السادة: الكلم الطيب يبني في النفوس الخلق الجميل

alarab
محليات 15 أبريل 2016 , 04:30م
الدوحة - العرب
أكد الشيخ عبدالله إبراهيم السادة، أن الكلم الطيب والقول الحسن يبني في النفوس كل خلق جميل، ولهذا أمر ربنا سبحانه بالكلمات الطيبة، حيث قال تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً"، كما قال الشيخ عبدالرحمن السعدي "رحمه الله" في تفسيره: «وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من: قراءة وذكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما»، مشيراً إلى أن ربنا عز وجل، قال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ".

وأوضح فضيلته، في خطبة الجمعة، التي ألقاها اليوم، بمسجد مريم بنت عبدالله، أن الكلمة الحسنة أنواعها كثيرة وثمارها عديدة، من ملكها وفق للخير في دنياه وأخراه، وبضدها يكون الهلاك، قال النبي لمعاذ: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟» [رواه الترمذي من حديث معاذ بن جبل]، مشيراً إلى أن من جملة الكلام الحسن: "كلمة كثير خيرها، غزير نفعها، واجب بثها ونشرها، إنها كلمة الإشادة والتشجيع، فهي كلمة لا يستغني عنها قائد في أمته، ولا معلم مع تلاميذه، ولا مرب مع أبنائه، لأنها كلمة تبني ولا تهدم، وقائلها يغنم ويتقدم، ولا يغرم ولا يندم، تحتاجها نفوس البشر عند التعثر، وينتفع بها الناجحون عند التبعثر".

وقد كان النبي يدرك وقع كلمة الإشادة على نفوس البشر، حتى استفاضت أبواب المناقب بأحاديث من الإشادات قيلت في رجال أفذاذ من الآل والأصحاب رضي الله عنهم جميعاً: ففي أبي بكر الصديق يشيد النبي على الملأ فيقول: «لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً» ويشيد بالفاروق عمر، فيقول: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجا إلا سلك فجا غير فجك» ويشيد بذي النورين عثمان، فيقول «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة».

وفي أبي السبطين علي رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي». بل ما سمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد، غير سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فإنه جعل يقول له يوم أحد: «ارم فداك أبي وأمي»، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: «لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد» وقال صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام: «لكل نبي حواري وحواري الزبير» وأيضاً مدح صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه بسيف الله المسلول، وقال في أبي عبيدة: «هو أمين هذه الأمة» وقال في غير هؤلاء كثيراً من الكنى والمدائح والأوصاف، حتى إنه كنى الصغار فقال صلى الله عليه وسلم لطفل: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» وفي هذا بث لروح الرجولة، وتحمل المسؤولية في عقل الصغير، ولم تقف إشادات النبي صلى الله عليه وسلم على الأفراد فقط، بل كان يشيد بالجماعة إذا رأى فيهم حسن الأقوال، وكريم الخصال، فقال صلى الله عليه وسلم في الأنصار: "الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". وأشاد بتكافل الأشعريين فيما بينهم وقت الكروب، وتوالي الخطوب، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم».

ولفت إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يحرم المرأة المسلمة من كلمات الإشادة والتشجيع، فقد أشاد بزوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لنبوغ عقلها، ورجاحة فهمها، فقال صلى الله عليه وسلم: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» فكانت هذه المدائح النبوية والكلمات التشجيعية، دلالةً على أهميتها لكل قائد ومسؤول في إعداد أمة حكيمة فاضلة، وأجيال كريمة واعية، ومهما تكن مكانة الفرد في المجتمع، وأياً كان منصبه، فإنه يحتاج لمن يشجعه بنصيحة، أو يزيح همه بكلمة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع من غار حراء ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة رضي الله عنها، يقول: «زملوني زملوني: لقد خشيت على نفسي»، فأخبرها الخبر، فنطقت خديجة رضي الله عنها: بكلمات تشجيع أزاحت روعه وأذهبت خوفه، فقالت: «كلا، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».

