تطورات مواقع التواصل الاجتماعية أسرع من القوانين والاستيعاب
اقتصاد
12 يونيو 2011 , 12:00ص
لندن - نور النعيمي
لا أحد يبدو أن لديه القدرة على السيطرة على مسألة الخصوصية في عالم السايبر والإنترنت، وبالتأكيد ليس لعضو الكونغرس الأميركي أنتوني وينر، الذي استغرق هذا الأسبوع في تلافي تبعات نشر صورة لطالبة تبلغ من العمر 21 عاما على حسابه في التويتر، الصورة كانت موجودة على هاتفه الجوال وبطريقة أو بأخرى وجدت الصورة مكانها في عالم التويتر الذي يضم حتى الآن نحو 200 مليون مشترك.
في آخر أسبوع من شهر مايو الماضي، قالت عملاق تكنولوجيا المعلومات «سيسكو» إن عدد الأجهزة المحمولة المتصلة بالإنترنت سيصل إلى 15 مليار جهاز بحلول عام 2015، جنبا إلى جنب، مع أنباء أخرى عن أن عدد حسابات «الفيس بوك» ستصل إلى مليار مشترك بحلول العام المقبل.
مع هذه الأرقام «المهولة» يبدو أن كرة الثلج المتعلقة بفضائح الخصوصية آخذة في الاتساع وعلى نطاق واسع، إلى الحد الذي يبدو فيه أن كل أدوات المجتمعات الحديثة عاجزة تماما عن مواجهتها، بما فيها أحدث نسخ القوانين الوضعية، فالصور ومقاطع الفيديو الأكثر خصوصية لعدد هائل من المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعية، تبدأ في الظهور تباعا على شاشات فضية ملساء حول العالم، يتشاركها أناس ربما ينبغي أن لا يشاركوا فيها.
مرة أخرى، وفي الأسبوع الماضي أيضا، أظهرت لنا التكنولوجيا وجهها القاسي للأشخاص الذين يستخدمونها، وأوضحت بما لا يدع مجالا للشك عجز النظم القانونية القديمة في التصدي لهذه القساوة، النجوم جون تيري وأندرو مار ومؤخرا راين جيجز، جميعهم تعرضوا إلى فضائح قد تنهي مسيرتهم المهنية وتهدد حياتهم العامة، رغم التكاليف الباهظة التي تكبدوها في إطار سعيهم للحفاظ على خصوصيتهم في عالم التواصل الاجتماعي.
من المفترض أن يدفع جيجز هذا الأسبوع أكثر من 150 ألف جنيه إسترليني إلى محاميه في من أجل رفع دعوى قضائية وصفها النقاد بـ «المضحكة»، ضد موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، لإجباره على حماية خصوصيته في إطار فضيحة جنسية مع إحدى الفتيات.
وفي الوقت الذي يبدو أن نجوم كرة القدم وغيرهم من الذين يجنون مبالغ كبيرة، قادرين على تحمل تكاليف قضايا من هذا النوع، يتضح جليا أن الأمر يدور في ملعب «الابتزاز القانوني» ما بين النظم القانونية القديمة وبين أحد أركانها ألا وهي المحامون، الذين يتقاضون أحيانا نحو 650 جنيها إسترلينيا في الساعة.
وتبدو العملية لا طائل من ورائها سوى المزيد من الأموال تدخل إلى خزانة وكلاء الدفاع، فقوانين وشروط استخدام مواقع التواصل الاجتماعية تبين بما لا يدع مجالا للشك أنه بإمكان أي فرد نشر الصور والتعليقات ومقاطع الفيديو عن طريق الموقع إلى مشتركين آخرين ربما يصل عددهم إلى المئات، أو الآلاف!
