طباخون أصبحوا «نواخذة».. والمراكب الخشبية تحولت إلى «ديسكو عائم»
تحقيقات
14 سبتمبر 2011 , 12:00ص
الدوحة - محمد سيد أحمد
تكتظ شواطئ الدوحة بالعشرات من المراكب الخشبية العائمة التي تنقل الراغبين من الجمهور في رحلات بحرية قصيرة، وإذا ما أخذنا في الاعتبار ثمن تذكرة الرحلة للشخص الواحد فإن هذه المراكب تسهم في تنشيط السياحة عبر رحلاتها التي تدر دخلا كبيرا على أصحابها، ومع أهميتها التاريخية والسياحية للبعض، وكونها مصدرا للزرق لدى البعض الآخر: بدأت في الآونة الأخيرة ملاحظات من طرف الجمهور وشكاوى حول طبيعة الرحلات التي تقوم بها في عرض البحر ليلا والتي أصبحت مثار شك لدى الكثيرين، وانتقد هؤلاء بروز ظاهرة اختلاط الأشخاص على متن هذه المراكب وعدم التثبت من علاقة بعضهم ببعض، مطالبين بعدم استغلال هذه الوسائل التراثية في أعمال تتنافى مع الشرع ومع العادات والتقاليد القطرية، الأمر الذي جعل البعض يطالب بوضع رقابة صارمة على رحلاتها.
لا للاستغلال السيئ
«بصفتها تراثا جميلا وماضيا عريقا ارتبط في أذهاننا بكل ما هو جميل لا يجوز أن تستغل المراكب البحرية الخشبية استغلالا سيئا».. هذا ما بدأ به جاسم السويدي، وأضاف: تحتل المراكب الخشبية القديمة مكانة خاصة في ذاكرتنا الجماعية لما سمعنا ودرسنا عن تاريخنا معها، وأهميتها بالنسبة لجيل الآباء الذين كانت هذه المراكب بالنسبة لهم أهم مصدر للرزق، وبالتالي فإن المحافظة عليها كرمز من رموز أصالتنا لا يعني أن نسمح باستخدامها لأغراض تتنافى مع الأغراض التي أنشئت من أجلها، فقد كانت هذه المراكب وسيلة لنقل البضائع وكل ما يحتاجه أهل هذه البلاد من مؤن، وكانت كذلك الوسيلة الأولى والأخيرة للغوص من أجل استخراج اللؤلؤ الذي كان بمثابة البترول للأجيال السابقة، ولم تكن يوما وسيلة لفعل أمر محرم أو مخالف للعادات والتقاليد.
ونبه جاسم السويدي إلى أن السبب في استخدامها استخداما سيئا يعود إلى عدم اكتراث ملاكها بها مما يعني أنها أصبحت بالنسبة لهم مجالا يساعد على تشغيل بعض العمال الذين لم يعد لهم عمل يقومون به داخل المنازل، وهنا يجب على الجهات المسؤولة عن تنظيم عمل هذه المراكب أن تحسم أمرها، إما أن تتبع بشكل كامل للهيئة العامة للسياحة مع ما يعنيه ذلك من الاهتمام بها وإعادة صيانتها وتطويرها حتى تكون رافدا اقتصاديا من روافد السياحة في البلد الأمر الذي يستوجب إعداد وتأهيل شباب من أبناء الوطن يتولون قيادتها، ويكون لديهم إلمام كبير بتاريخ البلاد وعلاقتها بهذه المراكب الخشبية وما كانت تشكله من أهمية بالغة بالنسبة لجيل الآباء ودورها في اقتصاد البلاد سابقا، وإما أن تبقى على ما هي عليه الآن وتركها مراكب خاصة لا تخضع لأي جهة رسمية فعلينا أن نضع عليها رقابة مثلها مثل أي بضاعة أو حرفة أخرى خاضعة للنظام والقانون المتبع في البلد، وليس من المعقول أن يقوم ربان هذا المركب أو ذاك بنقل شباب وشابات لا علاقة شرعية بينهم وإطلاق الموسيقى عالية كما لو كانت ديسكو عائما، لذلك نشدد على خضوعها للمراقبة حتى لا تخرج عن الهدف الذي صنعت من أجله.
استغلال الماضي سياحياً
وفيما يتعلق بأهمية تأهيل «النواخذة» على متن هذه المراكب يدعو مصطفى محمد إلى إنشاء شركات سياحية قادرة على تنظيم عمل المراكب البحرية القديمة حتى تستطيع المساهمة الفعالة في تنشيط السياحة داخل البلاد، لكنه أوضح أن ذلك لن يتم إلا من خلال تأهيل الكادر السياحي في قطر الذي يبدو أنه لم ينتبه حتى الآن إلى ضرورة استغلال ماضيه العريق سياحيا كما هو حال بقية الدول المهتمة بالسياحة، وأشار إلى أن مثل هذه المراكب لو كانت في دولة أخرى لكانت تدر المليارات سنويا على اقتصادها.