فكم أعانت كلمة الإشادة على العطاء! وكم أزاحت من الهموم والبلاء! بل كم أنارت للعقول طريق الهدى! وكم تركت للأمة رجالاً أعلاماً بعلمهم يهتدى! منهم: الإمام الذهبي رحمه الله فقد كان في أول شبابه مهتماً بالشعر والأدب فحسب، وكان حسن الخط، يقول عن نفسه: «إن شيخه علم الدين البرزالي: هو الذي حبب إلى طلب الحديث، فإنه لما رأى خطي، قال: خطك يشبه خط المحدثين! فأثر قوله في، وسمعت منه» رحمهما الله تبارك وتعالى. فكم غيرت كلمة الشيخ البرزالي في تلميذه من حال إلى حال؟! وألهبت حماس تلميذه للارتحال لطلب الحديث وعلم الرجال، فنال بعلمه أحسن منوال، حتى خلف الإمام الذهبي للمكتبة الإسلامية إرثاً عظيماً من مؤلفات كثيرة، لا يستغني عنها علماء الحديث روايةً ودرايةً إلى يومنا هذا.

وتابع: "أيها الآباء والمعلمون، اغرسوا كلمات الإشادة في أبنائكم وطلابكم، وبين أزواجكم وجلسائكم، لتجنوا يوم حصادكم ثمراً نافعاً، ونجاحاً مبهراً، وانتقوا من الكلمات أطيبها، ومن العبارات أصلحها، قال تعالى: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً" نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه".

وبين أن أسباب جرح القلوب وزيادة الهموم هي الكلمة الخبيثة، التي تهدم ولا تصلح، وتصدم ولا تفلح، فهي متى ما انتشرت في بيت أو مجتمع فإن الفشل حليفه، والخيبة مصيره، ولأجل هذا حاربها النبي في مجتمعه، فكان يقيل عثرات المخطئين، ويأخذ بيد المذنبين: ولا يعير أحداً بذنب، ولا يكشف ستر الله على عبد، ونهى عن تنقص أصحاب الذنوب والكبائر أو سبهم ولعنهم، فلقد قال صلى الله عليه وسلم يوم قصاص المرأة التي تابت عن الزنا: «مهلاً يا خالد! لا تسبها فو الذي نفسي بيده، لقد تابت توبةً، لو تابها صاحب مكس لغفر له» ولما جيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل تكرر منه شرب الخمر، فسمع قائلاً يقول: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به! فقال: «لا تلعنوه» وفي رواية: «لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم». ونهى عن الدعاء على الولد عند زلته، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، لا تدعوا على أولادكم، لا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً فيها إجابة، فيستجيب لكم» ومواقف الرسول صلى الله عليه وسلم ملأى بمثل هذه التحذيرات من التلفظ بكلمات التحطيم مع ذوي الكبائر! فكيف بمن هم دون ذلك؟!.

وأوضح أن التقصير والخطأ لا ينفك عن طبع البشر، والقائل هذا هو النبي: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون» فلا ينتج عن كلامك تجريح في نفس المخطئ وتحطيم لقلبه، ونسيان حسناته، وتضخيم زلاته، ونشر معايبه! تأملوا علاج النبي صلى الله عليه وسلم في شأن بلال وأبي ذر رضي الله عنهما عندما غضبا وتسابا في ثورة الغضب، فكان القصاص لبلال هو التوبيخ من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم: «إنك امرؤ فيك جاهلية..» فكان صلى الله عليه وسلم نعم المؤدب ونعم القاضي، فلم ينس حسنات أبي ذر رضي الله عنه، ولم يضع حق بلال، فأحسنوا الكلام واحذروا خبيثه، فكلماتنا دائرة بين الحسن والقبيح، وقد ينتج منها الأثر الخطأ أو المليح، فابنوا من جميل تربيتكم أجيالاً، ولا تنتجوا من أخطائهم حطاماً، واستعينوا بالله فهو نعم المعين، وكفى بالله هادياً ونصيراً.

أ.س/س.س