دعوات لتعزيز المناعة القيمية والأخلاقية للمجتمع

alarab
تحقيقات 10 ديسمبر 2021 , 12:25ص
يوسف بوزية

ناقشت جلسة مجلس الشورى يوم الإثنين، موضوع الحفاظ على القيم الإسلامية والمجتمعية، وأكدت أهمية الحفاظ على المبادئ والأخلاق النبيلة، وتعزيز دور الدين والعقيدة السمحاء في المجتمع، وأهمية الالتزام بقيم ومبادئ الدين الإسلامي، عبر ترسيخ تلك القيم في المجتمع، كما أكد المجلس رفضه للظواهر الدخيلة، وضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال من يخالف هذه التوجهات دون تهاون أو تقصير.

واتساقا مع مضمون هذا الجلسة، تلاقت آراء عدد من المواطنين وعلماء النفس مع رجال الدين حول أسباب ظهور بعض السلوكيات الشبابية الدخيلة على مجتمعنا، سواء من حيث المظهر أو الجوهر، بما فيها ثقافة «الردح الإلكتروني»- وفق تعبير البعض- والتفنن بالتجريح والإساءة على مواقع التواصل، واستعراض الصور «الرديئة»، والتدخين، وإدمان الشيشة، والاستعراضات الشبابية في السيارات وما يصاحبها من صخب ومظاهر دخيلة لم نعتدها وتؤذي مشاعر المواطنين في الطرق، والتفحيط وسط الفرجان، وغيرها من السلوكيات التي بدأت تطفو على أرض الواقع، وأرجعوا الأمر الى عوامل تربوية ونفسية ناتجة عن سوء التنشئة والفراغ وغياب الرقابة الأبوية والرغبة في التقليد الأعمى لـ «المشاهير الجدد» على مواقع السوشيال ميديا.
وإذا كنا ندفع ضريبة الانفتاح الثقافي المشرع الأبواب، فلابد لنا من تعزيز جهاز المناعة القيمية والأخلاقية للمجتمع، ونستخلص أسباب ظهور هذه السلوكيات المرفوضة لنضع الخطط الكفيلة بوأدها في مهدها.. قبل أن تستفحل وتنتشر بين أبنائنا وتصبح أمراضاً مستوطنة يصعب إيجاد علاج لها.
وقد شدد الجميع على أهمية التوعية وتضافر جميع الجهود من خلال وزارات الداخلية والأوقاف والتربية والتعليم والجرائم الإلكترونية وغيرها من المؤسسات والجهات المعنية، لتعزيز منظومة القيم التي تشكل هويتنا وشخصيتنا الوطنية النابعة من القيم الأصيلة للمجتمع القطري، منوهين بضرورة احترام قواعد الآداب العامة والأعراف الاجتماعية «الواجبة» على كل سكان الدولة، بمن فيهم المقيمون والزائرون الأجانب، ووضع العقوبات المناسبة للأفعال المخالفة لتكريس ثقافة احترام الإطار القيمي والحضاري السائد في المجتمع دون المساس بحرية الأفراد أو تقييد الحريات العامة.

المنكر.. والمألوف
في بداية حديثه أكد خالد جاسم- مواطن- أن التربية السليمة داخل الأسرة تشكل بوصلة الأمان لأبنائها بعيداً عن السلوكيات الخاطئة التي تعترض مع قيم المجتمع المسلم، مشددا على ان اعتياد العين على رؤية بعض السلوكيات لا يكسبها الشرعية في المجتمع، ما دام الدين هو الحاكم والميزان، أما إذا ضعف الإيمان فإن الوضع يختلف والمقاييس تختل فيراها الناس عادية، ويرون المنكر مألوفاً، مؤكداً وجود سلوكيات مرفوضة في أماكن معينة وأنا كمواطن حين أخرج للتنزه أتحاشى الذهاب إليها مع عائلتي وهذا شيء مقيد لحريتي في بلادي.
وشدد على أهمية التوعية وتضافر جهود مؤسسات الدولة في هذا الصدد وبعد ذلك نتجه إلى تشديد العقوبات على المخالف حتى يكون عبرة لغيره وقال: يجب العمل على هذا الملف (التوعية) من الآن حتى نعرف العالم أجمع بعاداتنا وتقاليدنا قبل أن يهل علينا الغرب بثقافاته وعاداته في المونديال وغيره من فعاليات تستضيفها الدولة.

