تفجير طائرة روسيا محاولة لقطع رأسها بسوريا
حول العالم
14 نوفمبر 2015 , 12:49ص
واصلت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي اهتماماتها بالحديث عن الطائرة الروسية المنكوبة مؤخرا في سيناء المصرية عبر افتتاحياتها ومقالات لكبار الكتاب.
فمن جهتها قالت بعض الصحف إن الحديث عن تفجير الطائرة الروسية هو ببساطة محاولة لقطع رأس الإطلالة التي سجلتها روسيا مؤخرا بتدخلها العسكري في سوريا لمساندة نظام الأسد.
وفي ذات السياق رأت بعض الصحف أن الضربة أرغمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على اتخاذ قرارات مزعجة لصديقه السيسي منها الهروب الروسي الكبير من شرم الشيخ، وتابعت أن السيسي شعر بالمرارة بعدما ذهب بعيدا في تفهم السياسة الروسية في سوريا وملاقاتها.
هذا وقد قالت بعض الصحف إن التصريحات المصرية والروسية لا تفعل غير الإشارة إلى وجود أمر جلل في الوقت الذي تنفيه وتكرره.
ومن جانبها قالت بعض الصحف إن الأمر يمثل تحديا للحكومة المصري، وإن جريمة تفجير الطائرة الروسية تمثل تحديا أوسع وأكبر بالنسبة إلى فلاديمير بوتن.
ففي هذا الشأن قالت صحيفة الحياة اللندنية في إحدى افتتاحياتها إنه إذا ثبت أن «تنظيم الدولة» هو من فجر الطائرة الروسية فلا غرابة في الأمر. من يرتكب مذبحة الإيزيديين يرتكب مذبحة من هذا النوع، ومن يقطع رؤوس المسلمين من أبناء العشائر التي رفضت مبايعته يقطع رؤوس سياح وافدين من بلاد لينين وبوتن، ومن يعدم على الأرض يعدم في الفضاء، إذا ثبت أن «داعش» هو المرتكب تكون سياسة الرأس المقطوع دخلت مرحلة أبعد وأخطر.
وأضافت الصحيفة أنه لا خيار أمام السيسي غير متابعة الحرب على الإرهاب، وهي في الحقيقة مكلفة وصعبة خصوصا أن مصانع الإرهاب في ليبيا المستباحة تعمل بكامل طاقتها، لكن الحرص على مصر يفرض القول إن العملية السياسية التي تواكب الحملة الأمنية تستحق وقفة تأمل ومراجعة، يستحق إنقاذ مصر بذل محاولات جديدة لاستقطاب من لم تتلوث أيديهم بالدماء من أنصار الحكم السابق، يستحق إنقاذ مصر بذل جهود أكبر لفتح النوافذ واختراق الكتلة الأخرى والتحاور مع من يبدي استعدادا للمراجعة أيضا.
وأضافت لقد جاء بوتن لمقاتلة الإرهابيين في سوريا كي لا يضطر إلى محاربتهم داخل الاتحاد الروسي أو على أطرافه. ها هم يوسعون الحرب، من يضمن غداً سلامة السائح الروسي هنا أو هناك؟ ومن يضمن سلامة السفارات الروسية في الدول الرخوة؟ ها هو أبوبكر البغدادي يعامل روسيا والروس كما عامل أسامة بن لادن أميركا والأميركيين، بتدخلها في سوريا انتزعت روسيا من أميركا لقب «الشيطان الأكبر».
وأضافت الصحيفة لا يستطيع بوتن الخضوع لعمليات قطع رأس هيبة «الجيش الأحمر»، سيواصل ما بدأه وقد يزداد غرقا، تكاليف حربه أكبر بكثير مما توقع سيد الجواسيس، لا يستطيع اقتصاده مجاراة الاقتصاد الأميركي في احتمال النزيف، لهذا يبدو مدعوا إلى مراجعة باكرة، عليه إخراج بلاده سريعا من الحريق السوري وبإطفائه، يحتاج إلى الرجل الخبيث المتردد الذي رفض إدخال أصابعه في الجمر السوري.
وتابعت لن نعلق كل شيء على شماعة «تنظيم الدولة» رغم خطورته وأهواله، هذه أصلا منطقة الرأس المقطوع، قطع المستبدون رؤوس شعوبهم والدساتير، حولوها قطعانا مثخنة، قطعت الاستخبارات رؤوس الحكومات والبرلمانات والأحزاب والنقابات، قطعت الرقابة رؤوس الإعلام والإعلاميين، قطع الفساد رؤوس المواطنين، التهم الاقتصاد وافترس الأرض ومن عليها، قطع التعليم المتخلف رأس مخيلة الطلاب وألسنتهم ووزعهم محبطين وخانعين ومتسولين ولاجئين وانتحاريين.
