الدين النقي

alarab
الصفحات المتخصصة 13 نوفمبر 2015 , 07:16ص
احمد يوسف علي
للدين مجاله الأرحب والأشمل الذي لا ينازعه فيه العلم ولا الفن ولا الفكر ولا العقل ولا الحواس ولا القلب، والدين الحق في جوهره قرين العلم بوصفه سبيلا من سبل رقي الإنسان على الأرض وهذا الرقي هدف من أهداف الدين وغاية من غاياته وكذا الفن والفكر غايتهما الكبرى الإنسان.

وفرق كبير بين الدين الحق والتدين المنقوص أو المشوه الذي يعادي العلم كما يعادي الفن والفكر والعمل.

وهذا التدين المنقوص أو المشوه آفة من آفات هذا الزمن لأنه اختصر الدين في مجموعة من الطقوس والمظاهر والانسحاب من زمننا فبدا الدين بسبب هذا التدين المنقوص المشوه كأنه ضد التطور والتغير وضد غايات الإنسان في حياة كريمة رخية هادئة مستقرة.

وقد روج هذه الصورة ونماها جماعة من الناس المحسوبين على الفكر الديني أشاعوا بين الجماهير العريضة، ثقافة رديئة عمادها تفاهة الحياة والزهد في طيباتها والتواكل والاستغناء بالعبادة عن العمل وإغلاق العقل أو تعطيله عن التفكر والتدبر والسؤال وتعظيم ذوي السلطة والسلطان والمال وكراهية المختلف معهم والتعصب لما يرون ويؤمنون به ومقاومة الفن الصحيح ومحاربة أهله مثلما حرضوا على مقاومة الفكر الصحيح واتهام أهله بالكفر والضلال.

وأضحى الدين على هذا النحو المفتعل قوامه الاستعباد وكراهية الدنيا. وصارت نصوصه العليا سلطة قاهرة في أيدي من احتكروا تأويلها وتوظيفها في خدمة أغراضهم.

نحن في حاجة ماسة إلى الدين كما هو على الوجه الصحيح الذي يقر حق الإنسان في العمل والتملك ويحض على العمل ويدعو إلى الأخذ بأسباب التقدم التي أودعها الله في الكون.

هذا الدين النقي لم يفصل العبادة عن العمل ولم يجعلهما نقيضين، فالصلاة على مدار اليوم في أوقات معلومة والصيام على مدار العام وكذا الحج والمال شركة بين الناس جعل الله فيه بعيدا عن دورة الإنتاج «حقا معلوما للسائل والمحروم».

والدين النقي يرسخ مبدأ التعايش وليس مبدأ التقاتل والتناحر «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، كما يرسخ مبدأ العلم المعتمد على التجربة والاستقراء والتأمل والضرب في الأرض سعيا وارتحالا كالضرب في الزمن الماضي اعتبارا بالأمم السابقة وتجاربها «وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا».

والدين النقي لا ينكر على المختلف اعتقاده مهما كان «لكم دينكم ولي دين» و «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» فكل إنسان في نهاية المطاف مسؤول عن اختياره أمام الله «وكلهم آتيه يوم القيام فردا».

والدين النقي لا يحتقر عملا مهما كان قدره ما دام صالحا وشريفا ولا يرتب أقدار الناس على حسب خزائن أموالهم وأرزاقهم بل على قدر صلاحهم وتقواهم والصلاح والتقوى يبرزان في العمل بقدر ما هما سران من أسرار العلاقة بين المرء وربه.

والدين النقي يجعل المسؤولية مشتركة بين الناس بمعنى أنهم جميعا شركاء في مسؤوليتهم عن أنفسهم وعن ذويهم وعن مجتمعهم وعن البيئة والكون الذي نعيش فيه فينفي التواكل والأثرة والاستئثار ويعلي مبدأ المحاسبة فوق الجميع من أدناهم إلى أعلاهم في الرتبة والمسؤولية.. وفوق ذلك فللدين غايات أخرى.