السفير الفرنسي بالدوحة: مونديال 2022 يشيّد جسراً بين الشعوب
حوارات
12 فبراير 2017 , 03:27ص
امين الركراكي
اعتبر سعادة السفير الفرنسي في قطر إريك شوفاليي التعاون الوثيق في المجال الرياضي امتدادا للعلاقة المتينة والوطيدة التي تجمع قطر وفرنسا وتتخذ أشكالا عدة، تعكس عمق الروابط بين البلدين. وأثنى شوفاليي على اليوم الرياضي معتبرا هذه المبادرة القطرية رائدة في منطقة الخليج وكذا على المستوى العالمي لكونها تكرس الرهان على أهمية النشاط البدني في الحياة اليومية. كما تطرق إريك شوفاليي في هذا الحوار الخاص لـ«^»، لعدد من المحاور والنقاط في علاقة قطر وفرنسا خاصة في المجال الرياضي الذي يشكل أحد ثوابت الاستراتيجية الشاملة للتعاون الوثيق بين البلدين.
حدثنا في البداية عن تخصيص قطر ليوم سنوي للرياضة.
- أعتقد أنها مبادرة رائدة لأنها تتيح للسكان معرفة أهمية الرياضة وممارستها يوميا فهي جيدة جدا للصحة البدنية والصحة الذهنية والنفسية وللحياة اليومية المشتركة بين أفراد العائلة والأصدقاء وزملاء العمل. قطر من البلدان النادرة التي اتخذت خطوة في هذا الاتجاه ويتوجب علينا أن نشيد بها على ذلك. بطبيعة الحال ممارسة الرياضة مسألة يومية لكن تخصيص يوم له رمزيته.
تزداد أهمية هذه الخطوة في منطقة مثل الخليج التي تعاني مشاكل بسبب الإحجام عن ممارسة الرياضة.
- كما قلت إنها موضوع صحة عامة. نعلم أن في هذه المنطقة نسبة عالية للإصابة بالسمنة والسكري، والرد الأفضل للحصول على حياة صحية هو الأكل الصحي وممارسة النشاط البدني المستمر. حب الرياضة لا يقتصر فقط على مشاهدتها بل ممارستها أيضا لكل الفئات بمراعاة كل الأعمار والجنس رجالا أو نساء.
ما هو تصنيفك لقطر من بين الدول الرائدة في الاهتمام بالرياضة ممارسة وتنظيما من خلال الأحداث الكبرى؟
- ليس هناك شك أن قطر نجحت في أن تكون مركزا رياضيا عالميا وستحافظ على هذه المكانة في المستقبل وهذا بفضل جهود متكاملة مثل تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى، والجميع ينتظر مونديال 2022 (أستغل هذه الفرصة لتوجيه تحية خاصة للجنة العليا للمشاريع والإرث وتحديدا السيد حسن الذوادي لأن العمل التحضيري للحدث يبدو لي ممتازا، وفرنسا تساند قطر بشكل كلي في هذا الجانب وأنا على يقين تام بأن الحدث سيكون جميلا ومنظما بشكل جيد)، وهناك بعد آخر يتجاوز الرياضة لأن المونديال سينظم لأول مرة في بلد من العالم العربي وأعتقد أن هذا الأمر هام جدا فأنا أعلم أن قطر تتطلع لأن تجعل كأس العالم مناسبة للقاء الشعوب والثقافات والبلدان وهذه مسألة جيدة خصوصا عندما نعلم كيف صار العنف والتوتر يطبع عصرنا الحالي، وهنا تكمن أهمية تخصيص وقت عالمي للتشارك والتبادل في بلد عربي. سيكون حدثا يشيد جسرا بين الشعوب والثقافات أفضل فبدلا من توسيع الفوارق أرى من الأفضل تشييد جسور ونقاط تلاق.
علاقة فرنسا وثيقة في جميع المجالات ولفرنسا تجربة رائدة في تنظيم الأحداث الرياضية الكبرى. فإلى أي درجة تساهم في المشاريع الخاصة بالبنيات التحية وتنظيم الفعاليات والجانب الأمني؟
- نعم علاقة البلدين وثيقة للغاية على جميع المستويات وباعتباري سفيرا شغوفا بالرياضة أشاهدها وأمارسها، أيضا أنا سعيد بالتعاون القوي في المجال الرياضي وقبل الحديث عن التعاون بخصوص مونديال 2022 أذكرك بكون اليوم الرياضي في قطر سيتزامن مع إقامة مباراة باريس سان جرمان مع برشلونة في دوري أبطال أوروبا، وهذا أمر له دلالته وأتمنى أن يفوز PSG فأنا أقدر العمل الذي يقوم به ناصر الخليفي في النادي الباريسي. وبالعودة إلى التعاون بين البلدين أجدد أن فرنسا تساند علنا قطر لتنظيم مونديال 2022. لدينا اتفاق مبرم بين وزيري الخارجية في البلدين سنة 2015 يوثقان لرغبتهما في التعاون من أجل إنجاح الحدث ومن جهتنا فقد أهلنا شركاتنا لكي تواكب تنظيم المونديال وأنشأنا كيانا مكونا من مجموعة من الشركات العاملة في هذا المجال أسميناه (FRENCH TEAM 4 SPORT)، أو ما يمكن ترجمته بالفريق الفرنسي من أجل الرياضة للإعداد والمساهمة في تنظيم كأس العالم المقبلة.