ملف التوعية
من جانبه أكد أنور العبدالله أن ما يسيطر على موضوع السلوكيات المرفوضة سواء من ناحية التصرف أو الملبس هو الدين، فقد وضع لنا قواعد نسير عليها وأي تنازل يؤدي بنا إلى الفوضى في كل شيء وإذا اتخذنا القرار الحاسم من البداية استطعنا وقاية أنفسنا كما أن تطور المجتمعات له دور كبير في انتشار هذه الظواهر الغريبة حقا.
وشدد العبدالله على أهمية أن تعيد الجهات المختصة الهيبة للقيم والآداب العامة، باتباع وسائل حضارية كالتنبيه، ووضع اللافتات التحذيرية على غرار تلك التي تشير إلى «منع التدخين» في الأماكن العامة، وإيقاع الجزاء المناسب على من يصر على الاستخفاف بالنظام والآداب العامة كتسجيلها سابقة في سجل المخالف.
ولفت إلى أن الخطوة الأولى في طريق الانحراف السلوكي تكون بالإدمان على متابعة مشاهير السوشيال ميديا أصحاب المحتوى غير الملتزم بالقيم الأخلاقية وكذلك رفقاء السوء بعيداً عن الذاتية في حال الشباب الكبار أو أعين الرقابة الأسرية في حال المراهقين الذين إن شبوا على شيء شابوا عليه، خاصة في حالات التفكك الأسري التي يضيع فيه الأبناء، حيث يندفع الأبناء من خلال هذه الرفقة باتجاه الهاوية بغرض التجربة أو في محاولة خاطئة لإثبات الذات والرجولة الواهية عبر ارتكاب سلوكيات منافية للقيم والقيام بأي نوع آخر من المخالفات القانونية التي تجرم مرتكبها وتعرضه للمساءلة القانونية وما يترتب عليها من إجراءات يتم اتخاذها بحقه.

الفطرة السليمة 
وقال جابر المري إن الشاب صاحب الذوق السليم والفطرة السليمة لا يلجأ للأشكال والأساليب الغريبة والصرعات غير الطبيعية لأجل الظهور والتميز، سواء من ناحية التصرف أو الملبس، فهو بهذه السلوكيات يبين انحرافه عن أخلاق المجتمع وعاداته الإسلامية وضعفه أمام المتميزين الملتزمين بقيم المجتمع من الرجال.
وأرجع السبب في قيام بعض الشباب صغير السن بأفعال منافية للعادات سواء في الشارع أو في الحدائق والمجمعات الكبرى إلى التأثر بـ «الصرعات» الدخيلة في مواقع التواصل إضافة إلى المدارس الأجنبية، وهناك أسباب أخرى، من بينها عدم التنشئة الدينية الصحيحة، عدم تحقيق التوازن النفسي للطفل في صغره، إضافة إلى حب التقليد والاستعداد لإثبات الذات في التفكير ولفت الانتباه، خاصة في مرحلة البلوغ حيث ينزع الشاب أو الفتاة في هذه المرحلة إلى التقليد والتغيير والثورة على المألوف.
وشدد المري على أهمية التوعية والتثقيف للجميع من خلال وسائل الإعلام والندوات وورش العمل والبرامج التفاعلية للآباء والأبناء، لربطهم بتعاليمهم الدينية وعاداتهم وتقاليدهم العربية والأخلاق الإسلامية لمواجهة التيارات الفكرية والثورة الإلكترونية والانفتاح الذي تشهده الدولة على جميع المستويات، خاصة أن البلاد ستستقبل العديد من الفعاليات العالمية الكبرى وتستقبل معها الكثير من السياح وذوي الثقافات المغايرة، مشيرا إلى أن الوقاية تأتي قبل الوقوع في المحظور، وهذه الوقاية تكون بتحسين أساليب التعليم وتعويد الإنسان أن يكون رقيبا على نفسه فالقوانين لا تردع أحدا بل يتم التحايل عليها مهما كانت محكمة كما شدد على ضرورة ابتكار أساليب جديدة في التعليم والعقوبة والقوانين.

