طريق الشمال تحول إلى مقبرة.. والسر التعديلات المستمرة
تحقيقات
13 يناير 2016 , 01:51ص
محمد سيد احمد
قال مواطنون ومقيمون: إن التعديلات المتواصلة منذ فترة طويلة على طريق الشمال وكثير من الطرق الرئيسية تتسبب بحوادث مميتة يذهب ضحيتها العديد من الناس، وترحم متحدثون في حديثهم لـ «العرب» على كوكبة من أبناء الوطن في ريعان شبابهم افتقدناهم نتيجة للحوادث المميتة التي تقع أسبوعيا –إن لم نقل يوميا- على هذه الطريق التي وصفها أحدهم بـ «الثقب الأسود».
وأجمع متحدثون على ضرورة الإسراع في تنفيذ المشاريع والتعديلات على الطريق الحيوي الرابط بين العاصمة وشمال البلاد، وتكثيف دوريات المرور على الطرق الخارجية لردع المخالفين لأنظمة المرور والحد من السرعات الجنونية التي تعد سببا رئيسيا للحوادث.
ثقب أسود
يقول حمد المري: إن نزيف حوادث السير على طريق الشمال -التي باتت تشبه الثقب الأسود- يتواصل بسبب التعديلات المتواصلة على هذا الطريق بشكل يدعو للحيرة، فرغم تسلمها من طرف الشركات المنفذة كواحدة من أهم الطرق الدولية السريعة في البلاد، دخلت تلك الطريق بعد فترة وجيزة في دوامة من التعديلات والتحويلات المرورية التي مضى عليها ما يزيد على السنة دون بارقة أمل في انتهائها، وهو ما يتسبب في وقوع حوادث يوميا بسبب حيوية هذا الطريق الرابط بين شمال البلاد بالعاصمة، فالعديد من الموظفين يتنقلون صباح مساء عبر هذا الطريق للالتحاق بوظائفهم، وهو ما يستدعي إلزام الشركات المنفذة للتعديلات والإصلاحات بسرعة إنجاز هذا الطريق حتى يرتاح الجميع ويطمئن الناس على سلامة أبنائهم، فرغم جهود إدارة المرور المبذولة للحد من الحوادث والتي نجحت بشكل لافت، إلا هذه الجهود لن تؤتي أكلها على طريق الشمال ما لم تنتهِ الأشغال المتواصلة والتي حولت هذا الطريق إلى طريق موت نفقد عليه يوميا زهرة شبابنا، فإدارة المرور لم تدخر أي جهد للحفاظ على سلامة السائقين؛ حيث قامت بتركيب رادارات على معظم الطرق والشوارع، وعلى التقاطعات وإشارات المرور لالتقاط الصور للمتهورين وردع عن طريق المخالفات المرورية الباهظة، وأكدت مرارا وتكرارا أن هذه الغرض من سن هذه المخالفات ليس جمع المال من المواطنين والمقيمين، بل لغرض سامٍ ونبيل هو الحد من تهور السائقين وجعل القيادة الآمنة تسود على طرق وشوارع قطر، وقد نجحت في هذا وأعلنت قبل أيام عن تخفيض قيمة المخالفات المرورية إلى %50 بعد تراجع نسبة الحوادث، لكن المشكلة تكمن في "شخبط شخابيط" التي تقوم بها الشركات المنفذة وهيئة أشغال على مختلف الطرق التي ما إن تنتهي واحدة منها ونتنفس الصعداء حتى يبدأ التكسير، والتحويلات المفاجئة والحفريات، وهذا ما يستدعي معالجة هذا الوضع غير الحضاري.
