الهواتف الذكية.. هوس يهـدد الجميع بالخرس!

alarab
تحقيقات 13 يونيو 2022 , 12:30ص
يوسف بوزية

د. لطيفة النعيمي: التكنولوجيا الحديثة تؤثر بشكل سلبي على العلاقات الأسرية 
زينب خشان: تضعف قدرة التواصل والمهارات الاجتماعية لدى المراهقين 
مريم المالكي: الترفيه والتحفيز ضرورة للخروج خارج إطار الصندوق الرقمي
روضة القبيسي: مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي لتغيير سلبي في السلوك بنسبة 60 %

 

كانت المرأة تصرخ في غرفة الولادة، تقبض بيديها على حافة سرير العمليات كمن يريد أن يعصره: أريد زوجي لأمر ضروري جداً جداً، أحضروه حالاً. فجاء زوجها يهرع من الرجفة وقال لها في تأثر وقلق:
ماذا بك يا عزيزتي أخبريني. فصرخت عليه بأعلى صوتها: روح اكتب على الحالة: فتحية تشعر بالطلقة الأولى. هذه القصة ذات المغزى، تصلح كمدخل للحديث عن جيل المشاعر الإلكترونية المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي، بشكل جعل العديد من المختصين يحذرون من انقطاع التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة، في ظل انزواء كل فرد في غرفته للتواصل مع الآخرين، من خلال الجهاز الإلكتروني الذي يحمله، الأمر الذي يعزز من الفرقة بين أفراد الأسرة الواحدة، فضلاً عن تأثيرها السلبي في العلاقات الاجتماعية.
وقد حذرت خبيرات في الشأن التربوي والأكاديمي والاجتماعي عبر العرب من مخاطر جسيمة تهدد الأطفال تحديدا من مخاطر التعلق بأجهزة الهواتف الذكية وما تحويه من تطبيقات ومواد تعتبر في منتهى الخطورة على الصحة العقلية والذهية والنفسية للأبناء. 


وقالت زينب خشان، مستشارة تربوية وأسرية، إن الإفراط في استخدام الأجهزة الذكية يؤثر على العلاقات داخل الأسرة كما يسبب فجوة بين الأفراد، لاستغراق كل منهم في جهازه الإلكتروني، من دون توفر الفرصة أو الرغبة للتواصل أو الرغبة في التواصل والحوار والأنشطة المشتركة التي توثق الروابط الأسرية أو الاجتماعية.
وحذرت الأهل من أضرار الأجهزة الذكية على أطفالهم بما فيها العزلة الذهنية والاجتماعية، العدوانية والاكتئاب، اضطرابات النطق، ضعف القدرة على التواصل مع تراجع المهارات الاجتماعية لدى المراهقين.
وأوضحت طريقة مساعدة الأهل لأطفالهم على التخلص من الإدمان على الأجهزة الذكية، من خلال المقاربة التدريجية عبر الترشيد ووضع قوانين وأوقات متفق عليها. بهدف الوصول إلى استخدام مقنن ومرشد للأجهزة.

تعزيز الفرقة
من جانبها، قالت د. لطيفة شاهين النعيمي، أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر، إن التواصل بين أفراد الأسرة بات «شبه معدوم» في ظل انزواء كل فرد في غرفته للتواصل مع الآخرين، من خلال الجهاز الإلكتروني الذي يحمله، الأمر الذي يعزز الفرقة بين أفراد الأسرة الواحدة.
وأكدت أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت تؤثر بشكل سلبي على العلاقة بين الأهل والأبناء مباشرة، حيث إن العديد منهم يخسر الصلة الرابطة بينهم، نتيجة الانشغال الدائم بالأجهزة الإلكترونية، باعتبار أن الأهل يُلهون الأولاد بها، فيبتعدون عنهم ولا يمضون الأوقات معهم، في حين أن الأبناء يجدون في هذه الأجهزة الفرصة للانفراد، فتتكون لديهم منذ الصغر الشخصية الانعزالية، فلا يجيدون التعامل مع الآخرين.
وأضافت: في اعتقادي أن التحولات التكنولوجية الحديثة، أفرزت تفاعلات جديدة للعلاقات الأسرية وأدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها، وتلاشي قيم التواصل الأسري، واستبدل الأبناء الإنترنت بآبائهم كمصدر للمعلومات، وفقدوا الترابط الأسري والتصقوا بالحوار مع الغرباء لدرجة الشعور بالغربة على مستوى الأسرة الواحدة، بالرغم من أن السبب الحقيقي وراء انتشار وسائل التكنولوجيا هو جعل التواصل أمرًا أبسط، ولكن للأسف فمعظم مستخدمي التقنية يعتبر رأيهم مخالفًا بعض الشيء، لذلك فقد ساهمت التقنية في عزلنا عن بعضنا اجتماعيًا، فالتكنولوجيا تحيط بنا من كل جانب ولم يبق لنا مكان للتواصل الحقيقي.
وأشارت إلى ما نعانيه بعد أن تركنا أطفالنا فريسة سهلة للألعاب الإلكترونية التي تخطف عقول أبنائنا، وتساعد على التنمر الذي انتشر في الآونة الأخيرة بكثرة بين الأطفال، إذ تؤكد الكثير من الدراسات أن إصابة الأطفال في السابعة من العمر بمشكلات في الانتباه والتركيز تزداد بزيادة أوقات مشاهدتهم للعب الإلكترونية، كما أنها تؤثر سلبًا على صحة الطفل؛ فتُضعف من بصره بشكل كبير، إلى جانب أن تلك الألعاب بما تحويه من مشاهد عنف وقتل ودماء تصنع طفلًا عنيفًا؛ يفتقد الرحمة والعطف والتسامح، ورغم كل ذلك ما زلنا نترك أطفالنا بالساعات أمام هذه الألعاب. وأوضحت أن التنشئة الإلكترونية هي العلاج الوحيد والفعال لحماية الأطفال من مخاطر التكنولوجيا الحديثة، مع الوضع في الاعتبار أن التنشئة السليمة للأبناء إلكترونيا تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى، ففي حالة الفئات العمرية التي تتراوح بين (3 إلى 5) أعوام لا بد أن يكون هناك توجيه كلي من جانب الأسرة على الألعاب والتطبيقات، وهو أمر يختلف بالنسبة للأطفال في سن العاشرة الذين يكونون في حاجة للمتابعة والتوجيه من دون أن يكون هناك تدخل مباشر من الأسرة في المحتويات التي يتعاملون معها.
وأضافت ان ارتباط الطفل بوسائل التكنولوجيا قبل دخول المدرسة يرجع إلى الأسرة باعتبارها المؤثر الأول في سلوكياته، كما أن تدخل أولياء الأمور بالمنع المباشر والكلي للوسائل التكنولوجية يكون دافعًا للإدمان والتعلق بها بشكل أكبر في مراحل عمرية لاحقة، وبحسب إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن الأطفال الذين يقضون خمس ساعات أو أكثر على الإنترنت هم معرضون بنسبة 71 بالمئة للإصابة بالاكتئاب أو التفكير الانتحاري، وأن عوامل خطر الانتحار بين المراهقين ترتفع بشكل ملحوظ عند قضاء ساعتين أو أكثر على الإنترنت.

