المريخي: «الغيرة».. دليل الإيمان
محليات
15 أبريل 2017 , 02:25ص
ولي الدين حسن
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن حسن المريخي -الخطيب والداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية- خطبة الجمعة بمسجد الإمام محمد بن عبدالوهاب، وأكد فضيلته فيها أن الغيرة على الأعراض، وستر العورات ومُداراة السوءات حماية للمجتمع من الانهيار، وحماية من العقوبة الربانية، وأكد أن المجتمع الذي لا يغار على حرماته، ويسمح بكشف عوراته مجتمع فتح الباب على مصراعيه لتدخل عليه الخبائث والفسوق والأمراض وسوء الأخلاق، وأضاف أن الأنبياء اتصفوا بغيرتهم على الأعراض، مشدداً على ضرورة التفرقة بين الغيرة والشكّ.
وقال د.المريخي إن الغيرة على الأعراض نعمة يمتنّ الله بها على عبده المؤمن الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، فهي نعمة يتميز بها المسلم الموحد على غيره من بني البشر فلا توجد إلا عند المسلم، أما غيره فلا غيْرَة عنده، إنها صفة إيمانية يكتسبها المسلم بعد إذن الله تعالى بإيمانه وإسلامه، وكلما زاد إيمان العبد ازدادت غيرته على عرضه وحرص على شرفه.
وتابع خطيب الجمعة قائلاً إن الغيرة شعور إيماني يدفع صاحبه من داخله، ويحرك ضميره، ويأمره بالمسارعة إلى ستر عرضه وحمايته، وستر عوراته وحراستها أبداً ما بقي في هذه الحياة.
الأمراض عقوبة مجتمع لا يغار
تطرق خطيب الجمعة في هذا الإطار إلى أن رسول الله علم أمته الغيرة من خلال توجيه الشاب الذي جاءه يطلب منه الإذن في الزنى، ويقول له: (ائذن لي في الزنى) فأقبل عليه الناس يزجرونه، فقربه رسول الله منه، وأخذ يناقشه ويقول له أتحبه لأمك؟ قال لا، والله جعلني الله فداك، فيقول له ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال أتحبه لابنتك؟ قال لا، قال ولا الناس يحبونه لبناتهم، فما زال معه يستعرض له المحارم، ويقول له أتحبه لأختك، أو لعمتك، أو لخالتك، والشاب يجيبه لا يا رسول الله، حتى أقنعه النبي صلى الله عليه وسلم بخطئه، وأفهَمه أن الغيرة التي يجدها في نفسه على محارمه يجدها الناس في أنفسهم على محارمهم، ثم دعا له: (اللهم اشرح صدره، وطهر قلبه، وحصن فرجه).
وأوضح المريخي أن الغيرة على الأعراض، والحرص على ستر العورات، ومداراة السوءات حماية للمجتمع من الانهيار، وحماية من العقوبة الربانية، فالمجتمع الذي لا يغار على حرماته، ويسمح بكشف عوراته، مجتمع فتح الباب على مصراعيه لتدخل عليه الخبائث، والفسوق، والأمراض، وسوء الأخلاق.
وقال: «ما جاءت الخبائث إلا من وراء التبرج، والسفور، وكشف العورات، والسكوت عليها، ولا نزلت الأمراض المستعصية إلا بعد ما انكشفت العورات، وحدثت الفواحش، ووقع التردي في وادي الشهوات، وإن مثل هذه المجتمعات تنتظر عقوبة ربانية من الله تعالى؛ وذلك لأنه ما رضي قوم بالسفور، والعورات المكشوفة إلا أخذهم الله تعالى أخذ عزيز مقتدر في القديم والحديث والمعاصر.