تطوير
وذهب مصطفى إلى أن تطوير هذه المراكب وإعادة بنائها بشكل أجمل وأكثر اتساعا وإيجاد ربابنة يجيدون التعامل مع السائح الأجنبي أو المحلي هو الحل الأمثل، إذ لو أن هذه المراكب جهزت بكل ما تحتاجه في هذا المجال وأخذت وفدا سياحيا في رحلة التفافية على المدن القطرية والتعريف بماضيها لشعر هذا الوفد بسعادة غامرة عندما ينظر إلى جمال جغرافية المدن القطرية وموقعها على الخليج العربي، ولأصبحت دولة قطر منافسا قويا للدول الإقليمية فيما يتعلق بسياحة البحر، لكن للأسف وكما يبدو من حالة هذه المراكب فإن ملاكها لا يعرفون متطلبات السياحة ولا يهتمون بها كثيرا بدليل تركهم العمل على متن هذه السفن لعامل أجنبي رث الهيئة لا يعرف من فن التعامل مع السائحين أي شيء، وهذا ما جعل التواقين من الجمهور إلى الرحلات البحرية يعزفون عن استخدام هذه المراكب خوفا من حالتها البادية للعيان والتي تنبئ أنها مراكب غير آمنة ولا تستطيع الابتعاد عن الشاطئ أكثر من عشرات الأمتار، من هنا يجب على ملاك المراكب الخشبية تطويرها والاستفادة منها سياحيا أو التخلي عنها لصالح إحدى الجهات السياحية القادرة على تحمل المسؤولية تجاه المحافظة على جانب مهم من تراث قطر والقطريين واستفادة الاقتصاد الوطني منه وعدم تركه تحت رحمة العمالة الأجنبية التي تتحول بين عشية وضحاها من طباخين في البيوت إلى «نواخذة» للسفن السياحية، مع العلم أن أغلب زبائنه من المراهقين والشباب الذين لا يعرفون طريقة مهذبة للتعامل مع الآخرين فضلا عن تعاملهم مع ربان المركب الذي يتعرض من بعضهم لمعاملة خشنة من طرف هؤلاء الذين يجبرونه وبقية الركاب على استماع موسيقى أجنبية صاخبة متسببين في إزعاج مرتادي المكان من العائلات التي تتخذ من كورنيش الدوحة متنفسا لها فإذا بها تجد نفسها في مكان أشبه ما يكون بالديسكو لشدة إزعاج الموسيقى المنطلقة من المراكب التي لا تبعد عن الشاطئ سوى أمتار قليلة.
وطالب مصطفى محمد بوجوب التصدي لهذه الظاهرة السيئة، منوها إلى المخاطر التي قد تتهدد هؤلاء المراهقين من جراء هذه التصرفات المستهترة في مركب يمخر عباب البحر وقد يبتعد أحيانا عن الشاطئ مسافة ليست بالقليلة، خصوصا أن أغلب هذه المراكب -يضيف مصطفى- لا تتوافر فيها وسائل السلامة التي يمكن أن يعتمد عليها في حالة حدوث طارئ لا سمح الله.
موروث أصيل
أما مرزوق محمد فيرى أن المراكب والزوارق الشراعية موروث أصيل ورمز مهم من رموز حضارة القطريين، بدليل اهتمام الكثير من الجهات الحكومية -إن لم يكن معظمها- باتخاذ المراكب البحرية شعارات رسمية للدولة للدلالة على أهميتها وارتباطها بأهل قطر منذ قديم الزمان، لذا نرى أن أغلب زوار البلاد وضيوفها من السائحين لا يفوتون فرصة ركوب هذه الزوارق والمراكب الشراعية ليعايشوا التقاليد والحياة التي كانت سائدة في قطر، إلا أن المراكب الموجودة حالياً على الكورنيش في حقيقة الأمر لا تستطيع التعبير عن ماضينا مع السفن لسوء حالها الذي آلت إليه، بل على العكس من ذلك تسهم في تشويه الصورة والمنظر العام لشواطئنا مما يستدعي صيانتها وتطويرها في أقرب وقت، وتخصيص ما يشبه الميناء لها كنقطة وحيدة تتجمع فيها المراكب وتنطلق منها حتى لا نتركها مبعثرة على طول امتداد كورنيش الدوحة، أو التخلص منها بسرعة.
