغره على يد والدِه الشيخ أحمد القزابري -الذي تركت فيه وفاته أثرا عميقا- وكان من علماء مدينة مراكش البارزين.
بعد حصوله على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في التعليم الأصيل من مدرسة ابن يوسف بمراكش، سافر الشيخ عمر إلى المملكة العربية السعودية لينهل من علوم الدين، وخاصة الفقه. حيث كان له صديق يعرف شيخا سعوديا، لديه بيت بالدار البيضاء، ومعروف عنه ولعه بالقرآن والعلم، وعنده شغف كبير بالكتب، فكان يقتني واحدةً من أضخم المكتبات في السعودية، تقع في جدة، تضم نفائس المؤلفات والمخطوطات النادرة، التقى بالشيخ ذات مرة على طعام الغداء، فطلب إليه أن يتلو عليه شيئا من القرآن، فأعجبته قراءته كثيرا، ومن شدة إعجابه به اقترح عليه السفر معه إلى السعودية.
استضافه الرجل في السعودية في بيته مدة خمس سنوات، واستغل مقامه لتوسيع ثقافته في الدين الإسلامي، بالإضافة إلى ذلك فقد سنحت له الفرصة هناك لتلقي القرآن على يد عدد من كبار المشايخ كالشيخ محمود إسماعيل من علماء الأزهر، والشيخ الفاه الموريتاني، وحضر دروسا بالمعهد الإسلامي بمكة المكرمة سنة 1997. كان برنامجه اليومي يبدأ مع صلاة الفجر، حيث يؤم الناس في مسجد المعمار بمدينة جدة، ثم يتبع ذلك بجلسة قرآنية، ثم يقوم بعدها بإعطاء دروس في المنزل نفسه في علوم التجويد والقراءات والتفسير لمدة ثلاث ساعات كاملة. وبعد ذلك يلتحق بمسجد الجامعة في المدينة نفسها ليصلي بالناس المغرب والعشاء والتراويح في رمضان، تتلوها دروس مماثلة في أحكام التجويد والقراءات. كذلك كان يؤم الناس في مكة المكرمة في ثاني أكبر مسجد بها بعد بيت الله الحرام.
وبعد 5 سنوات كاملة قضاها بالسعودية عاد الشيخ عمر القزابري إلى الوطن، وبعد عودته إلى المغرب عُيِّن خطيبا لمسجد «باب ريان» بحي الألفة بمدينة الدار البيضاء، وهناك بدأت شهرته، حيث كان يتوافد للاستماع لخطبته آلاف المصلين. وبعد التفجيرات التي ضربت الدار البيضاء يوم 16 مايو 2003 طُلب منه التوقف عن إمامة المصلين بمسجد الألفة، حيت كان المسجد يمتلئ عن آخره، وكان المصلون يقدم إليه المصلون من كل حدب وصوب، فتُقطع الشوارع، وتمتلئ جنبات المسجد والأماكن القريبة منه بالمصلين.
بعد ذلك قرر الشيخ عمر العودة إلى تعميق دراساته القرآنية، وضبط القراءات العشر، فاتجه إلى مصر، فدرس في القاهرة دورة دراسية على يد الشيخ أحمد عيسى المعصراوي، شيخ عموم المقارئ بمصر في ذلك الوقت، إلى أن ختم القراءات العشر.
وفي السنة الموالية جاءته دعوة من المملكة العربية السعودية لإمامة الناس في مسجد ابن باز في مكة المكرمة، سافر القزابري، وفي تلك الفترة تزوج. وبعد زواجه بثلاثة أشهر تقريبا اتصل به مندوب من وزارة الأوقاف المغربية يُعلن له اختياره لممارسة الإمامة بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء. وبدأ إمامة المصلين في رمضان سنة 2005. وكان ذلك بتكليف من ملك المغرب محمد السادس، الذي شرَّفه بهذه المهمة الجليلة في هذا المسجد العظيم. كما يقوم بدور الخطيب بعد الفينة والأخرى بمسجد النسيم. ويحظى عمر القزابري بشهرة واسعة ومكانة مرموقة لدى مستمعيه الذين لقبوه بـ»بلبل المنابر».
