سودانيون يفتقدون عادات رمضان بسبب اشتداد الحرب

alarab
حول العالم 15 مارس 2024 , 01:28ص
الخرطوم - وكالات

لأول مرة منذ 50 عاما، لم تتمكن فاطمة الحسين من تجهيز مستلزمات رمضان التي اعتادت فعلها كل عام، فغابت قسرا عن تحضير «الحلو مر» المشروب الشعبي الأول للسودانيين في رمضان، ولم تشتر اللحم والبصل لتجفيفه، ولا حتى أواني جديدة.
تجسّد فاطمة أحوال ملايين السودانيين الذين عايشوا الحرب على مدى سنة تقريبا، فأذاقتهم أهوال النزوح والفقد والعوز ليطرق الجوع وشظف العيش أبوابا كانت ميسورة الحال، تجعل من رمضان شهرا للصدقات وإعانة المحتاج، لكنها باتت اليوم تنتظر العون والفرج، حسبما جاء في تقرير لـ»الجزيرة نت».
وبعد أن فاقمت الحرب معاناة ملايين الذين وضعهم القدر في مواجهة الرصاص والقذائف وحملات النهب والسلب والتنكيل، عقّد انقطاع المياه والكهرباء ونقص الطعام الوضع، وحفّز على المغادرة بحثا عن ملاذ آمن تتوفر فيه أيسر مقومات الحياة.
غير أن الحال في مراكز النزوح ودور إيواء عديدة بالولايات الآمنة نسبيا، لم يكن كما المأمول، وفق روايات عديدة من نازحين وصلوا إلى مدن عدة في شمال السودان حيث تفتقر تلك المراكز -وغالبها مدارس ومواقع غير مؤهلة- للقدرة على استقبال أعداد كبيرة من الوافدين.
تروي فاطمة (75 سنة) كيف أنها خرجت من منزلها في مايو الماضي بعد تواصل القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتصف المعاناة العظيمة التي تواجهها داخل أحد مراكز الإيواء في مدينة الدامر بولاية نهر النيل شمال السودان.
وتؤكد أن رمضان هذه السنة يختلف تماما مع الحرب التي «قضت على حياة السودانيين»، وجعلتهم يهيمون على وجوههم.
ولأول مرة منذ 200 عام كما يقول إبراهيم عادل قرشي، لن يكون هناك إفطار للعابرين والمسافرين، كما اعتاد أهالي منطقته «المسيد» بولاية الجزيرة وسط السودان.
وتمثل هذه العادة، التي يُعرف بها سكان البلدات الواقعة على طريق مدني-الخرطوم، واحدة من أكبر موائد الإفطار في البلاد، فيعِدّ الأهالي الأطعمة والمشروبات، ويرصفونها على طول الطريق، ثم يجبرون المسافرين على الإفطار قبل مواصلة الرحلة.
ومع اجتياح الدعم السريع لولاية الجزيرة يوم 18 ديسمبر الماضي، واضطرار آلاف السكان لهجر قراهم جراء التنكيل والنهب والترهيب، لن يكون هناك من يُعدّ هذه المائدة ولا حتى من يعبر إحدى تلك الطرقات خوفا من مصير مجهول، ولن يحيي أحد تلك العادة الشهيرة، يقول قرشي.
ولا يختلف الحال في الخرطوم التي اشتهرت أحياؤها العريقة بموائد رمضان العامرة، مثلما يؤكد هاني الهادي من سكان حي الختمية بالخرطوم بحري، فهي المرة الأولى -منذ عرف الناس شهر رمضان- التي ستكون فيها غالب أحياء العاصمة خالية من الموائد الرمضانية، بعد أن تحولت المدينة الصاخبة إلى خراب.
ويضيف الهادي أن الحرب جعلت من الخرطوم أشبه بمدينة أشباح حيث توقفت الحياة بشكل كامل، ولم تشهد مئات المساجد توافد المصلين للتراويح في سابقة لم تحدث منذ نشأة العاصمة.
وتؤكد مشاعر أحمد، التي تقطن في أم درمان، عدم وجود استعدادات لرمضان مع تعالي أصوات المعارك حول منطقتها، التي يسيطر الجيش السوداني على الجزء الأكبر منها. وتقول مشاعر إن المعاناة تمددت مع اعتماد الأُسر في أم درمان على التطبيقات البنكية في استقبال التحويلات المالية من خارج البلاد، لكن الخدمة توقفت مع قطع الإنترنت والاتصالات بنحو ضاعف الأزمة، وجعل من المستحيل تلبية الاحتياجات الضرورية للشهر الفضيل.
وتضيف مشاعر أن معظم الأحياء لجأت إلى نظام «التكية»- وهو مطبخ مدعوم يشمل كل سكان حي أو أحياء متعددة- للفطور والغداء قبل رمضان، ويستعد القائمون عليه لوجبات الإفطار والسحور.