المريخي: الأمن لا يتحقق بدون العدل
محليات
15 أبريل 2016 , 05:37م
الدوحة - محمد سيد أحم
أكد الداعية الدكتور محمد بن حسن المريخي، أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشيراً إلى أن الأمن لا يتحقق بدون العدل، والعدل لا بد له من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، مبينا مخاطر الذنوب على المجتمعات وكيف أنها كانت سببا في هلاك وعقاب أمم سابقة لما انتشرت فيها المعاصي ولم يؤمر فيها بالمعروف وينهى فيها عن المنكر.
وقال د. المريخي، في خطبة الجمعة بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب اليوم: "إن الأمم والبلدان لو أنفقت نفسها ونفيسها وأموالها وخزائنها وأحكمت قبضتها على كل ثغر وحجر، ما استطاعت أن توفر الأمن والأمان المنشود، والاستقرار المطلوب، والراحة المبتغاة، وذلكم لأن الأمن من عند الله تعالى يهبه لمن يشاء من عباده، وما عنده لا ينال إلا بطاعته، يقول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}، ولذلك فإن دول وأمم لا تعرف الأمان ولا الاستقرار مع ما تملك من قوة العتاد والبشرية، ومستوى الجريمة في تزايد مستمر: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}، ألا وأن المعاصي والذنوب والمجاهرة بها لهي أكبر الأسباب التي بها يغير الله تعالى نعمة الأمن والأمان، فكم ذكر الله تعالى في محكم كتابه إنه غير على الأمم والناس بسبب ذنوبهم كقوله: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}، وقوله: {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} وقوله: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}، وكم كدرت المعاصي والذنوب صفو البلدان واستقرار الأمم {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}، {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ*فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ*ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}، فكم أذهبت الذنوب من نعمة، وكم غيرت من منة، وكم جلبت من نقمة {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
وربط المريخي الأمن والأمان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: "أيا أمة الإسلام ثمة أمر عظيم وعمل صالح جليل به يديم الله تعالى الأمن والأمان على العباد والبلدان، وتطيب به الحياة وتكثر الخيرات والبركات هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمان الله تعالى من العذاب، به تستقر البلدان وتدوم النعم، وبه تدفع النقم وينعم العباد، لذلك أمر الله تعالى به على سبيل الإلزام أمرا صريحا ولتتفرق له طائفة من المؤمنين لهم صفات خاصة وتقوى ومعرفة، يقول الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} لتكن، واللام فيها للأمر للقيام بهذه الشعيرة التي بها نالت الأمة الخيرية فكانت خير أمة على وجه الدنيا كما شهد الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
ووصف سبحانه المجتمع الإسلامي بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبهذا وغيره رحمهم الله تعالى وجعلها أمة مرحومة، فقال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وأعاب على المنافقين وتوعدهم بسبب تركهم لهذا الأمر الجليل الذي فيه السعادة والحياة والنجاة فقال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} إلى قوله تعالى: {هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}، كما بين سبب اللعنة التي لعن بسببها بنو إسرائيل بأنها كانت لتركهم الأمر بالمعروف فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}، فلأهمية الموضوع وخطورته في الوقت نفسه أمر الله تعالى بما فيه رأفة ورحمة بهم، فإن وراءه أسرار السعادة والرضا والنجاة من العذاب، كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية الأمر بالمعروف فحث الأمة حثا شديدا وأمرها به مغلظا عليها لتنجو وتفوز وتسلم من سخط الله وعقابه فيقول: "كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطرا -أي تلزمونه به إلزاما- أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم -يعني بني إسرائيل-" رواه أبو داوود والترمذي.
وتابع: "نعم يا عباد الله بهذا وأكثر منه يهدد رسول الله، ويبين خطورة ترك هذه الشعيرة وأنه لا بد منها لمن رام الأمان والاستقرار والعيش الهنيء، ولمن ابتغى النجاة من الغرق والطوفان الرباني، يقول صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا فتدعون فلا يستجيب لكم" رواه الترمذي وقال حديث حسن، وطرد الله أمة من رحمته لما قصرت أو تركت الأمر بالمعروف، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه ومعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"، ثم قرأ رسول الله قول الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.
وأشار إلى أن الأمر بالمعروف لأهميته أمر الله تعالى به الولاة والحكام وجعله من مهماتهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} وأكبر من هذا جعله الله تعالى من مهمة المرسلين والنبيين فقال: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ..} وهو من شؤون العلماء وطلبة العلم، لذلك لما قصر فيه أحبار اليهود والنصارى ووقع أتباعهم فيما لا يرضاه الله تعالى وجه الذم لعلمائهم لتقصيرهم فقال: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} حتى جعله الله تعالى من مهمات الآباء والأمهات يأمرون أبناءهم وبناتهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر وهذه نجدها متمثلة في نصح لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}.
ونبه إلى أن تعطيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحدث ضررا كبيرا على المجتمع، وذلك بقوله: "إن أكبر الضرر الذي يحل بالمجتمعات أن تتعطل هذه الشعيرة المباركة، ويدك حصنها ويحطم سياجها ويترك الناس سدى، لأنه بإقامة الأمر بالمعروف ترتفع رايات الدين ويعلو صوت الحق المبين وتموت البدعة وتعلو السنة ويندحر أهل الباطل ودعاة الضلالة، ويظهر الحلال ويندحر الحرام ويأمن الناس في مجتمعاتهم، وإذا كان الأمر كذلك فإن أهم أمر في هذا الموضوع أن نعلم أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهجا رسمه رسولنا الكريم ينبغي اتباعه، لأن القضية حساسة تحتاج إلى حنكة وخصوصية وعلم ومعرفة ووقوف على هدي السلف في الأمر بالمعروف في معالجة الأمور، لأن الأمر بالمعروف في أمره بالمعروف إنما يحاول فصل شهوات ونزوات عن نفوس متمسكة بها وقلوب متعلقة بحبالها، ومدافعة عنها، فلا بد من البصيرة في الأمر والروية، وملازمة المنهج النبوي، وإلا لو ترك الباب لكل من هب ودب لضاعت المجتمعات كما نرى ورأينا من الاعتماد على الذات والتصرف الفردي الذي يأتي بنتائج عكسية تضر بالقريب والبعيد"، يقول عليه الصلاة والسلام: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم في صحيحه.
وبين المريخي درجات تغيير المنكر، فقال: "لتغيير المنكر درجات ثلاث، ولا يجوز للأمر أن يتحول من درجة إلى درجة إلا إذا كان يستطيعها، فإذا رأى منكرا ينظر في نفسه هل له طاقة على تغييره بيده مع الأخذ في الاعتبار بالنتائج المترتبة عليه بعد ذلك، مثل هل يزداد المنكر أو هل له ضرر على الأمر بالمعروف على نفسه وولده وأهله وماله، فإن كان الضرر موجودا ويمكن أن يزداد المنكر فعليه ألا يقدم على التغيير بيده فليترك هذه الدرجة؛ لأنه ليس من أهلها، وليتحول إلى الثانية وهي التغيير باللسان مع أخذ المقاييس السابقة، ثم إذا عجز فلا بد من الإنكار بقلبه، ولا يعذر مسلم من الإنكار بقلبه، فمن لم ينكر بقلبه فهو كمن فعل المنكر لرضاه عنه والعياذ بالله، وهذا معنى قوله: "فمن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وبين أنه غالبا ما تكون الدرجة الأولى للولاة والسلاطين الذين يملكون التغيير باليد والقوة، والدرجة الثانية للعلماء والمصلحين الذين يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن، والثالثة لكل نفس مسلمة.
أ.س/س.س