فرنسا الوجهة الثانية للاستثمارات القطرية فما هي نسبة الاستثمار في المجال الرياضي؟
- في سنة 2015 كانت فرنسا هي الدولة الثانية المستثمرة في قطر. ليس لدي أرقام فمن المبكر الحصول على أرقام وفي المجال الرياضي ليس المهم من الأرقام بل جودة الشراكة. ومثال باريس سان جرمان يعتبر رمزا جيدا في هذا المجال في التعاون الثنائي لأنه يتعلق بنادي العاصمة الفرنسية الذي حقق نقلة مع الاستثمار القطري كما حقق وظائف في فرنسا وهو استثمار إيجابي للبلدين خصوصا وأن باريس سان جرمان يعتمد استراتيجية بعيدة المدى، لذلك سترون النادي بطلا لأوروبا يوما ما.
كيف يمكن أن ترفع الاستثمارات الأجنبية أسهم الدوري الفرنسي؟
- الأهم أن الدوري الفرنسي يجذب مستثمرين أجانب فهناك قطر في العاصمة وهناك مستثمر أمريكي في مارسيليا وآخر روسي في موناكو وهناك نادي سوشو المرشح لأن يستقطب بدوره مستثمرين خارجيين، كما أن الصينيين أبدوا اهتمامهم بدخول مجال الاستثمار في الكرة الفرنسية وهذا يدل على الاهتمام بالدوري الفرنسي الذي سيزيد من مستوى المنافسة المحلية. اهتمام المستثمرين ورؤوس الأموال بالدوري الفرنسي دليل على مكانته بين الدوريات الأوروبية ومن شأن هذا الإقبال أن يرفع أسهمه الليج 1 (LEAGUE1) بين نظرائه في القارة.
في حدود كم سنة يمكن أن يفوز PSG بدوري الأبطال خصوصا بعد متاعبه في الدوري المحلي هذا الموسم؟
- يقول ضاحكا: «قبل 2022»، ثم يستطرد: المنافسة الرياضية لا تعني الفوز دائما فليس الأهم هو الانتصار بل الرغبة في الانتصار، وأعرف الطموح القطري المبني على استراتيجية طويلة المدى ومع العمل المتواصل سيتحقق المراد لكن النتائج غير مضمونة في الرياضة.
قلتم إن الرياضة تساهم في التقارب بين الشعوب. لكن يحدث أحيانا العنف والعنصرية في الملاعب.
- هذا صحيح. مثل هذا السلوك غير مقبول بالمرة. لكن هذا يحدث في منافسات قليلة مقارنة بالمئات من البطولات الرياضية التي تساهم في التعارف والحوار. كما قلت سابقا فالمنافسات الرياضية تمثل فرصة للتشارك واعتبارا للعدد الهائل من البطولات والأحداث الرياضية التي تقام في مختلف أنحاء العالم تبقى نسبة المنافسات التي تشهد مثل هذه الأحداث ضئيلة جدا.
فرنسا رائدة في مجال تكوين الرياضيين. هل ترى أسباير قادرة على صناعة أبطال من المستوى العالي؟
- عمل أسباير منهجي جيد وجدي ولا يراودني الشك في قدرتها على تحقيق النتائج المرجوة. النتائج لا تأتي من العدم بل من تكريس الوقت والعمل والاستثمار وهذا حال أسباير رغم أنها تحقق النتائج المطلوبة. هناك مؤسسة أخرى حققت نتائج باهرة وهي إسبيتار التي أصبحت مرجعا عالميا. أود أن أذكر أن هناك اتفاقية بصدد الإعداد بين أسباير وإسبيتار والمعهد الفرنسي للرياضة.
ما هي حظوظ باريس في استضافة أولمبياد 2024؟
- توقعت أن تلتقي قطر بفرنسا في نهائي بطولة العالم لكرة اليد والآن أقول أتمنى أن نشهد مونديالا رائعا في قطر ودورة ممتازة لدورة الألعاب الأولمبية 2024 في فرنسا. بالنسبة للمونديال أنا واثق من ذلك وبالنسبة لباريس أتمنى أن تفوز بشرف الاستضافة. شعار باريس 2024 هو «تعالوا لنتشارك» وطموح مونديال 2022 هو توحيد الشعوب وبالتالي نحن نتحدث عن مفهوم واحد ومقاربة واحدة للرياضة وفلسفة واحدة ألا وهي التشارك والمشاركة.