أخلاقيات القيادة الآمنة
من جهته يرى ناصر الهاجري أن كثرة الحوادث على طريق الشمال وغيرها من طرق وشوارع قطر لا يتعلق بتقصير الجهات المعنية، سواء أكانت إدارة مرور أو أشغال، بل المشكلة في طريقة قيادة شبابنا للأسف، صحيح أن طريق الشمال تحتاج إلى وقفة مع الذات لمعرفة ما يجري عليها، ولمصلحة من تبقى كل هذا الوقت دون إنهاء التعديلات والإصلاحات التي يبدو أنها ستأخذ وقتا مشابها للوقت الذي أخذه إنشاؤها وتشييدها من البداية، لكن علينا أن نلقي اللوم على العقلية التي يتعامل بها الشباب مع السيارات، فالعديد من شبابنا يتعاملون مع السيارات كما لو كانت نوق سباق في حلبة سباقات الهجن العربية، فعلى الطرق السريعة في دولتنا نرى يوميا العديد من الشباب يقومون بسباقات خطيرة ضاربين بحياتهم وحياة الآخرين عرض الحائط، الأمر الذي يحتاج إلى توعية شاملة تنجح في غرس مفهوم القيادة الآمنة، وتسترعي انتباه الشباب إلى أن السيارة ليست ناقة سباق، بل هي كتلة من حديد ووقود تشبه القنبلة الموقوتة في حالة التعامل معها بشكل خاطئ، مشيراً إلى أن المشكلة تحتاج إلى جهود مضاعفة من التوعية بمخاطر الاستهتار أثناء قيادة السيارات وزيادة الرادارات على الطرق الخارجية، وعدم مساعدة أي متهور في تخفيض المخالفات المرورية مهما كان حتى يرتدع الشباب عن القيادة برعونة حفاظا على سلامته وسلامة الجميع.
ولفت إلى أن العيون تدمع والقلوب تنفطر لأخبار الوفيات الناتجة عن الحوادث التي تحصد شبابا في زهرة العمر تحتاجهم عائلاتهم ويحتاجهم الوطن، وللحد من مثل هذه الحوادث أطالب برفع السن القانونية للحصول على رخصة القيادة إلى 20 سنة، والكف عن الوساطة التي بموجبها تمنح رخص القيادة لمراهقين لم يبلغوا سن الرشد، يقوم أولياء أمورهم بتسليمهم مفاتيح سيارات حتى لو لم يحصلوا على رخصة القيادة، وهنا لا بد أن أشير إلى أنني لم أر في حياتي شابا قطريا دخل مدرسة لتعليم السواقة، أو تلقى فيها دورة كاملة تؤهله للقيام بالمهمة المحفوفة بالمخاطر، كل ما نراه هو التسجيل في المدرسة لربع دورة أو التسجيل فقط، ومن ثَمَّ يتوافد الآباء مع الأبناء يوم الامتحان كل منهم يطالب من المشرفين على الاختبار منح ابنه الرخصة، وهو ما يستجيب له بعض رجال المرور المكلفين بهذه المهمة تفاديا للإحراج الذي تفرضه العادات والتقاليد الاجتماعية، في وقت كان على المسؤولين عن الاختبار توعية الآباء بخطورة مطالبهم وعدم الاستجابة لها، لأن النتيجة في نهاية المطاف ستكون مرة لا سمح الله.
تضافر الجهود
عبدالعزيز فهد لا يبتعد عن سابقيه فيما يتعلق بالمطالبة ببذل جهود أكبر لتفادي الحوادث التي تفتك بشبابنا، إلا أنه طالب بفتح تحقيق شفاف حول مشكلة طريق الشمال لتعرف الجمهور على المشاكل التي تعاني منها والفترة الزمنية المتبقية لانتهاء تعديلاتها حتى لا تبقى هذه الطريق طريقا للموت، وأضاف: كان الله في عون سكان المدن الشمالية التي يستخدمون هذه الطريق بشكل يومي، فهم مرتبطون بالعمل في الدوحة، والتأخير عن الدوام عواقبه وخيمة على الموظف الذي يمكن أن يفقد وظيفته فيما لو تأخر أكثر من مرة، لهذا السبب تقع حوادث يوميا على هذه الطريق بسبب السرعة المفرطة التي يقود بها الشباب القاطنون في مدينة الشمال وغيرها من المناطق هناك، ولكم أن تتخيلوا شابا يسكن في مدينة الشمال ويعمل في الدوحة، ووقت دوامه يبدأ في الساعة السادسة أو السابعة، وعندما يستيقظ متأخرا لن يجد من وسيلة تلحقه بعمله في الوقت غير الإفراط في السرعة عندما يمتطي سيارته التي يقودها بسرعة لا يمكن أن يتحكم فيها عندما يتعرض لأبسط المواقف المفاجئة، سواء أكان انفجارا لأحد الإطارات، أو مفاجأتها بمنعطف حاد ناتج تحويلة مرور أو حفرة عميقة على جانب الطريق، وحتى الشاحنات التي تسير أثناء الضباب بشكل مخالف عندما لا يلتزم سائقوها المسار الأيمن، بل تراهم يتسابقون على معظم المسارات، فهذه الأسباب مجتمعة كفيلة بمواصلة نزيف الحوادث على طريق الشمال التي ينبغي أن تضاعف الجهود عليها كي تدخل الخدمة مرة واحدة وبشكل نهائي حتى يرتاح مستخدموها.