وأضاف مرزوق أن غالبية المراكب التي يستأجرها بعض رواد كورنيش الدوحة تعتبر قديمة وشكلها الخارجي لا يمت للسياحة بصلة، بالإضافة إلى مظهر القائمين عليها من العمال الآسيويين، وبالتالي لا يستطيع الزائر، أو السائح لدولة قطر الاستفادة من أية معلومات تاريخية عن طريق هؤلاء الآسيويين لعدم معرفتهم باللغات الأجنبية ولأصول السياحة وما تتطلبه من مظهر ومعاملة خاصة تترك أثرا طيبا في نفس الزائر، وهذا ما يدعو لإعادة تسليط الضوء من جديد على حالة المراكب البحرية العتيقة.
وأوصى مرزوق المعنيين بأمر المراكب الخشبية -من ملاك خصوصيين وسلطات معنية بتنظيم عمل المراكب كالبلدية أو الهيئة العامة للسياحة- أن يضعوا هذه الجزئية في اعتبارهم وأن يسعوا للحد من هذه الظاهرة من خلال صناعة مراكب جميلة ومجهزة تليق بالمنظر العام لمدينة الدوحة التي تشهد تطوراً في كل مناحي الحياة العامة، والاستعانة بقطريين ملمين بتاريخ هذه البلاد للعمل كمرشدين سياحيين أو «نواخذة» على متن هذه المراكب، معتبراً أن هذا لن يتم إلا بعد أن تتبع مسؤولية تشغيل هذه المراكب للهيئة العامة للسياحة.
لا لتغيير شكلها
بدوره يرى سعد الحسني أن المراكب البحرية الموجودة في الكورنيش تعتبر إضافة مهمة تعمل على توفير قدر من الترفيه يستقطب الكثير من رواد الكورنيش، حيث يمكنني التأكيد على أن نشاط هذه المراكب لا يعرف الهدوء فتبدأ رحلاتها عندما يحل الظلام وتختفي الشمس، وهذا دليل على حيوية عمل هذه المراكب ولجوء الكثيرين لرحلاتها الترفيهية التي تطبعها البساطة وتحلق براكبها في الماضي البعيد عندما يشعر أن الأجيال القديمة عبر التاريخ كانت تخاطر بركوب أمواج البحار على مثل هذه السفن التي لا تتوفر على اشتراطات الأمان التي تتوفر عليه السفن الحديثة التي أصبحت عبارة عن قرى عائمة. وطالب الحسني بعدم المساس بالشكل الخارجي وهيأة المراكب الخشبية العتيقة لأن شكلها الحالي هو المعبر عن تاريخها، واتفق مع من يطالب بتطوير هذه السفن من الداخل وصيانتها حتى تؤدي مهمتها التي يريد لها أصحابها تأديتها، أي التعريف بماضي القطريين، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب شكلها الحالي الذي هو سر تعلق الجمهور بها، فلو أنها طورت لتكون سفنا ومراكب حديثة فلن تستطيع الصمود أمام المنافسة، وعليه يجب ترك هذه السفن على شكلها الخارجي بشرط تطويرها وزيادة عددها واستحداث مراكب أكبر حجماً كالتي نراها في البلدان الأجنبية مع الحفاظ على طابعها التراثي فهذا مطلب يتفق عليه الجميع، وهو مطلب يؤدي إلى تطوير هذه المهنة بشكل أكبر ويعمل على استقطاب المزيد من السياح، ولكي يتم ذلك يجب علينا المحافظة على أصالة هذه المراكب الخشبية حتى تظل على شكلها.
الهدوء مطلوب
وطالب سعد الحسني من الجمهور، خصوصا الشباب والمراهقين الذين غالبا ما يقومون برحلات ترفيهية على متن هذه المراكب، بالالتزام بالهدوء والانضباط وعدم إزعاج مرتادي الكورنيش لأن البعض من ركاب هذه السفن يحولونها بتصرفاتهم الصبيانية إلى ما يشبه المراقص العائمة، بدليل الأصوات الصاخبة التي تصدر منها مما دفع الكثير من العائلات والمواطنين إلى العزوف عن استخدامها، حفاظا على عاداتهم وتقاليدهم التي لا يجدون منها على متن المركب سوى شكله الخارجي وبدلا من ذلك يتم إزعاجهم بالأغاني الأجنبية التي لا علاقة لهم بها.
