

هل تطور الشعر الحديث في قطر، واختلفت اتجاهاته الفنية، بتطور المجتمع القطري منذ نشأة قطر الحديثة، عبر مرحلتي الغوص على اللؤلؤ (المرحلة التقليدية)، ومرحلة المعاصرة بعد اكتشاف النفط؟ يمثل هذا السؤال محور كتاب الدكتور عبد الله فرج المرزوقي (ولد 1960)، المعنون «الشعر الحديث في قطر.. تطوره واتجاهاته الفنية»، الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث عام 2005. والذي يذكر أنه يدرس الشعر القطري، أو التاريخ الوجداني، في فترة زمنية مهمة جدًا، بعد تبلور قطر وظهورها كيانًا سياسيًا محدد الملامح. وللإجابة على هذا السؤال قسّم الكتاب إلى بابين، ضم الأول ثلاثة فصول، والثاني أربعة، وظف فيها عددا من المناهج البحثية في إطار المنهج التكاملي، فوظف المناهج التاريخي، والفني، والنفسي
خصص الباب الأول لتناول تطور الشعر العربي في قطر منذ نشأته إلى اليوم، ولذا تحدث في الفصل الأول عن الحياة العامة وأثرها في الشعر، فتناول جغرافية قطر، وتطور الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وأثر ذلك كله في مسيرة وتطور الشعر العربي في قطر قبل ظهور النفط وبعده.
ودرس في الفصل الثاني الشعر في المرحلة التقليدية (ما قبل النفط)، والتي تمتد بين عامي (1868-1950)، حيث ضمت مجموعة من الشعراء الذين يصفهم بالتقليديين، وبعد تحليله لأشعارهم توصل إلى أن شعر هذه الفترة قد جاء تقليديًا أو ظلا باهتًا للشعر القديم، وترسم خطى القصيدة الشعرية في شعر ما قبل الإسلام، وطريقتها في التعبير في محاكاة ضعيفة، ولهذا لم يعبر شاعر هذه المرحلة عن حياته وواقعه المرتبط بالبحر والغوص على اللؤلؤ والصيد، وإنما جاء مليئًا بالصور والأسماء والأماكن القديمة، وكانت أغراضه تسير في ركب الأغراض الشعرية القديمة، من المدح والرثاء والغزل والزهد، وغير ذلك من الأغراض، وظهرت فيها مجموعة من العيوب اللغوية والأسلوبية والصياغية، وضعف في الصورة الشعرية والموضوعات، وانتابتها المغالطات الفنية.
وسلط الضوء في الفصل الثالث على التطور الذي أحدثه اكتشاف النفط في الشعر القطري في المرحلة المعاصرة، منذ منتصف القرن العشرين حتى مطلع الألفية الثالثة (1950-2002)، إذ تغيرت نظم الحياة، وانعكس ذلك في الشعر، حيث شهدت فترة الستينيات والسبعينيات الإحياء والبعث وتلافي عيوب السابقين، وبدأ الشعر ينهض على أيدي مجموعة من الشعراء، لتنطلق مسيرة الشعر القطري الحديث، لتشهد مرحلة ما بعد السبعينيات نهضة كبرى، سارت فيها الاتجاهات الفنية الشعرية معًا جنبًا إلى جنب: المحافظة، الوجدانية، الشعر الحر، وظهرت أغراض شعرية جديدة كالقومي والوطني والغربة والحنين والغزل والشعر الديني. ويشير إلى أن الاتجاهات الفنية والأغراض الشعرية سابقة الذكر قد ظهرت في قطر كلها في آن واحد، ويفسّر ذلك بتأخر حركة الشعر في قطر بضع خطوات عن مسيرة الشعر العربي.
واختص الباب الثاني بدراسة الاتجاهات الفنية للشعر العربي في قطر، فتناول تطور الشعر في قطر منذ إعلان دولة قطر رسميًا بموجب اتفاقية سنة 1868، ووجد أن من الصعوبة أن ندرج الشعر القطري في كل مرحلة تحت مسميات فنية واحدة وثابتة، لأن لكل مرحلة مقاييسها الفنية والنقدية، ولهذا قسم الإنتاج الشعري في قطر إلى ثلاثة اتجاهات، خصص لكل اتجاه منها فصل مستقل.
وتناول الفصل الأول الاتجاه المحافظ، وتضمن قسمين تغيرت الحالة الفنية في كل مرحلة منهما على الرغم من اتفاقهما في التوجه الأسلوبي: اتجاه المحاكاة والتقليد، ومثله شعراء ما قبل النفط، سواء على مستوى بناء القصيدة، أو المستوى اللغوي، أو الصورة الشعرية، أو الموسيقى. وثانيهما اتجاه الإحياء والبعث، ويضم شعراء ما بعد اكتشاف النفط، أي منذ منتصف القرن العشرين تقريبًا إلى نهاية السبعينيات، حيث عمل هذا الجيل على بعث الشعر، وتلمس أسسه وقواعده في الماضي، على المستوى الفني وبناء القصيدة واللغة والصورة الشعرية والموسيقى، واستنتج وجود تطور ملموس ووعي لغوي وأدبي وفني لم يكن موجودًا من قبل، ومن ثم أظهر مساحة التطور الفني في الشعر، بناء على الانتقال الزمني والحضاري من مرحلة ما قبل النفط إلى مرحلة ما بعده.
وسلط الضوء في الفصل الثاني على الاتجاه الوجداني، الذي ساد في قطر منذ نهاية السبعينيات وحتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين، على الرغم من وجود اتجاهات أخرى كالمحافظ والواقعي، حيث أصاب شكل القصيدة على أيدي الشعراء الوجدانيين بعض التغير والتطور، على مستوى البناء الفني للقصيدة الوجدانية، والصورة الشعرية والموسيقى، كما شمل البناء والمنهج، واللغة الشعرية، والعمق والإيحاء والمعاصرة، وكان لهذا التغير دوره في تطور القصيدة العربية في قطر، وانطلاقها إلى مرحلة ما بعد الحداثة.
ودرس في الفصل الثالث الشعر الحر، الذي ساد وانتشر بين شعراء قطر في العقد الأخير من القرن العشرين، نتيجة تراجع الاتجاه المحافظ، وتقلص دور القصيدة الوجدانية، حيث درس موسيقاه وأثاره الفنية على مستوى بناء القصيدة واللغة والصورة الشعرية وتشكيلها، والوسائل الفنية الأخرى كالتناص والتماس، واستدعاء الشخصيات، وغير ذلك. وأثر هذه المدرسة الشعرية في الشعر العربي في قطر.
وعرض في الفصل الأخير الشعر المسرحي، بالتحليل الفني لمسرحية «الفجر الآتي» للشاعر مبارك بن سيف، والتي يذكر أنها المسرحية الوحيدة التي كتبت شعرًا في الأدب العربي في قطر. وبهذا الكتاب وضع لبنة أولى في دراسة تاريخ تطور الشعر العربي الحديث في قطر من الميلاد إلى ما بعد الحداثة.