«قتلة العصر» أبوا أن يتركوا الزهور البريئة تتفتح في أحضان آبائهم.. أيتام الحقيقة.. أبناء شهداء «الجزيرة»

alarab
محليات 13 أغسطس 2025 , 01:21ص
علي العفيفي

ترك صحفيو شبكة الجزيرة، الذين استشهدوا خلال الحرب العنيفة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، إرثا مهنيا وإنسانيا كبيرا لعائلاتهم، وحفروا أسماءهم بحروف من نور في سجل تاريخ الصحافة، دفاعًا عن الحقيقة وكشفًا لجرائم المجازر والإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق أبناء شعبهم. غير أن بعضهم رحل وترك خلفه أبناء سيكبرون على إرث أثقل من أعمارهم، ليكونوا شهودا على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق آبائهم، وهم يمارسون حقهم المشروع في نقل أصوات غزة إلى العالم. هؤلاء الصغار لم يفقدوا فقط آباءهم، بل فقدوا كذلك الملاذ الآمن، واليد التي كانت تربت على أكتافهم، والصوت الذي كان يطمئنهم كل مساء.
وفي وجوه هؤلاء الأطفال، يختلط الحزن العميق بالفخر الكبير، رغم صغر سنهم، بينما تنبض قلوبهم بشعلة أمل ترفض أن تنطفئ، حتى يكبروا على قصص البطولة التي سطرها آباؤهم في الميدان، خلال ما يزيد على 22 شهرًا من العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة. وعبر هذه السطور، نروي حكايات أبناء أربعة من شهداء الجزيرة الذين ارتقوا ضمن أحد عشر شهيدا فقدتهم الشبكة خلال الحرب، وهم: أنس الشريف، ومحمد قريقع، وإسماعيل الغول، وسامر أبودقة، بينما لم يكن للشهداء الآخرين أولاد، أو لم يتزوجوا قبل استشهادهم.

شام وصلاح أنس الشريف

شام وصلاح، طفلا الصحفي الشهيد أنس الشريف، يختزلان في براءتهما مدى قسوة الحرب على قطاع غزة، حيث تعتبر شام الطفلة الكبرى لأنس وهي التي حملت أحلام والدها الذي كان يتمنى أن يراها تكبر بين دفء البيت وأمان الطفولة.
ورزق أنس بابنه صلاح وسط دوي القصف ورائحة الركام ليعرف اليتم قبل أن يتعرف إلى حضن أبيه الذي رحل تاركا لهما إرثا من الشجاعة والكلمة الحرة، ورسالة صامتة للعالم عن الثمن الذي تدفعه عائلات الصحفيين في سبيل نقل الحقيقة.

زين وزينة وسند محمد قريقع

زين وزينة وسند، أطفال الصحفي الشهيد محمد قريقع الذين ستكوّن وجوههم ملامح الشهيد التي لن ينساها أهل غزة والعالم، لأن حكايتهم مثال لفراق مبكر بين أب وأبنائه من صنع آلة الحرب الإسرائيلية.
ولم يمهل القدر زين أن يتربى في أحضان والده الذي التقفه بشوق وحنين بين الركام بعد غياب طويل عندما أبرمت الهدنة الأولى، كأنه يحاول التعرف إلى وجهه وسط صخب المارة. 
أما زينة، فقد حفظت سورة الفاتحة وأرادت أن تفاجئ والدها بخبرها عبر اتصال هاتفي أثناء نزوح العائلة جنوب القطاع، غير مدركة أن صوته سيبقى ذكرى محفورة في قلبها، فلن تجده من جديد لتسمعه ما حفظت من القرآن لأن الاحتلال أسكت صوته قصفا.

4 أبناء لسامر أبودقة

ترك الشهيد سامر أبودقة مصور قناة الجزيرة والمولود في جنوب قطاع غزة عام 1978 خلفه 4 زهور يافعة هم أبناؤه يزن وزين وإيزل ويارا الذين يقيمون في بلجيكا، تتحرك فيهم روح والده التي أضاءت غزة بكاميرته وسحرها بابتسامته حتى اللحظة الأخيرة.
وفي 15 ديسمبر 2023، استشهد الزميل أبودقة وأصيب الزميل وائل الدحدوح مراسل القناة خلال تغطيتهما لقصف إسرائيلي على مدرسة فرحانة في خان يونس جنوبي قطاع غزة المحاصر.

زينة إسماعيل الغول

زينة الطفلة الوحيدة للصحفي الشهيد إسماعيل الغول وجدت نفسها تكبر في أحلك فترات الحرب على غزة، بعيدًا عن والدها الذي حرمته ظروف عمله الميداني وسط القصف من لقائها أو احتضانها. ورغم أن الغول كان يتابع أخبارها عن بُعد ويحلم بلحظة رؤيتها، فإن رصاصات الحرب وصواريخها خطفت منه ذلك الحلم، تاركة صغيرته تواجه الحياة بذكراه وصوره وابتسامته التي لم تنطفئ في ذاكرة من عرفوه.