وأضافت منطقة الرأس المقطوع، قطعت الفتنة رأس الوحدة الوطنية، قطع الاحتراب الأهلي رأس الدولة، قطعت المليشيات رأس الجيوش، قطع الإرهابيون والمتدخلون رأس الحدود الدولية، قطع المغامرون رؤوس الخرائط، قطعت «الأوطان الصغيرة» رأس الوطن الذي حقنوا أوردتنا بأناشيده.
واختتمت الحياة افتتاحيتها بقولها إننا لسنا في الطريق إلى الهاوية إننا نقيم فيها، هذا ليس حطام الطائرة الروسية، إنه حطام الشرق الأوسط، ليتنا نلمح فكرة تنقذ، ليتنا نسمع صوتا يدل على الطريق، فشلنا في إقامة دولة طبيعية، كشفت العاصفة عمق تخلفنا وعجزنا ووطأة قيودنا، لم يأت مسلحو «تنظيم الدولة» من القمر، جاؤوا من توحش منطقتنا ومجتمعاتنا.
ومن جهتها قالت صحيفة القدس العربي في إحدى افتتاحياتها إنه لم يكن سقوط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء يحتاج إلى مساهمة أكبر أجهزة الاستخبارات في العالم لمعرفة أن «شيئاً ما غير طبيعي» قد حصل وأدى إلى تلك الكارثة.
وأضافت لم تفعل التأكيدات المتكررة التي تنفي أي دور لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الكارثة أو ترفض ربط الحادثة بالتدخل العسكري الروسي في سوريا، أو التي تؤجل الأمر إلى ما بعد فحص الصندوقين الأسودين، ثم إلى شهور أو سنوات لإجراء التحقيقات اللازمة، غير تأكيد أمر شديد الوضوح وهو أن هناك «فيلاً في الغرفة» (على حد التعبير العالمي عن حدث لا يمكن إخفاؤه) وأن التصريحات المصرية والروسية لا تفعل غير الإشارة إلى وجود أمر جلل في الوقت الذي تنفيه وتكرره.
وأضافت أنه حتى بعد التصريحات الرسمية البريطانية والأميركية بوجود احتمال كبير بأن يكون تنظيم «الدولة الإسلامية» هو من أسقط الطائرة الروسية بعبوة ناسفة، وإيقاف لندن رحلاتها الجوية من شرم الشيخ ما زلنا نسمع موسكو تقول إن المعلومات عن تحطم الطائرة «ليست إلا تكهنات»، فيما يؤكد وزير الطيران المدني المصري أن فرضية تفجير الطائرة الروسية لا تستند إلى «شواهد أو بيانات»، وكأننا نتحدث عن رحلة فضائية إلى العالم الخارجي وليس إلى منطقة تعج بالمعارك والتداخلات السياسية والعسكرية القاتلة، التي تجعل من كل ما يحصل فيها قابلاً للتأويل السياسي والتفسير والربط بأحداث العالم.
وأضافت أنه من الطريف أن يجيء ذلك من روسيا ومصر بالذات، فكلا البلدين ملآ وسائل الإعلام العربية والدولية صياحاً حول مخاطر الإرهاب العالمي، وأسهما في تصوير «الدولة الإسلامية» وشقيقاتها باعتبارها خطراً لا يوازيه خطر آخر في العالم، وأن يد التنظيم الطائلة تصل إلى كل مكان، بما فيها حدود روسيا وداخلها، وكان اتهام هذا التنظيم بأي عمل معارض لسلطات مصر، على سبيل المثال، حتى لو كان مظاهرات أو تحركات تقوم بها جماعات أخرى، هو «العملة الصعبة» المفضلة التداول، ولكن فجأة، ومع سقوط الطائرة، حلت الحكمة والهدوء والالتزام بإجراءات التحقيق الطويلة على سلطات البلدين، بدل عادتهما في المسارعة إلى الاتهام والانتقام.
وتابعت القدس أن قضية سقوط الطائرة الروسية تحفل بالكثير من المفارقات والمقارنات المزعجة، ليس لمصر وروسيا وحدهما، بل للعالم كله، فهي تذكر بفاجعة الطائرة الماليزية MH17 التي أسقطها صاروخ فوق أوكرانيا والتي أكدت لجنة التحقيق الدولية مسؤولية مسلحين مدعومين من روسيا (وبالتالي الكرملين نفسه) عنها.