الدكتور طارق العيسوي: العلاج في السلوك أقوى من التوعية

أكد الدكتور طارق العيسوي المستشار النفسي وخبير التربية الخاصة أن الوازع الديني والتمسك بالقيم هو الذي يجب أن يفرض أخلاقية الحياة، لأن العلاج في السلوك أقوى من التوعية، مشددا على أهمية تعزيز الرقابة في التجمعات والأسواق والبلديات، بما في ذلك الرقابة الأبوية على الأبناء، والمراقبة لكل «الكافيهات» في المناطق المنزوية التي تنتشر فيها سلوكيات غير مناسبة، فيجب توظيف ووضع مسار سلوكي مختلف يحتوي الشباب ويرشدهم إلى الالتزام بقيم المجتمع المسلم. وأكد د. العيسوي أن الشيشة هي أحد المظاهر السلبية وإن كانت لم تصل لحد القول إنها أصبحت ظاهرة في المجتمع القطري وإن كانت في طور الانتشار في بعض الأماكن العامة، وبالتأكيد أن لكل ظاهرة أسباباً، وسبب انتشار الشيشة يرجع إلى نوع من الترف الاجتماعي الذي يعاني منه بعض الشباب نتيجة وجود مساحة من الطاقة غير الموظفة في إطارها الصحيح فيتحول للهو في المقاهي للشيشة.
وأوضح أن هذا يعود إلى وجود أمية في الوعي بمخاطر الشيشة وما تسببه من أمراض وانتقالها من شخص لآخر، وما تسبب من أضرار للأطفال المحيطين بحيث إنهم أكثر ضررا من الذي يدخن، وهذا ناتج أيضاً عن تقصير من دور الأسرة في ترشيد ومراقبة النشء أو الانشغال عن أبنائها وخاصة الذين في مرحلة المراهقة، لأنه يجب أن يشعر المراهق أن هناك علاقة طيبة بين أفراد الأسرة وجوا حميميا من خلال الالتقاء والجلوس مع بعض والألفة بعيدا عن رقابة الوالدين والتوجيه والضغط وخاصة في مرحلة المراهقة التي تعتبر مرحلة العناد والبحث عن الذات، هذا سوف يقلل من ذهاب الشباب للتجمعات الشبابية التي يذهب لها الشاب كتخفيف من الضغوط والعمل والبيت وضغوط التواصل مع الناس بالنسبة للذكور أكثر من يلجأ للشيشة لقتل وقت الفراغ لأنه بعيد عن أهله والمحيطين به.

الدكتور عبدالله السادة: الشباب يتفاوتون في درجات الثبات أمام المتغيرات والمثيرات

أكد فضيلة الدكتور عبدالله بن إبراهيم السادة، أهمية تعزيز القيم والأخلاق الحميدة في المجتمع القطري المسلم، وتحصين نسيجه القيمي والأخلاقي والاجتماعي، في مواجهة ما قد يهدد بنيته الأخلاقية ومنظومته السلوكية، مشيرا الى ان عنوان رقي الأمم وتقدمها، وسبل عزها ومجدها إنما يكون بالحفاظ على القيم والآداب، ومكارم الأخلاق، والأخذ بكريم الفضائل وجميل الشمائل، في مجتمعاتها وأفرادها، لذا فلا غرو أن يعنى الإسلام بأمر الأخلاق عناية عظمى وأن يوليها رعاية كبرى، لافتاً إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وأضاف الشيخ السادة أن الناس يتفاوتون في درجات الثبات أمام المتغيرات والمثيرات، فمنهم من تستخفه التوافه فيحمق على عجل، ومنهم من لا تستفزه الشدائد فيحتفظ برجاحة فكره وسماحة خلقه.

