د. علي عفيفي علي غازي يطرح قراءة لإبداع «الفياض» في تحقيقه للإصدار.. ديوان «المرزوقي».. إحياء للتراث الشعري

alarab
ثقافة وفنون 12 يناير 2023 , 12:28ص
الدوحة - العرب

يواصل الدكتور علي بن عبد الله الفياض (ولد 1958) عطاءه، ودوره الرائد والمميز في جمع تراث قطر الشعبي والشعري، فيُحقق ديوان الشاعر عبد الرازق بن حسن المرزوقي (1914- 2006)، الصادر عن دار الوتد بالدوحة في عام 2022، والذي يضم بين غلافيه قصائده من مخطوطاته وأشرطة مسجلة بصوته، وينشر لأول مرة، في دلالة على سعي الفياض الدائم لجمع وحفظ ما كاد أن يندثر من التراث والشعر الشعبي القطري.
يقول الفياض في مقدمة الكتاب إنه تعرف على الشاعر في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، وتسلم منه بعض قصائده مخطوطة ومكتوبة على الآلة الكاتبة، وسجل معه بعض الأشرطة عن ذكرياته وحياته وماضي مدينة الوكرة. ويضيف أنه وجد فيه: «كل خصائص وصفات أهل قطر الكرماء الأصلاء من طيبة وحسن معشر وتواضع جم وكرم وشهامة وأخلاق حميدة قل نظيرها»، ثم يذكر أنه اجتهد في تحقيق الديوان «من ناحية الشرح للكلمات القديمة، التي تصعب على الجيل الحاضر، ووضع مناسبات للقصائد، والتمهيد للديوان بقراءات مبسطة لشعره، وبيان ما يتميز به، واستعراض أغراضه الشعرية المختلفة».
وقد ترجم حياة الشاعر المرزوقي حفيده ناصر بن أحمد، فيذكر أنه ولد في مدينة الوكرة عام 1914، وتوفي والده وهو في بطن أمه، ثم فقد أمه وهو في سن صغيرة، وكان أصغر إخوته السبعة، أربعة ذكور، ثلاث إناث، إلا أن أسرته كانت مهتمة بالعلم والثقافة، والشعر والأدب، وعلوم الدين الإسلامي، فكان لذلك تأثيره على شخصيته وسلوكه وحياته، فأخوه الأكبر الفقيه والعالم الشاعر محمد بن حسن بن أحمد المرزوقي (ت. 1935)، وكان لأخته نورة، التي كانت تقوم بتدريس القرآن الكريم في مدينة الوكرة، دور في تعليمه وتحفيظه القرآن الكريم، كما تذوق الشعر على أيدي أخويه محمد وعبد الرحمن، ومجالسته لبعض شعراء الوكرة كالشاعر أحمد العماري، والشاعر سعد العويرص، ومن ثم فقد تهيأت له بيئة خاصة، أصقلت موهبته الشعرية، بالإضافة لشغفه بالقراءة عامة، وقراءة الشعر والتاريخ خاصة، ولهذا فقد قرض الشعر وهو في سن صغيرة، إذ قال أولى قصائده وقد بلغ من العمر أربع عشرة سنة.
ويروي حفيده أنه كان حاضر البديهة، موفور الحكمة، لطيفًا ودودًا، محبًا لأسرته، ملتزما دينيًا وخلقيًا، وبدأ عمله طواشًا، ثم عمل في القطاعة، حيث اشترى سفينة بالاشتراك مع أخيه عبد الله، وكان يسافر بها إلى البحرين ودبي وأبو ظبي والقطيف، ثم التحق بالعمل في شركة نفط قطر بدخان لمدة عشر سنوات، ثم عمل مثلها بإدارة الموانئ، ليتفرغ لأعماله الخاصة، حيث أسس شركة للأدوات الكهربائية، واشتغل بالعقارات. وتوفي يوم 25 سبتمبر 2006، ودفن بمقبرة أبو هامور.
ويذكر الفياض أن الشاعر المرزوقي مقل الشعر، إلا أن شعره يتميز برصد الواقع الاجتماعي، ومتغيرات الزمن السريعة، وكتب الشعر القصصي والحواري، وتتميز شاعريته بالبساطة، والصدق في التعبير عن المشاعر، والعفوية، وعدم التكلف، حتى أنه يمكن القول إن «شعره شعبي نابع من أعماق المجتمع، ومن أحيائه القديمة، وأناسه الذين عاشوا على الفطرة؛ بكل طيبة ومحبة واحترام».
وقد مدح المرزوقي في الكثير من قصائده حكام قطر، وأفعالهم، ومبادراتهم، وإنجازاتهم، وحبهم لوطنهم، وصفاتهم كالكرم والبذل والعطاء، كما يهتم برصد الظواهر المجتمعية بعين المراقب المتوجس الحذر من تقلبات الزمن، وخاصة ظاهرة قيادة السيارات بسرعة وتهور، ما يعرض الشباب والآخرين من عابري الطريق للخطر، كما يؤرخ في بعض قصائده لسنة العسر وسنة البطاقة، حيث إن كساد اللؤلؤ فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، ثم اندلاع آتون الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، قد أدى للغلاء، وضيق الحال، وتأثر الجميع، فيصف في قصائده الغلاء، ويرجع ذلك للسباق الذي يقع بين الأجانب وبعض التجار، والذين لا يراعون مصالح الفقراء والمعوزين، ويجعل الفقير يحتار ماذا يفعل في هذا الحال. كما يتحدث في قصيدة أخرى عن الزواج وعاداته، التي تغيرت بتغير المجتمع، وازدياد تكاليفه، ومن ثم عزوف بعض الشباب عنه، ويقدم في إحدى القصائد حوارًا بين شاب وعمه وابنة عمه التي يريد الزواج منها، حيث ينصحه عمه بإكمال دراسته أولا، ويتحقق له ذلك، ثم يتزوج بابنة عمه، في تفاعل من الشاعر مع قضايا محتمعه، منتقدًا للظواهر السلبية، ناصحًا للشباب، واعظًا حكيمًا محبًا للمجتمع، حريصًا على ما يفيده وينفعه ويصلحه في دينه ودنياه.
الديوان يقع في 208 صفحات من القطع المتوسط، تبدأ بمقدمة للفياض، وترجمة لحياة الشاعر بقلم حفيده، ثم قراءة في الديوان بقلم الفياض، وتتابع بعد ذلك قصائد الديوان التي قسمت إلى فصحى، شعبية، اجتماعية، غزليات، شيلات، وأخيرًا المواويل. ويختتم بلقاء أجراه الشاعر مع الشاعر حمد بن محسن النعيمي في عام 1980، وأعيد بثه في برنامج «نوادر شعبية» على قناة الريان الفضائية في عام 2015، والذي يتحدث فيه عن نفسه وتجربته الشعرية. وقبل أن نطوي غلاف الكتاب الأخير نلحظ أنه يتضمن ثلاثة ملاحق: الأول قصائد مخطوطة بخط الشاعر، والثاني مجموعة من صوره الشخصية، والثالث مختارات من أوراقه الخاصة والتجارية.