الصفحات المتخصصة
13 نوفمبر 2015 , 07:15ص
اسماء الدوسري
منذ أيام تخيلت حالة افتراضية لمجتمع يسوده الاتفاق والتشابه على مستوى التفكير، يعيشون في عالم يسير وفق نمط واحد، ويفكرون بطريقة متشابهة ولا يختلفون على شيء، عالم يعيش أفراده في سلام وهدوء لا توجد بينهم حروب، ولا مشاكل أسرية، ولا مشاحنات زوجية، ولا يختلف الأصدقاء فيه والموظفون والمديرون في وجهات النظر. وتمنيت للحظة لو أني أعيش في هذا العالم واستمتع بهدوء أيامه وصفاء عيشه، ثم برقت في مخيلتي صورة أخرى لهذا العالم المنسجم، فوجدته يتسم بالكساد الفكري الناتج عن عدم القدرة على توليد مواقف مغايرة بإمكانها أن تجعل لأفكارنا قيمة، وجدته عالما عاجزا عن أن يساعدنا على التوصل لأفكار جديدة والبحث عن حلول متعددة لحل مشكلة ما، عالم لا يتيح لنا التعرف على المزيد من الاحتمالات، وغير قادر أن يصقل قدراتنا على الابتكار، ولا يمكنه أن يزيد من فرص تطويرنا.
حينها تذكرت مقولة الشافعي عندما قال (ما ناظرت أحدا إلا ووددت أن يظهر الله الحق على لسانه) فأفقت من خيالاتي وأنا أحمد الله على نعمة الاختلاف التي لطالما نظرنا لها نظرة سلبية وأهملنا جوانبها الإيجابية، فبدون الاختلاف كيف نروض أذهاننا، وكيف تتلاقح أفكارنا، فالخلاف بالرأي هو الطريقة الوحيدة التي تحمينا من أن نصبح سجناء لوجهة نظر واحدة، وهو من يفتح مجالات واسعة للتفكير بهدف الوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها، وكل هذا يسير فــي ضــوء التــأكــد مــن مـــدى الاستفــــادة مــن تــلك الاختلافـــات، أي مــدى تأثيـــرهــا الإيجـــابي علــى الفـــرد ومعرفــة العـــائد عليـــه.
الاختلاف فــــي وجهــــات النظـــر مؤشر جيد لحالة الفكر الصحية سواء كان على مستوى الأسرة أو المجتمع، أو الدول فالأمم والحضارات المزدهرة هي التي قدم أبناؤها نتاجا فكريا اتسم بالتنوع وشمل مختلف العلوم والآداب والفنون.
وبناء على ما سبق فإن الإنسان الفعال ينبغي ألا يبدأ بالافتراض بأن حلا معينا هو الصواب، وعليه أن يدرك أن الشخص المخالف شخص عادل ما لم يثبت غير ذلك بالدليل القاطع، فهو سيمنحك فرصة للتعمق والبحث عن الأدلة والأسباب التي تجعلك تتبنى هذه الفكرة أو تعدل عنها.
فالمواقف والآراء المغايرة لما نعتقد أو نتصور هي من يجعل لأفكارنا قيمة وهي التي من خلالها نستطيع أن نقيم ما نحن عليه فالأشياء تعرف بضدها.
وأخيرا وجدت لسان حالي يقول لماذا لا يتقبل بعض الآباء والأمهات ورؤساء العمل والمسؤولين الرأي الآخر، ولماذا لا يدعوننا نعيش على الفطرة كما قال تعالى: {ولا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.
ومضة
عندما يكون اتفاقنا عقيما وغير قادر أن ينتج أفكارا جديدة حينها يكون اختلافنا نعمة.
دمتم سالمين