مراقبة الله تجلب الاستقرار
أكد المريخي خلال خطبة الجمعة أن المجتمعات التي تراقب الله تعالى وتخشاه وتتوب إليه وتستغفره وتنشد الأمان والسلامة، هي مجتمعات مرحومة آمنة مستقرة، يقول تعالى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) وقال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وأضاف: أن بعض المسلمين فرَّط في الغيرة على الأعراض وأرخوا الحبل قليلاً، كما يظهر في دنيا النساء في الأعراس والأفراح والاحتفالات، وحذر من أن هذا الأمر خطر كبير؛ لأن المرء إذا لم يتب من ذنبه، ويرجع عن غيه عاقبه الله في الدنيا قبل الآخرة بالختم على قلبه، ولا يزال المرء يرخي حباله حتى تنفلت من يده فينهار.
وأوضح أن الغيرة منّة ربانية تلازم المؤمن متى كان إيمانه قوياً صادقاً، فإذا ارتخت حبال دينه وعقيدته ارتخت بعدها كل فضيلة وعافية؛ ولهذا لما ذهب الإيمان عن الكافر أو لم يجده أصلاً بسبب كفره، رأيناه بليداً قد تلبد شعوره، ومات قلبه فلا يتحرك ضميره، ولا يغار على محارمه.
وقال: «إن النبي أخبرنا أن الدَّيوث لا يدخل الجنة فقال: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث) رواه النسائي بسند حسن صحيح.
وتابع : لا يخفى على كل ذي عقل ما لهذه الصفة الخبيثة من تدمير على المجتمعات، والأخلاق، والآداب، والسمعة، وتفكك الأسر، وضياع الأبناء، فاتقوا الله وتحلوا بالغيرة التي مَنّ بها الله على عباده المؤمنين، حفظنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها، وما بطن، ومن منكرات الأخلاق والسلوكيات.
صفة الأنبياء والصالحين
لفت الدكتور المريخي إلى أن الغيرة على الأعراض اتصف بها الأنبياء والمرسلون والأئمة والصالحون والمسلمون أجمعون، بل اتصف بها الله تعالى اتصافاً يليق بجلاله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه) رواه مسلم.
وأوضح أن الغيرة خلق كريم، وأدب عظيم، وشيمة ومروءة، ومنّة من الرحمن الرحيم، وبرهان على الإيمان، والاستظلال بظلال القرآن والإسلام، وهي عند الذكور والإناث على حدّ سواء، فكما يوجد الغيورون فإنه توجد الغيورات على أعراضهن من المسلمات المؤمنات، يغرنَ على بناتهن وأبنائهن وأزواجهن وأرحامهن، لكن الغيرة قد يكون فيها إفراط وتفريط، وإنما نعني هنا الغيرة المعتدلة التي تبني ولا تهدم، وتنتج ولا تفضح، وتعالج ولا تسقم.
الشك سلوك مرفوض
وأوضح المريخي أن في دنيا المسلمين من أراد الغيرة، ولكن بغير ما أنزل الله تعالى فأساء وهدم، وهذا الذي بناها على الشكوك والظنون والطعون، وبالقوة والعضلات، فخرّ عليهم السقف من فوقهم، فانهدم البنيان، وتفرقت الأسرة وتَيَتَّم الأبناء، وهذا قد زاد من مشاكل المجتمع، وحمّل المسلمين أثقالاً مع أثقالهم، وأضاف: «يحسب البعض أن الغيرة إنما تكون بالظنون فيبدأ متجسساً متحسساً متشككاً متتبعاً للعثرات متربصاً بالأخطاء، وهذا السلوك مرفوض شرعاً، فما بنى الإسلام الأسرة على الشكوك، ولا أقام أركان المجتمع على التجسس، ولكن على الثقة، والمعاملة الحسنة والاحترام المتبادل، منوهاً بأنه ليس من الغيرة أن تقطع حبال الثقة والاحترام وتحل التهم محل الثقة، وتهضم الحقوق، وتصادر الحرية الإسلامية، وتتعدى الحدود وتتجاوزها، ولكن الغيرة هي التي توقف كلاً عند حده، وتبني الثقة، وتؤكد الوصال والاحترام، والعيش في ظلال الفضيلة.