معلمة اللغة العربية أول من اقتنصت موهبتي.. وكانت تمنحني العلامة الكاملة باستثناء نصف درجة
أدركت أنني إذا أردت أن أكتب يجب علي أن أقرأ أولاً.. لتصبح لدي حصيلة لغوية
20 سنة عملاً في التعليم ساهمت في بلورة أفكاري
«وداعاً عبدالله» ظهر للنور بعدما فقدنا شاباً من العائلة في ريعان شبابه
مريم ياسين الحمادي، كاتبة للوطن، واقعية في كتاباتها، بدأت الكتابة بعدما نضجت موهبتها، واختارت لها خطا منفردا، تبسط فيه أوراقها وتخط فيها كلماتها عن جملة من المفاهيم، تتناول في فحواها المواطنة والوطنية والانتماء. بدأت أول مشوارها مع الأدب في طفولتها، عدنا بها إلى ماضيها وحكاية كل مؤلف من مؤلفاتها، وغيرها من أحداث مشوارها عبر هذا الحوار:
متى بدأت الكتابة؟
لم أكن أعي شغفي بالكتابة وأنا طفلة، لكن كانت حصة اللغة العربية من الحصص المفضلة لدي، وكانت كتاباتي تحظى بتقدير خاص من المعلمة، كانت هي أول من اقتنصت موهبتي، كانت تمنحني دوما علامة تقل بنصف درجة عن العلامة الكاملة، وكانت تقول إنني أستحق العلامة الكاملة، وكانت كثيرا ما تكتب لي كلمات مشجعة وتحفزني، فكان ذلك يدفعني للمطالعة كي أزيد من محصلتي اللغوية، وأثري تعبيراتي بعبارات جديدة وبليغة.
من هنا كانت البداية وأدركت أنني إذا أردت أن أكتب يجب علي أن أقرأ أولا، ولتصبح لدي حصيلة لغوية أستطيع من خلالها التعبير عما يجول بخاطري. شيء آخر هو البحث في الذات إذا ماكان الشخص لديه الرغبة والقدرة على الكتابة، فأنا منذ صغري كنت أترجم أفكاري على الورق وأصيغها في نصوص، وكنت أحاول الخروج بنتائج مختلفة، لم أكن مدركة لتلك الأفكار في المراحل المتقدمة من عمري، ولم أكن أستوعبها كما يجب، لكنها تبلورت في النهاية لتصبح نصوصا وكتبا فيما بعد.
نقطة التحول
متى كانت نقطة التحول التي جعلت مريم تكتب باحتراف؟
عملي في التعليم في وظائف مختلفة لفترة طويلة تجاوزت العشرين سنة ساهم كثيرا في بلورة أفكاري، فأنت كمدرسة تعيشين الكثير من القصص، وتتعرفين على تلاميذ وعبرهم عوائل، وهو ما جعل تلك القصص جزءا من صور ترجمتها إلى نصوص، ففي هذه المرحلة وكثرة علاقاتي مع الناس بحكم عملي في الإدارة جعل عندي ثراءً فكرياً وتنوعاً تحول فيما بعد بحكم انتقالي إلى عمل آخر و أفكار ممنهجة، وأبحاث ودراسات، وجعلني أرى الصورة بشكل أشمل، فبدأ يظهر عندي شغف بموضوع الهوية الوطنية والمواطنة، وهنا صرت أبحث عن طريقة أُحدِثُ بها فرقاً ولو صغيراً في حياة الآخرين، وساعتها تبنيت رسالة استنبطتها من مقولة قرأتها وكانت تقول «وجود الإنسان لا يغني عن أثره، لكن أثره يدل على قيمة وجوده»، تلك المقولة جعلتني أفكر في الأثر والبصمة التي يتركهما الإنسان.
ومتى كان أول كتاب لك؟
في عام 2009 تقريبا بدأت تظهر ملامح أول كتاب لي، لكنني بعد أن استشرت بعض أصحاب الخبرات وجدت أن الفكرة التي كنت أسعى لإيصالها غير واضحة، وهو ما جعلني أعدل في صياغة النص، وأضيف بعض الأفكار وأنقح غيرها. كان عنوان الكتاب «هويتي قطري» في البداية بعد أن انتهيت من الكتابة نشرته على شكل مقالات في الجريدة، فقد اقتضى عملي كمديرة للاتصال التعامل مع الصحف وبعد تركي لهذا العمل، تلقيت عرضا من «العرب» للانضمام لكتابها، وأصبح لي مقال أسبوعي في الجريدة، كتبت كتابي وكأنه الجانب النظري للهوية الوطنية والمواطنة. وبعد الحصار وجدت الجانب العملي التطبيقي وتبلورت الهوية على مواقف ومبادرات للمواطنين والمقيمين على حد سواء تدل على نضج الهوية الوطنية، حينها أصدرت كتابي الأول «هويتي قطري» في معرض الكتاب الذي قدمت من خلاله مجموعة السمات والصفات التي تأسست على القيم القطرية النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، والتي احتوت كل القيم الإنسانية النبيلة، لتعبر عن شخصية سامية، متزنة، وقادرة على التعامل في هذا العالم الذي يمتلئ بالتناقضات، من خلال عرض الأفكار المختلفة والأبعاد المتعددة لقضية الهوية في 63 موضوعا متنوعا منها الهوية الوطنية وتشكيل الصورة الذهنية، وتجسيد الأمن، ماذا أعطيت أنا لبلدي، والهوية الوطنية والرموز الوطنية، الهوية والمشاركة الفاعلة الإيجابية، رؤية الهوية القطرية الأفضل.