شوفاليي .. الطبيب الدبلوماسي
مسار إريك شوفاليي حافل بالعمل والمهمات في فرنسا أو خارجها سواء تعلق الأمر بالدبلوماسية بجانبها المكيافيلية أو الطب من جهته الإنسانية، لذلك لم يكن غريبا أن يحصل على وسام الشرف الوطني تتويجا لمسيرة مهنية بدأت نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
شوفاليي (من مواليد 1960) قاده شغفه للجمع بين مجالين يصعب أحيانا الجمع بينهما لكنه كرس كل وقته للتحصيل العلمي فحصل بداية على دبلوم العلوم السياسية سنة 1987 وبعدها بسنتين حصل على الدكتوراه في الطب من جامعة باريس قبل أن تبدأ مسيرته الميدانية الحافلة، فتقلد عدة مهام حيث عمل مفوضا عاما لمنظمة المساعدة الطبية الدولية ومستشارا لوزير الصحة ومديرا للمهمات الدولية في منظمة «أطباء العالم» كما عين خبيرا للأمم المتحدة في كوسوفو ومناصب أخرى في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المهتمة بالطفولة والصحة العالمية والبرامج الإنمائية.
إلى جانب عمله الميداني ظل إريك شوفاليي مرتبطا بالجانب المعرفي من خلال عمله محاضرا في معهد الدراسات السياسية في باريس والمدرسة الوطنية للإدارة وجامعة باريس بانتيون-سوربون، قبل أن يبدأ عمله الدبلوماسي ممثلا للخارجية الفرنسية بداية بمنصب سفير فوق العادة مفوضا في سوريا سنة 2012 قبل أن يغادرها بعد إغلاق السفارة للأوضاع الأمنية، وبعدها التحق بالدوحة في سبتمبر 2014 سفيرا لفرنسا في قطر.
فريق السفارة.. نشاط بدني واجتماعي
تصور السفير الفرنسي للرياضة كما فسرها في الحوار بكونها لا تقتصر على المتابعة فقط بل بالممارسة على أرض الواقع من خلال إنشاء فريق السفارة لكرة القدم، يتدرب مرة في الأسبوع ويشارك في البطولات الودية بين السفارات والبعثات الدبلوماسية كما يخوض مباراة ودية كل سبت. خطوة تكرس مفهوم السفارة للنشاط البدني وأهميته وتأثيره على مردود وأداء فريق العمل كما يزكي روح التعاون والتآزر بين مكوناته ودوره في إبعاده عن ضغوط العمل اليومية. يقول سعادة السفير معلقا على هذه المبادرة بروح من الدعابة: «السفارة أنشأت فريقا لكرة القدم والسفير يحرص على مشاركة الجميع بفعالية ونشاط وأصبحت المشاركة مقياسا لتقييم العاملين، ومن يسجل الأهداف له مستقبل في المجال الدبلوماسي».
تعاون رياضي شامل بين قطر وفرنسا
استعرض إريك شوفاليي بعضا من أوجه العلاقة الوطيدة بين قطر وفرنسا فيما يخص الجانب الرياضي، ويشمل مجالات عدة منها الجانب التشريعي والتنظيمي والأمني والتكويني. بالموازاة مع ذلك لدينا اتفاق يهم الجانب الأمني للأحداث الرياضية، يعود لسنة 2006 عندما نظمت الدوحة الألعاب الآسيوية ونعزز هذا التعاون، ففي بطولة أوروبا للأمم حضر 47 مسؤولا أمنيا قطريا المنافسات لمتابعة التنظيم لاكتساب الخبرة والتجربة وفي الجانب الأمني حضر بعض رجال الدرك الفرنسيين إلى الدوحة للمساهمة في تنظيم بطولة العالم للدراجات السنة الماضية. هناك تعاون آخر قضائي يخص الأحداث الرياضية الكبرى فهناك 11 قاضيا قطريا خضعوا للتكوين في المدرسة الفرنسية للقضاء للعمل خلال إقامة الفعاليات الكبرى، وهذا يؤكد أن التعاون بين البلدين يتخذ أشكالا كثيرة، وهناك تعاون بين وزارتي الرياضة واللجنتين الأولمبيتين يشمل الاتحادات الرياضية لمختلف الرياضات وهناك تعاون مع مؤسستي أسباير وإسبيتار ونظيرهما المعهد الوطني للرياضة والخبرة والأداء (Institut national du sport, de l›expertise et de la performance) يبدي أهمية كبيرة للتعاون مع المؤسستين الأخيرتين.