من أقواله
يقول الشيخ عمر القزابري إنه حفظ القرآن دون الحادية عشرة من عمره، على يد السيد الوالد، الذي ترك الأثرَ الأعظم في حياته، والذي كان قمةً في التواضع، مع علمه وفهمه، وكان -رحمه الله- متأدبا بآداب القرآن ومتعلقا به، الخوفُ من الآخرة يقضُّ مضجعَه، فيقوم ليلَه مناجيا تاليا باكيا، كان يعيش على فطرة دون تكلُّف ولا تصنُّع -رحمه الله- وكان لا يستأنس إلا بأمرين اثنين: كتاب الله، وبيت الله الحرام. فمن خلال معاشرته وصحبته تأثرتُ به كثيرا، وإن كنت أرى أن بيني وبينه -رحمه الله- مراحلَ ومفاوز، فإني أطمع من ربي أن يجمعني به وإياكم في جنات النعيم.
وعن شعوره وهو يؤم آلاف المصلين بمسجد الحسن الثاني يقول الشيخ عمر القزابري: أحمد الله الذي لا إلا هو، فهو المبتدئ بالنعم (وما بكم من نعمة فمن الله)، وأسأل الله تعالى أن يعرفنا نِعَمَه بدوامها لا بزوالها. أما عن شعوري، فمصدره حب الناس، الذين أكن لهم محبة خالصة، فكلما رأيت في وجوههم الفرح والبشر والسعادة والتأثر بكتاب الله، فإنني أحس أن المقصود حصل، فما أنا إلا خادم، إذا أَذِن لي ربي بهذا الشرف أن أكون خادمَ كتابه؛ إذ هي أسمى المراتب وأعلى المناقب، فأنا أحاول مستمدا العونَ من الله أن أبلغ معاني الكتاب إلى المستمعين، حتى يعيشوا تلك المعاني العالية السامية، وحتى يحصل القصد من اجتماع المسلمين للاستماع لكتاب رب العالمين.
وكان الشيخ القزابري متأثرا جدا بالشيخ محمد رفعت، الذي –كما وصفه- يأخذ بمجامع قلبي رحمه الله، لأنه استطاع أن يجسد معاني القرآن الكريم بصوته كما لم يجسده أحد من أقرانه، فلم يكن تفرده بقوة الصوت وطلاوته، إنما تفرده في خشوع غريب وفي تصوير للمعاني فريد.
تسجيلاته
للشيخ عدد كبير من الشرائط المسجلة لقراءاته، كما أن العديد من القنوات الإذاعية والتلفزيونية وقنوات الإنترنت تبث تلاواته.
رحلاته الدعوية
سافر إلى ألمانيا برعاية مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، لافتتاح مسجد بمدينة أوفنباخ قرب فرانكفورت، ثم سافر بعدها إلى فرنسا، حيث قضى حوالي 20 يوما، افتتح خلالها مؤتمرا حول النبي تحت شعار: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». ألقى خلال هذا اللقاء محاضرة بعنوان: «كان خلقه القرآن»، لقيت تجاوبا لافتا من طرف الحضور.
أمنيات الشيخ عمر القزابري
يقول الشيخ عمر القزابري إن أمنيته وحلم عمره أن يؤم المصلين في المسجد الحرام بمكة المكرمة، وأن يقدم خطبةً هناك. وأن أرى المسلمين وقد اجتمعت كلمتهم، وتوحدت صفوفهم وزالت خلافاتهم، وأن أرى أمتي وهي في ثياب العزة والكرامة، وأن تسترد المغتصبات من أراضينا ومقدساتنا، وأن يعم السلام والإسلام والأمن والإيمان، وأن يحفظ الله أوطاننا وبلادنا من كيد الكائدين وحسد الحاسدين.
رسالته للشباب
أدعوهم إلى الحفاظ على كتاب الله، والعكوف عليه تلاوة وفهما وتدبرا، وأن يعكفوا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلما وتأسيا، وأن ينبذوا الخلاف والفرقة، وأن يتجنبوا الحكم على المقاصد والنيات، ويتجنبوا التجرؤ على الفتوى؛ لأن هذا من شأنه نشر الفوضى والتشويش، وأن يعتزوا
بهويتهم وانتمائهم لهذا الدين، وأن يكونوا أدوات مساهمة للسير به إلى الأمام على كل الأصعدة.