إضاءة في كتاب.. سيرة الزعيم محمد إدريس السنوسي

alarab
الملاحق 11 أكتوبر 2024 , 01:24ص
د. علي محمد الصَّلابي

هذا الكتاب السابع في سلسلة (صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي) يتحدث عن سيرة الزعيمين محمد إدريس السنوسي، وعمر المختار. فالسيد محمد إدريس السنوسي تولى زعامة الحركة السنوسية في ظروف دولية وإقليمية ومحلية شديدة الصعوبة، واستطاع أن يقود قبائل برقة بحكمة وسياسة وحزم، ودخل في مفاوضات مع بريطانيا وإيطاليا لكي يحقق بعض المصالح لشعبه وبلاده، فيتحدث هذا الكتاب عن تلك المفاوضات بشيء من التفصيل، وعن الأسباب التي جعلته يضطر للمباحثات مع الدولتين البريطانية والإيطالية، وعن حكومة برقة التي تزعمها الأمير إدريس، وعاصمتها، ومجالسها، والأعمال التي حققتها، ويتطرق الكتاب للأسباب التي جعلت السنوسيين يصطدمون بالأتراك، ويشير الكتاب إلى الأسباب التي جعلت ليبيا في الحرب العالمية الأولى تنقسم إلى شطرين: شرقي وغربي، ولماذا تحالف الطرابلسيون مع تركيا وألمانيا ضد الحلفاء؟ ولماذا تحالف البرقاويون مع بريطانيا ضد المحور؟ وما أثر ذلك الانقسام الخطير على ليبيا؟ وما موقف الطرابلسيين من الأحداث بعد هزيمة تركيا وألمانيا في الحرب العالمية الأولى؟ وكيف ظهرت الجمهورية الطرابلسية إلى حيز الوجود؟ ومن أصحاب هذه الفكرة؟ وما العوامل التي ساعدت على ظهورها؟ وما حقيقة مجالسها الشورية، والشرعية والرئاسية والاستشارية؟ وهل استجابت الدول الكبرى لبلاغاتها؟ وما هو القانون الأساسي الذي اتفق عليه الإيطاليون والطرابلسيون؟ وما أول حزب سياسي أقامه الطرابلسيون؟ وما أول جريدة في طرابلس تؤيد الجمهورية الطرابلسية؟ وما قرارات مؤتمر غريان؟ ولماذا كان اجتماع سرت بين زعماء طرابلس وبرقة؟ وما القرارات التي توصل إليها المجتمعون؟ ولماذا بايع أهل طرابلس الأمير إدريس السنوسي؟ وهل وافق الأمير على تلك البيعة؟ ما الأسباب التي دفعت الأمير محمد إدريس لمغادرة البلاد إلى مصر؟ ولماذا عاد القتال بين إيطاليا والليبيين؟ وما العوامل التي ساعدت إيطاليا على إخماد حركة الجهاد في غرب ليبيا؟.

أحوال ما بعد استشهاد «المختار»
ويتحدث الكتاب عن المقاومة التي قادها أحمد السويحلي وسعدون وصفي الدين السنوسي، وبشير السعداوي في غرب ليبيا حتى سكنت حركة الجهاد في غربها، واستمرت جذوتها في برقة، وكيف قاد كتائب المجاهدين الشيخ الجليل عمر المختار؟
ويوضح الكتاب أحوال ليبيا بعد استشهاد عمر المختار، وعن مصير حركة الجهاد التي قادها يوسف بورحيل والمجاهدون، وعن اضطهاد واستعباد الإيطاليين لمسلمي ليبيا بعد القضاء على الحركة.
ويقف الباحث عند الحرب العالمية الثانية، ويتحدَّث عن كونها اية من آيات الله في تصريف أمر الدول والشعوب والأمم وفق سننه وقوانينه في المجتمعات البشرية، ومن السنن التي وقف عندها الكاتب: أنه عندما تتجبر أمة من الأمم وتعلو في الأرض، ويصيبها البطر والكبرياء يهيئ الله لها أسباب الانهيار والزوال، كما يكون الزوال والانهيار بفشو الظلم، وعدم إقامة العدل.