يقظة الجميع
من جانبه قال حمد الهاجري: إن الحد من الحوادث على الطرق الخارجي وغيرها من الطرق يحتاج إلى زيادة اليقظة وتكثيف دوريا المرور على هذه الطرق وعدم تساهلهم مع المستهترين، فالملاحظ أن دوريات المرور غائبة بشكل شبه كامل عن الطرق الخارجية، معتمدين على الرادارات التي يتحايل عليها الجميع عندما يقتربون منها، ليطلقوا العنان لسياراتهم بعد تجاوزها بـ100 متر، وهو ما يجعل الاعتماد عليها غير مجدٍ في وقف نزيف الدم على شوارعنا، ولتحقيق هذا الهدف لا بد من تضافر جهود الجميع، ويقظة رجال المرور وصرامتهم في تطبيق القانون وملاحقة المستهترين، لأن القضية شائكة والمسؤولية عنها متداخلة، ويبقى اللوم الأكبر على بعض السائقين الذين يقودون سياراتهم باستهتار شديد لجهلهم بالمخاطر المحدقة بهم أثناء هذا التصرف الخطير، فكثيرا ما تفاجأ بأنك دخلت فجأة بين فكي كماشة، عندما يحيطك المتسابقون من اليمين واليسار، وأحدهم خلفك يريد منك أن تفسح له الطريق، متجاهلا أن زملاءه قد أحاطوك من كل الاتجاهات، وفي هذه الحالة غالبا ما تقع حوادث مميتة، فإذا انعطفت يمينا أو شمالا فستصطدم السيارات التي تحيطك من الجهتين، وإذا بقيت على نفس المسار سيصدمك من خلفك الذي يضع عينه على رفاقه محاولا اللحاق بهم وتجاوزهم، فهذه التصرفات سبب أول في وقوع الحوادث على الطرق السريعة، وهو ما يتطلب توعية شاملة تبدأ من المدرسة، وتنتهي بمحاضرات وندوات تنقلها وسائل الإعلام، وترسل عبر تغريدات إلى الجميع، لأن هذا النوع من السائقين المتهورين يجب على رجال المرور أن يكونوا لهم بالمرصاد على مختلف الطرق، فتركهم يعبثون بأرواح الناس فيه تشجيع ضمني لهم على مواصلة هذا السلوك الخطير الذي لا يقل إجراماً عن حمل سلاح وإطلاق النار منه على المارة.
وأضاف أن الحوادث الناتجة عن رعونة السائق الآسيوي وسائقي التاكسي لا تقل خطورة ولا رعونة عن المخاطرة الناجمة عن تهور المراهقين، فالسائق الآسيوي يقود السيارة بغباء شديد، بحيث لا يلتزم بمسار ولا يعرف مسارات الطرق السريعة، فتجده يمشي الهوينى على أقصى اليسار من الطريق السريع، وعندما تقترب منه وتنبهه عبر الأضواء الكاشفة ليلا، أو عن طريق بوق السيارة ينعطف لليمين بكل عفوية دون أن يلقي بالا بالسيارات التي تسير على المسار الذي انعطف نحوه؛ ما يؤدي عادة إلى حوادث سير، ناهيك عن التوقف المفاجئ والانعطاف الحر الذي يقوم به سائق التاكسي عندما يشير عليه زبون، فهؤلاء هم الآخرون يتسببون في الحوادث يوميا، ولا بد من تشديد الرقابة عليهم وتوعيتهم بأخلاقيات القيادة، وضرورة تفاديهم للمسارات السريعة وإلزامهم بأقصى اليمين، لأنهم مطالبون بالتوقف كل دقيقة لطبيعة عملهم، من هنا أعود وأكرر أن إدارة المرور مشكورة لم تقصر في الجانب المنوط بها، فقد قامت بكل ما تستطيع من جهود جبارة للحد من الحوادث بمختلف الوسائل، وينقصها فقط تكثيف الدوريات على الطرق الخارجية والداخلية للتعامل مع المستهترين بجدية وصرامة.