وأضفت أن التبرير الذي قد نجده لسلوك حكومة القاهرة هو كونها مشغولة بالمحافظة على السياحة العالمية في مصر (كما أنها لا تريد تحمل مسؤولية قانونية أمام شركة الطيران الروسية لو تأكد سيناريو العمل الإرهابي في أراضيها)، وهو أمر يتناقض جذرياً مع تسويقها للعالم لقدرتها على لعب دور كبير في محاربة الإرهاب، لا في مصر وحدها، بل في ليبيا والمنطقة العربية ككل.
واختتمت القدس افتتاحيتها بقولها إن هدم البيوت وإغراق حدود رفح بمياه البحر وحصار الفلسطينيين في غزة والمحاولة المستحيلة لاستئصال جماعة الإخوان المسلمين، كلها عوامل توتر واحتقان وغضب وتدمير للنسيج الاجتماعي والسياسي، تضرب الاستقرار المصري، وهو وحده الذي يضمن مستقبل البلاد، وليس السياحة فحسب.
وتحت عنوان «ما بعد فاجعة الطائرة الروسية» يقول الكاتب راجح الخوري في إحدى مقالاته بصحيفة النهار اللبنانية إنه في الكتب القديمة تعرف سيناء بأنها «أرض الفيروز»، لم يكن أحد يتوقع أن تصبح أرض الدم، وتابع أنا لا أتحدث هنا عن فاجعة إسقاط الطائرة الروسية بقنبلة جنوب سيناء كما ترجح كل التحقيقات فحسب، بل أيضا عن العمليات العسكرية التي اضطر الجيش المصري إلى تنفيذها تكراراً ضد الإرهابيين في شمال سيناء.
وأضاف الكاتب ما هو أسوأ من الأمرين أن جريمة إسقاط طائرة مدنية روسية أو غير روسية قد لا تكون الأخيرة، كما أن اضطرار الجيش المصري إلى القيام بعمليات ضد الإرهابيين لن تنتهي غداً بالتأكيد، ما يزيد من ثقل المأساة أن الفجيعة بالضحايا البريئة تتداخل مع الفجيعة المتزايدة بالوضع الاقتصادي المصري، الذي يعاني بغض النظر عن الآثار المدمرة للحادث على حركة السياحة التي تمثل %16 من الدخل القومي، خصوصا عشية أعياد رأس السنة.
وأضاف الكاتب يكفي أن نتوقف أمام الأرقام، فعندما تكون موسكو منهمكة بإجلاء 78 ألف روسي من شرم الشيخ وتكون بريطانيا منهمكة بترحيل 20 ألفاً، يأتي إعلان فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وقف الرحلات إلى مصر، وإذا تذكرنا أن عدد الروس الذين زاروا مصر العام الماضي وصل إلى ثلاثة ملايين، لن يكون من المبالغة القول إن فاجعة إسقاط الطائرة الروسية عمقت جروحاً غائرة أصلاً في الاقتصاد المصري، الذي ليس سراً أنه تنفس الصعداء في العامين الماضيين عبر المساعدات السعودية والخليجية تحديداً.
وأضاف أن مساحة سيناء 60 ألف كيلومتر مربع وهي تشكل مفصلاً حيوياً في الشمال الإفريقي، وإذا كانت تحديات الجيش المصري في شمال سيناء كبيرة، فإنها في الجنوب تكاد تكون مستحيلة، للطبيعة التي يخال البعض أنها صحراوية، ناسياً مثلاً أن جبل موسى يرتفع 2285 متراً وأن جبل القديسة كاترين يرتفع 2638 متراً بما يجعل تعقب الإرهابيين في تلك المناطق مهمة مستحيلة تقريباً. وإذا تذكرنا فلتان الوضع الليبي وما يمكن أن يرفد به التنظيمات المتطرفة هناك بالأسلحة المبعثرة من ترسانة القذافي، يصبح من الصعب فرض هيمنة فعلية هناك!
وتابع الكاتب إذا كان مثل هذا الأمر يمثل تحدياً للحكومة المصرية، فإن جريمة تفجير الطائرة الروسية تمثل تحدياً أوسع وأكبر بالنسبة إلى فلاديمير بوتن، صحيح أن الأنباء تجمع حتى الآن على أنه لا يستهدف «داعش» في عملياته الجوية في سوريا، لكنه لا ينسى أنه من حلب إلى القوقاز تترامى جغرافية مترامية تتعبأ الآن بالكراهية المتصاعدة ضد روسيا التي كانت لها تجربة سابقة مؤلمة في أفغانستان.
واختتم الخوري مقالته بقوله إن هناك فارقا كبيرا بين «غزوة القاعدة» لنيويورك، وإسقاط الطائرة الروسية طبعاً، ورغم أن الائتلاف الدولي يسابق بوتن في محاربة «داعش» والإرهابيين، غير أن حسابات موسكو بعد فاجعة الطائرة يفترض أن تكون قد وضعت على الطاولة.