اعتراض على مواقف الدول الكبرى
يتحدث الكتاب عن الأمير إدريس في مصر وعن دوره في جمع زعماء ليبيا والتشاور معهم، ودراسة احتمالات الموقف، ووضع الخطط التي يجب أن يسيروا عليها، وعن جهوده العظيمة في تكوين الجيش السنوسي الذي كان له أثر فعال في الحرب العالمية الثانية في شرق ليبيا، وكيف ساهم ذلك الجيش في إخراج الطليان من بلادنا؟.
ويتكلم الكاتب عن اعتراض الليبيين عن موقف الدول الكبرى وخصوصاً بريطانيا من قضيتهم العادلة بعد الحرب العالمية الثانية، ويأتي بوثيقة تاريخية كتبها عمر فائق شنيب عام (1945 م)، وكان عنوان المقالة (ليبيا مهد البطولة)، وجاء فيها:... ((وبصفتي أحد قادة الحركة الوطنية وعضو الجمعية الوطنية التي ارتبطت مع بريطانيا يوم 9 أغسطس (1940 م)، أصرِّح بأن الوضع الحالي في ليبيا شاذ لا يتناسب في شيء مع العدل والإنصاف، ولا مع وعود الحلفاء بأي وجه كان، بل إن ما يعانيه الشعب الليبي اليوم لا يختلف عن الاستعمار البغيض، وأن الشعب الليبي يتطلب إقامة حكومة وطنية شرعية تحت إدارة أميره المطاع (إدريس السنوسي) بأسرع ما يمكن؛ ليحقق لها اختيار الجهة التي ترغب في الارتباط معها. أقول هذا لدول الحلفاء عامة، ولدولة بريطانيا العظمى خاصة قبل أن يعم الاستياء الذي أخذ يتسرب إلى النفوس، وتتبدل وجهات النظر من الإخلاص والمحبة والتعاون النزيه، إلى المقت والبغض والمشاكسة، ويطغى اليأس؛ فتنعكس الآية ولا ينفع الندم، وإن ليبيا رغم قلة عددها، وفقدان عدادها، ومعرفتها بأنها لا تقوى على مقاومة الدول العظمى مع أنها جربت في حرب إيطاليا، تفضل أن تضرب يوماً بألف، بل بمليون قنبلة ذرية حتى ينقطع فيها النسل والذرية على أن يطأ أرضها إيطالي، أو أن تمس كرامتهـا، أو ينتقص شيء من حريتهـا واستقلالها وحقهـا في الحيـاة، أو يقرر مصيرها الغير بدون إرادتها، وهي علَّمت الشعوب معنى التضحية في سبيل الحرية والاستقلال، من سنة (1911 م) إلى يومنا هذا، والتاريخ شاهد عدل..)).

جمعيات أسست بالخارج
ويتحدث الكتاب عن الجمعيات التي أسست خارج ليبيا، وعن حل الأحزاب وإنشاء المؤتمر الوطني في برقة، واضطراب الأحزاب في طرابلس، كما يتعرض الكاتب في هذا الكتاب لاهتمامات الملك، فتحدث عن اهتمامه بالدين والعلم والأخلاق، وحبه للشعب وحب الشعب له، ونصحه لزعماء العرب، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وعن أدب العبارة في خطاباته وسمو معانيها وتواضعها الجم، والدعوة إلى الخير والتقوى، واهتمامه بالثورة الجزائرية، وحديثه عن الوحدة العربية وحالة العرب، وعن مفهوم الأخوة الإسلامية والعروبة عند الملك، وعن نظرته للعمل الإصلاحي، وعن الزعيم الأساسي الذي يؤسس حكومة راسخة البنيان، وعن مكانة الصحافة في زمن الملك، وحرية الكلمة بمجلس النواب، وعن استقالته الأولى عام (1965 م)، ونقل الكاتب استقالته الثانية قبل انقلاب عام «1969 م»

نزاهة الملك.. وفترة ثرية
وتحدث الباحث عن نزاهة ملك ليبيا وعفته، وكيف كان حاله في تركيا عند حدوث الانقلاب، وكيف اعتذر للمسؤول المالي المرافق له عن أخذ ما تبقى من المال وقال له: ((يا بني أنا بالأمس كنت ملك ليبيا، ولكني لم أعد كذلك اليوم، وبالتالي فإن هذا المال لم يعد من حقي، ويجب أن يسلم إلى خزينة الشعب)).
ويتحدث الكتاب عن أقوال المؤرخين في الملك السابق، وعن وفاته بمصر، ودفنه بالبقيع بالمدينة المنورة في مايو عام (1983 م).
وقد تركت ما يتعلق بالمملكة الليبية بسبب قلة المصادر وندرة الوثائق التي بحوزتي، واقتصرت الحديث على الملك إدريس كزعيم وقائد، وإني أشعر بضعف المادة التي أمامي فيما يتعلق بتلك الأحداث؛ لأن قضايا ذلك العهد على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لملابساتها واثارها الممتدة إلى زمننا الحاضر، وخصوصاً وإني قد بحثت في أسباب سقوط المملكة بحثاً دقيقاً، وطلبت من رجال عاشوا تلك المرحلة المساهمة في دراسة وتتبع الأسباب التي أدَّت إلى سقوط المملكة الليبية، ولكن التفاعل كان ضعيفاً، واعتذر البعض لأسباب أمنية، وقد علمت بأن بعض الذين عاصروا تلك الأحداث قد كتبوا مذكرات مهمة في تلك المرحلة، وينتظرون الوقت المناسب لنشرها؛ لذلك رأيت من الحكمة والتعقُّل التريث حتى يأذن الله في نشرها؛ لأنها سوف تساهم بإذن الله تعالى في توفير معلومات تساعد الباحثين على تقصي الحقائق، والوصول إلى نتائج صحيحة مبنية على معلومات يقينية، فإن كان للعمر بقية وأذن الله في مواصلة هذه الرحلة الطويلة التي بدأتها من الفتح الإسلامي إلى هذا الكتاب؛ فإنني بإذن الله تعالى سوف أواصل المسيرة، وإلا فأقلام الليبيين لم تجف ولن تجف بإذن الله تعالى في تدوين تاريخها؛ لأن شعبنا ليس بعقيم بل يملك الطاقات الكامنة في كافة مجالات الحياة السياسية، والتاريخية، والأدبية، والتربوية، والاقتصادية.
إن فترة المملكة الليبية من عام (1951 م إلى 1969 م) غنية بالأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتحتاج إلى دراسة واعية وباحث مدقق يتوخى العدل والإنصاف، ويشمر عن سواعد الجد والاجتهاد، ويعتمد على القويِّ العزيز الوهاب، ثم على الوثائق والحجج والبراهين.