الأسعار
نقلنا موضوع أسعار الرحلات البحرية القصيرة على متن هذه السفن العتيقة إلى عبدالحميد -ربان أحد المراكب- فأوضح أن سعر الرحلة للشخص الواحد يتراوح ما بين 15 ريالا، و30 ريالا وقد تأتي عائلة مكونة من شخصين وتحجز المركب بكامله حتى لا يزعجها الآخرون، ولهذه الخدمة سعرها الذي يختلف بالطبع، فكثير من العائلات القطرية غالبا ما تأتي مع بعضها البعض وتستأجر المركب لوحدها وغالبا ما تكون هذه الرحلة هادئة جدا ومفيدة، أما الرحلات المختلطة فهي التي تسبب لنا المتاعب بشكل دائم لكثرة تعدد طلبات أصحابها وعدم انسجامهم مما قد يعرض المركب للخطر في بعض الأحيان، وفيما يخص الأسعار أستطيع التأكيد على أنه لا يوجد سعر محدد للرحلة البحرية بالمركب من قبل هذه الجهات التي تتولى الرقابة، وإنما الموضوع برمته يعود أولاً وأخيراً لأصحاب المراكب، لأنهم شبه متفقين على الأسعار التي ظلت منذ سنوات طويلة تتراوح ما بين 15 ريالا، و30 ريالا للشخص الواحد.
ونبه عبدالحميد إلى أنه كقائد للمركب لا يفرض على الركاب أي نوع من الموسيقى ولا غير الموسيقى وإنما الركاب الذين يطلبون ذلك بمحض إرادتهم خصوصا الشباب، وبالتالي ما يعتقده البعض من أننا المسؤولون عن إزعاج العائلات على الكورنيش فهذا غير صحيح، نحن لدينا مراكب نقوم بتأجيرها لمن يريد ولا دخل لنا في تصرفات البعض لأنني كربان للمركب أكون منشغلا بقيادته وبسلامته حفاظا على حياة وسلامة من هم على متنه من الجمهور دون التدخل في تصرفاتهم التي يشتكي منها البعض، فما يدور خلفي في قاعة المركب لا أعرفه إطلاقا.
مستوى الأمان
وفيما يتعلق بمستوى الأمان على متن هذه المراكب يضيف عبدالحميد: هذه المراكب تتوفر على قدر كبير من الأمان، والجهات التابعة لها تراقبها بقوة وتعمل على مراقبة الصيانة الدورية لها، وعلى البعض أن لا يتصور أنها تعمل بفوضى ودون المراقبة، فالسلطات المعنية تشترط على صاحب أي مركب خشبي أن يتوفر على كافة معدات الأمن والسلامة قبل أن يسمح له بتسيير مركبه مثله مثل أي وسيلة نقل أخرى، فالطاقة الاستيعابية والحمولة وعدد الركاب، كل هذه الأمور محددة ومدروسة جدا، ولافتة البيانات المثبتة على المركب الصادرة عن هيئة الجمارك والموانئ البحرية توضح ذلك، وعليه فإنني أطمئن الجميع إلى أن المراكب الخشبية آمنة بالفعل ولا داعي لأي خوف فيما يتعلق بهذا الأمر، و كـ «نواخذة» لهذه المراكب نتقيد بشكل صارم بشروط السلامة والأمان من سترات نجاة وتجهيزات أخرى متوافرة في المركب دائماً، كما يمنع التدخين في المركب، وأشار عبدالحميد إلى أن قائد المركب لا يمكن أن يسمح بتجاوز العدد المسموح به من الركاب بأي حال لأن الطاقة الاستيعابية وقدرة المركب على التحمل محددة بدقة تبعاً لحجمه وحالته الفنية كما سبق أن قلت.
الإقبال حسب المواسم
وفيما يتعلق بالإقبال على خدمات المراكب الخشبية الترفيهية يؤكد عبدالحميد أن الإقبال يختلف باختلاف المواسم، ففي فترة الحر يخف الإقبال على الرحلات الترفيهية بشكل كبير وينخفض عدد الركاب إلى ربع القدرة الاستيعابية للمركب الواحد بسبب الرطوبة العالية التي غالبا ما تكون أقوى على سطح البحر، ولتلك الأسباب تقتصر خدماتنا في هذا الوقت على بعض زوار الدوحة الذين لا يريدون تفويت فرصة الاستمتاع بكل مكونات السياحة في قطر، لكن ما إن يعتدل المناخ ويميل للبرودة حتى يكثر الإقبال من الجمهور المقيم في الدوحة والجمهور الزائر على السواء، وهذا ما جعلني أشير إلى أننا نتقيد بالحمولة المسموح بها بشكل صارم لأن فترة اعتدال المناخ يزيد فيها الإقبال بشكل ملحوظ من الجمهور الراغب في القيام برحلات ترفيهية عبر مراكبنا.