ويقول خبير وسائط الإعلام الجديدة دان جيلمور إن عناصر غير عادية تدور حول مسألة الخصوصية في مواقع مثل تويتر وفيس بوك، إذ بات من شبه المؤكد أن مثل هذه المواقع بدأت تسلب من أفراد في الشعب البريطاني «الحريات»، وهي من الأمور المسلم بها في المجتمعات الغربية، أن هذه المواقع تنتهك بشكل جلي قواعد الحرية التعبير واحترام الخصوصية، وأن هذا الوضع بغيض جدا، خاصة فيما يتعلق بالشخصيات ذات التأثير العام.
إن معظم الناس متفق على أن هذه الأنواع من «الانتهاكات» أمر غير عادل، ويلقون باللائمة بشكل أو بآخر على مواقع التواصل الاجتماعية، لكن هل هذه هي الطريقة التي ينبغي أن تتشكل بها القوانين؟ أي الملامة فقط! خصوصا أن القضايا المحيطة بانتهاك الخصوصية في وسائل الإعلام الاجتماعية لا تزال مربكة جدا.
وبعيدا عن عالم القانون، فإن العودة إلى قواعد الحياة المثالية، في الحكم على مثل هذه الانتهاك، ربما ليست أمرا كافيا على الإطلاق، فهذه الصور من «حرق الذات» عبر وسائل الاتصال الاجتماعية تعد مثالا كلاسيكيا على خطأ كبير يتشكل في عصرنا، فلا توجد حماية مثلا لمشتركين في هذه الوسائل إذا ما قاموا بنشر مواد خاصة جدا وهم في حالة من حالات عدم اليقظة الكاملة كما في السكر والثمالة، هذا النوع من «المصائد» يوضح الغرابة الأساسية لعصرنا الجديد الذي نشارك فيه تفاصيل حميمة من حياتنا على الإنترنت مع «أصدقاء» غالبا ما يكونون غرباء في الأساس.
وكدليل على تنامي المخاوف، تشكل الأنباء «المتكررة» جدا عن سرقة قواعد بيانات مشتركين لمواقع إلكترونية عملاقة تماما كتلك المشابهة لاتهام «غوغل» للسلطات الصينية بسرقة بيانات مشتركيها عن طريق «القرصنة الحكومية»، تشكل هاجسا آخر يؤرق القانونيين والتقنيين على حد سواء، ومن المخاوف: الآثار الاجتماعية والنفسية كتلك التي أعلنت الأسبوع المنصرم عن قيام فتى صيني ببيع كليته مقابل الحصول على جهاز «آي بود»! لكن حتى الآن لا توجد معايير دولية لحساب وقياس تلك الآثار.
ولكن إلى جانب كونها قادرة على إذلالنا، وتوفر ملجأ مثاليا لـ «الحيوانات المفترسة» التي تستهدف الفئات الضعيفة، يجدر بنا أن نتذكر أن وسائل الإعلام الاجتماعية قد ساعدت بنقل قيم الديمقراطية ولو جزئيا (الربيع العربي على سبيل المثال) كما ساعدت على نشر قيم ومفاهيم الابتكار والإبداع، وتعد متنفسا للتعبير حينما تحجب وسائل التعبير بشكل كامل، وباختصار مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم أكثر تأثيرا على الأفراد وأكثر خطرا على الحكومات.
ببساطة نتحدث اليوم عن حقبة من الزمن وهي حقبة المواقع الإلكترونية للتواصل الاجتماعي التي عملت على نقل أهمية الإنسان داخل المجتمع إلى العالم الخارجي، ومنحته الحرية في التعبير دون قيود أو خوف، لاسيما بعد أن كان الوضع السابق محصورا في إطار الجماعات والكتل السياسية القادرة على التحرك والتنظيم، أما الآن فقد أصبح الفرد هو من يقود الثورات وهذا ما أثبتته الثورات العربية أخيرا، حيث نقلت المواقع الإلكترونية إحساس المواطن ورأيه في أي قضية يريد طرحها، لكن الأمور بدأت تنحى منحا آخر، فمن الواضح أن التطورات التكنولوجية ستتفوق دائما على تطورات القانون، وإلى حد بعيد الفهم البسيط لمعظم الناس بها.