عزلة ذهنية
قالت مريم المالكي: من وجهة نظري أن الاجهزة الذكية تسبب العزلة الذهنية والجسدية للمدمنين على استخدامها، حيث اصبحت الاجهزه الذكية تسود مجتمعنا ولا يمكن القيام بعمل دونها، ونوهت بضرورة معالجة الصمت الأسري الذي فرضته الاجهزة الذكية، من خلال تقليص فترة استعمالها جعل النت (بيانات التجوال) لفترة محدودة، مثلاً أن يكون الإنترنت متاحا من الساعة الرابعة عصرا وحتى الساعة الثامنة مساءً، او عن طريق تكليف الابناء بمهام منزلية تقلل من فترة استعمالهم للاجهزة، وكذلك الخروج معاً في نزهات ترفيهية او ثقافية لتحفيز الابناء على التفاعل الأسري والاجتماعي والتفكير خارج الصندوق الرقمي، بالاضافة الى التجمع مع الابناء و سرد احد الوالدين لبعض القصص الدينية مثل قصص الانبياء التي تحتوي على العديد من الاحكام والعبر، وغيرها من الوسائل والبدائل المفيدة.
سلوك اجتماعي
قالت روضة عمران القبيسي، خبيرة تنمية بشرية، إن التكنولوجيات الجديدة بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، لها تأثير كبير على أفراد المجتمع بما تحمله من تفاعل داخل المجتمع وما تحتويه من تأثير على أفراد الأسرة الواحدة، بما فيها العلاقة بين أفراد البيت الواحد مما تسببه من حالات عزلة اجتماعية وانطوائية على الذات بسبب الإدمان على الإنترنت، وهذا ما ينتج للمجتمع جيلًا فاشلًا دراسيًا ومكتسبًا لعادات أخلاقية سيئة.
وأكدت أن علاقة الأسرة بالمدرسة سابقًا كانت عبارة عن علاقة تكاملية تبادلية تسهم في تكوين مدارك الإنسان وثقافته وتسهم في تشكيل القيم والأخلاق التي يتمسك بها ويتخذها كمقومات للسلوك الاجتماعي بما فيها علاقات الآباء بالأبناء، أما اليوم فقد انتقل جزء كبير من هذا الدور إلى شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة، الأمر الذي حل محل الحوار والمحادثة بين أفراد الأسرة الواحدة، وأدى إلى توسيع الفجوة والصراع بين الآباء والأبناء، وسبّب قصورًا في واجبهم تجاه أبنائهم وبناتهم في التربية والتوجيه، كما تسبب في انشغال الأبناء والبنات بوسائل التواصل وتقصيرهم مع والديهم في البر والطاعة، ولذلك المشكلات الواقعة حاليًا سببها ظروف الحياة ومتغيراتها الاقتصادية المؤثرة عليها، ولكن لا شك في أن لهذه الوسائل دورًا مهمًا في تنامي تلك المشكلات بفعل تهيئتها الأرضية المناسبة وسُبل التواصل المسيء لروابط التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة.
واشارت أن العديد من الدراسات الاجتماعية التي دارت حول تأثير شبكات التواصل الاجتماعية على الأسرة، أظهرت نتائجها أن من تأثيراتها السلبية أنها تقلل من الحوار البيني التفاعلي بين أفراد الأسرة بنسبة 65.5% وأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأبناء يؤدي إلى تغيير سلبي في سلوكهم بسبب عزلتهم بنسبة 60%، وقضاء الأطفال والمراهقين أوقاتًا طويلة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على دور الأسرة في نقل ثقافة المجتمع إليهم، وإكسابهم المهارات المختلفة، وتنمية سلوك الأبناء، وغرس القيم والأخلاق لديهم، كما يؤثر على دور الأسرة في مراقبة ومتابعة الأبناء، أيضا يؤثر من خلال متابعة الأطفال للمشاهد العنيفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما تزرعه من الخوف على نفوسهم، فهي تزيد من المشاكل السلوكية كالعدوانية وهذا يؤثر سلبًا على تواصله مع أفراد أسرته.