العمل الصالح في مواسم الخير من أعظم منن الله على عباده

alarab
محليات 13 مايو 2016 , 07:35م
الدوحة - العرب
حثّ الدكتور الشيخ محمد بن حسن المريخي المسلمين على العمل الصالح والسعي في الأرض بالإصلاح، مبيّنا أهمية العمل الصالح وأثره على حياة الأفراد والمجتمعات، واصفا إياه بأنه أمن أعظم توفيق الله للعبد، ومن أكثر المنن التي يتفضل الله بها سبحانه وتعالى على عباده.

جاء ذلك في خطبته أمس بجامع عثمان بن عفان بمدينة الخور والتي قال فيها: "عباد الله: إن أعظم التوفيق وأكبر المنن على العبد أن يتفضل الله تعالى على عبده فيوجهه ليعمل صالحاً بعد إيمانه بالله ورسوله، إنها المنة الكبرى والنعمة العظمى، وخير الزاد والرصيد الحقيقي والمدخر ليوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، ونعمت المنة وتباركت من نعمة، يفوز صاحبها بإذن الله في الدارين وتكتب له السعادة والعافية والبركة في العمر والوقت والحياة مع ما ينتظره من قرة العين في الآخرة، يقول تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله" فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل الموت) رواه الترمذي وحسنه.

رعاية للإسلام 
وأضاف في توضيحه للعمل الصالح، أنه هو ما اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها العلماء، مبيّنا أن الدنيا كلها لا تغني عن المرء شيئاً إذا لم يوفق للعمل الصالح، والعمل الصالح الذي نعنيه هو المشروع في دين الله الإسلام الذي يكون خالصاً لله تعالى، والذي يتقرب العبد به إلى ربه عز وجل بعد الإيمان بالله ورسوله، وهو الموافق لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يسمى العمل صالحا إلا إذا كان مشروعاً خالصاً يعمله المؤمن الموحد، فإذا عمله الكافر فلا يكون عملاً صالحاً ولا يقبل منه لأنه لم يأت من مؤمن بالله ورسوله، يقول تعالى عن أعمال الكفرة: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا)، فلم يثب الله تعالى أبا طالب ولم يكافئه على ما عمل من رعاية للإسلام وحماية رسوله، بل خلده في النار لعدم إيمانه بالله وحده وعدم إقراره برسالة رسول الله مع أنه عمل عملاً كبيراً أيد الله به دينه وأظهره، كما يقول رسول الله (وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) رواه البخاري.

كما لا يسمى العمل صالحاً من المنافق لأنه لم يرد به وجه الله تعالى، يقول الله تعالى (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا)، ويقول (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)، فلم يقبل من عبدالله بن أبي بن سلول صلاته خلف رسول الله لنفاقه، بل أخبر بكفره وخروجه من الملة كما في قوله (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)، وقال (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ).

ولفت فضيلة الإمام محمد حسن المريخي إلى أن الله قد أعد لأهل الإيمان والعمل الصالح من الثواب الجزيل والعاقبة الحسنة ما يستدعي من الجميع الهرولة نحو العمل الصالح وفق منهج السنة، فقال: لقد بشر الله تعالى عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بكبير الجزاء وعظيم الثواب ورفيع الدرجات في ست وثلاثين آية من كتابه الكريم، بشرهم بالجنة والخلود فيها، والأمن يوم الخوف والفوز يوم يخسر الناس كلهم، وبشرهم بزيادة الفضل لهم، والوعد بالمغفرة وعظيم الثواب والأجر ورفع الحرج عنهم وهنأهم بالفوز والمقام الطيب في مستقر رحمته.

ما لا يفعلون
وبشرهم بادخار أعمالهم وحفظها لهم، ووعدهم بأن يجعل لهم مودة في قلوب الخلق فقال (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً)، واستثناهم من القوم الغاوين وحفظهم من أن يهيموا على وجوههم فيقولون ما لا يفعلون، يقول تعالى (والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً)، واعتمد الله تعالى عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم خير الخليقة فقال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)، وهم أهل الأمن والأمان يوم يفزع الناس (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)، والأمن حينئذ لهم خاصة من دون الناس يوم يجمع الله الخلائق في صعيد واحد في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وتدنو الشمس من رؤوس الخلائق ويذهب الناس في العرق كل على قدر عمله، فمنهم من يكون عرقه إلى كعبيه وإلى ركبتيه، ومنهم إلى خصره ومنهم من يبلغ عرقه شحمة أذنيه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً فيغيب في عرقه.. في هذا الموقف العصيب الشديد يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقوله (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ. ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ).