كتاب «هويتي قطري» باختصار كان عهدا بالطاعة والولاء لله والوطن والأمير، والتزاما لتحقيق الأفضل لقطر والشعب القطري، كرسالة نحملها إلى العالم.
نقلة جديدة
وماذا بعد تلك المرحلة؟
كل تحدثت عنه كان المرحلة الثانية في مشواري الأدبي حيث كانت الأولى هي الإطار، ثم الإطار النظري، بعدها انتقلت إلى مرحلة أخرى وخلالها أصبحت أربط كلمات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، خصوصا تلك التي يقدمها أمام مجلس الشورى أو التي يوجهها للشباب، مع الهوية، وهنا أصدرت كتاب «تأملات في كلمات سمو الأمير» التي تركز على الرسائل التي يوجهها سموه.
وتطلعت من خلال هذا الكتاب إلى تعزيز وتطبيق الهوية القطرية في المجتمع، حيث إن الهوية الوطنية لابد أن يكون فيها التناغم بين المظهر والجوهر، وهو ما يتضح من توجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بأن تتعلق جوانب الهوية في التنمية البشرية كمظهر من مظاهرها ويتحمل الأفراد المسؤولية لمشاركة كافة المؤسسات تجاه الواجب والحق في ذات الوقت والقيام بواجبهم تجاه أنفسهم والوطن، وذلك من خلال تحسن الأداء ونبل القيم والجدية والإنتاجية والإخلاص للوطن، مما يؤدي إلى تشكل الهوية الوطنية التي تليق بدولة قطر ومكانتها، لأن كل القيم تبدأ من الداخل وتنعكس على الخارج فهي تظهر على شكل سلوك وإنجازات كمية ونوعية ويترجم هذا السلوك فهم القيم والهوية الوطنية بشكل خاص، فعلى نطاق الفرد من ناحية احترامه لدينه وثقافته ويشمل تصرفاته في كل موقف يقف فيه ويصبح محركا للعمل المسؤول لأنه نابع من حس المواطنة المسؤولة، فالإنسان هو العنصر الأقوى الذي يحدد قوة الهوية للمجتمع، كما أنه العنصر الذي يسهم في إحداث الفرق الذي نريده لقطر في العالم.
حدثينا عن الخطوة التالية في مشوارك؟
في مرحلة من حياتي أدركت أن الحديث عن الهوية الوطنية يفضي بنا تعزيز الوعي عن شخص متزن من جميع النواحي، خصوصا بعدما مررت بتجربة فقد قاسية جعلتني أستشعر الآخرين، تجربة فقدنا خلالها شابا من العائلة في ريعان شبابه كان يدرس ليصبح طيارا عسكريا ليخدم بلاده، ولكن فجأة توقفت الحياة، أصدرت كتب «وداعا عبدالله» الذي كان محملا بالمشاعر أكثر من العلوم أو الدراسات، وكان ينقل مشاعر الفقد بكل أنواعه، من فقدٍ للوظيفة أو ضياعٍ للحلم، أو فقدِ عزيز، والفقد يجعل الإنسان يشعر بالضعف الجسدي ويضعف العضلات ويصبح الإنسان غير قادر على التعامل مع الحياة، في تلك الفترة كنت سفيرة فخرية لجمعية أصدقاء الصحة النفسية، كنت أنظر إلى الموضوع بطريقة أعكس من خلالها أنه لا يوجد شخص أقوى من غيره، فمهما كنا أقوياء فنحن نمر بلحظات فقد تضعفنا.
الإصدار الرابع
وماذا عن كتابك «قطري والنعم»؟
إنه إصدار رابع لي، عدت فيه إلى مواضيع الوطنية والهوية، وكان يدور في مضمونه حول وصف القطريين بأنهم «مطوعين الصعايب». وهذه ليست مجرد مقولة أو وصف لأبناء وطني بل هي حقيقة وواقع، فواقع الطبيعة الصعبة التي عاش فيها القطري، جعلت منه إنسانا قادرا على مواجهة التحديات والتغلب عليها. من خلال هذا الكتاب قدمت مجموعة من النماذج من الشخصيات التي اخترتها على أساس إحداث تغيير في عالم الكتابة في قطر، وحصرتها في دور النشر، وقابلت العديد من الشخصيات واستعرضت إنجازاتهم والتحديات التي واجهتهم في حياتهم.