الصخرة العظيمة
وساق المريخي قصة الثلاثة الذين فرج الله عنهم بأعمالهم الصالحة بعد أن وقعت الصخرة العظيمة على باب الكهف الذي أووا إليه، فقال: أيها الإخوة في الله، العمل الصالح نجاة وسلامة وعافية، فقد فرج الله تعالى عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فتدحرجت صخرة فسدت باب الغار عليهم فدعوا الله تعالى بأعمالهم الصالحة التي عملوها ففرج الله عنهم، والقصة مشهورة في الحديث الصحيح، وأنجى الله تعالى ذا النون من الظلمات ببركة ذكره لربه عز وجل كما قال تعالى (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، وقال سبحانه (فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)، يعني أنه كان ذاكراً لربه من قبل هذا وليس في بطن الحوت فقط. وحفظ الله تعالى كنز الرجل الصالح لولديه حتى يبلغا لصلاح والدهما، يقول تعالى (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك). إن ملك الموت لا يستأذن أحداً في قبض روحه إذا أرسله الله تعالى، فكم من إنسان مسافر في هذه الدنيا غائب فيها وفي لحظة لم حسب حسابها ولا عمل لنزولها إذا ملك الموت ينزع روحه ويتركه جثة هامدة لا حراك فيها، قد ارتخت قواه ويبس لسانه وجحظت عيناه واصفر لونه.

المواقف العصيبة
وأشار إلى أنه كان بجوار رسول الله ركوة (جرة) فيها ماء، فكان يدخل يده فيها ويمسح على وجهه ثم يقول: (لا إله إلا الله إن للموت سكرات)، فيغيب في السكرات وهو سيد ولد آدم ثم يفيق حتى فارق الحياة.. في مثل هذه المواقف العصيبة يأتي العمل الصالح الخالص بإذن الله ليقوم بدوره في إعانة صاحبه على الموت وسكراته والتخفيف والتبشير، ولذلك فإن الكافر إذا نزل به الموت وأدرك أنه مفارق تمنى العمل الصالح كما أخبر الله تعالى، لأنه أدرك أهمية العمل الصالح وظهرت له أهميته واضحة جلية حيث لا ينفع غيره، ولهذا طلب العودة إلى الدنيا ليعمل صالحاً، يقول تعالى (حتى إذا جاء أحدكم الموت قال رب ارجعون. لعلي أعمل صالحاً فيما تركت)، فجاء الجواب بالرفض (كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون). فلم يتمن الزوجة ولا الولد ولا المال ولا الدنيا التي شرق وغرب فيها، لم يتمن إلا العمل الصالح فقط.

تمني الكفار
وأشد من هذا وأغرب منه هو تمني الكفار للعمل الصالح وهم يتقلبون في النار يصرخون فيها يطلبون فقط العودة والخروج من النار ليعملوا صالحاً، يقول تعالى (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل)، فيأتيهم الجواب: (أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير. فذوقوا فما للظالمين من نصير). 

أيها المسلمون: إننا معشر المسلمين مقبولون على موسم من أعظم مواسم العمل الصالح، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فالمنة كلها من الله تعالى حين يمد سبحانه لعبده في العمر فيبلغ هذه المواسم التي يتزود منها من العمل الصالح. إن بلوغ المواسم الخيرة منح ربانية وفرص عظيمة للنجاة والفوز لأن الله جل وعلا ملأها بالخيرات ورفيع الدرجات وبلوغ الغايات والفوز بالجنات. إن الله جل وعلا بهذه المواسم عوض الأمة عما يفوتها من تحصيل العمل الصالح وذلك لقصر أعمارها، فقد كانت الأمم تعيش مدداً طويلة وأعماراً مديدة فتحصل من صالح الأعمال الكثير فعوض سبحانه أمة الإسلام بهذه المواسم لتكون في مصاف الأمم أو هي أكثر في الفوز بالعمل الصالح، فتعمل قليلاً وتثاب كثيراً، فهذا شهر الصيام أيام معدودات، من صامها وقامها مخلصاً لله متابعاً لرسول الله محيت خطاياه ورفعت درجاته وفاز بجنات ونهر.
وهناك الحج إلى بيت الله الحرام، من أداه مخلصاً متابعاً لرسول الله خرج من ذنوبه فكان كيوم ولدته أمه مبرأً من كل ذنب، وهناك سائر ما افترض الله من العبادات والطاعات في هذه الشريعة الحنيفية. إنها فرصة للبناء الحسي والمعنوي. إنها فرصة لتدارك ما فات المسلم من درجات ومقامات وفرصة للاغتسال من الخطايا والذنوب (هذا مغتسل بارد وشراب).

هذه والله جديرة بأن يستعد لها المؤمن بما شرع الله تعالى فسارعوا وسابقوا فيها بالعمل الصالح فإنها تنقضي بسرعة، وإن الموت ليطارد كل أحد ولن يفلت منه أحد، (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

أ.س/س.س