الدكتور حسن البريكي: تعزيز المخزون الأخلاقي في مواجهة المتغيرات

أكد الدكتور حسن سالم البريكي، مستشار أسري، أهمية تعزيز المخزون الأخلاقي والقيمي للمجتمع القطري في مواجهة التحديات والمتغيرات. 
واستعرض د. البريكي في تصريحات لـ «العرب» كيفية تحصين المجتمع، بمن فيه الأبناء في نطاق الأسرة، من تأثير السلوكيات الهدامة والأفكار الدخيلة، مؤكداً على جانب التربية بوصفها أكثر جوانب المجتمع المسلم عرضة للتغير.
 ودعا الدكتور البريكي أولياء الأمور إلى معرفة أصدقاء أبنائهم وروافدهم المعرفية؛ لضمان عدم تعرضهم للوقوع في أيدي الفئات المنحرفة فكرياً، منوهاً بضرورة فتح باب الحوار الأسري بين الآباء والأبناء في جميع الأعمار، حتى يتمكنوا من إخراج ما في نفوسهم أولاً بأول.
وأشار الدكتور البريكي إلى دور الصداقة الوالدية مع الأبناء في تعزيز قيم الأبناء وسدّ الفجوة بين الأجيال وعقد الجلسات التثقيفية المعرفية البيتية بين الآباء والأبناء. وكذلك الإجابة الشفافة على تساؤلات الأبناء أولاً بأول دون حرج من سؤال الغير عندما يعنّ للابن سؤال لا يعرفه أحد الوالدين، إلى جانب عدم ترك الأولاد فترات طويلة منذ الصغر لمواقع ذات معطيات ثقافية هدامة، أو ذات مواد إعلامية مضللة، مع تعريضهم لبعض الأماكن التي تمكّنهم من تحصيل بعض المفاهيم والمعلومات السليمة بشكل مباشر أو غير مباشر.

 الدكتورة لطيفة النعيمي: التمسك بالقيم من عوامل الاستقرار الاجتماعي

أكدت د. لطيفة شاهين النعيمي الأستاذة بجامعة قطر، أهمية التمسك بالأخلاق لتعزيز أسباب بقاء واستقرار الدول وتقدمها وازدهارها، فالأمم تضعف إذا ما تراجعت فيها الأخلاق وتهاوت القيم والمبادئ الراسخة.
واشارت إلى دور القيم والأخلاق في تحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي، يتم فيه احترام القواعد الأخلاقية السائدة في المُجتمع، فإذا كان الجمال يجذب العيون، فالأخلاق تملك القلوب، وﺣﻴﻨﻤﺎ أراد الله وصف ﻧﺒﻴﻪ صلى الله عليه وآله وسلم، ﻟﻢ ﻳﺼﻒ ﻧﺴﺒَﻪ أو ﺣﺴﺒَﻪ أو ﻣﺎﻟﻪ أو ﺷﻜﻠﻪ، ﻟﻜﻦ قال ﺗﻌﺎﻟﻰ: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، ورسولنا الكريم قال: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»، لافتة الى ان مكارم الأخلاق تحتل أكبر مساحة من الدين، بل إن الدين كله خُلق، فإذا انتفى الخُلق ذهب الدين.
وأوضحت الدكتورة لطيفة النعيمي ان تنشئة الأجيال ليست عبئاً فقط على الأسرة، بل للمناهج التعليمية والتربوية دور كبير في زرع الأخلاق في الأبناء، مشيرة الى منهج أساسي يتم تدريسه في اليابان منذ مراحل الروضة حتى نهاية المراحل الجامعية، يسمّى مادة «الأخلاق» لها درجات نجاح ورسوب وتأثير على المُعدّل العام للطالب وعلى مُستقبله الوظيفي في مرحلة لاحقة، مشيرة الى ان تلك المادة العلمية التي صِيغت من قبل خبراء في علم النفس والسلوك والقيم الاجتماعية والروحية، تحولت مع مرور الأيام والأعوام إلى سلوك راقٍ عام يندر أن يشذ عنه أحد من سكان اليابان بمن فيهم الذين هاجروا إليها للعمل أو الإقامة الدائمة من دول الشرق المُجاورة أو من القارة الهندية، لأن أي سلوك خارج عن دائرة الأخلاق أصبح مُستهجنًا استهجانًا عامًا يجعل مُرتكبه «يذوب» من الخجل وقد يتعرّض لعقوبات قانونية صارمة، إضافة إلى ما واجهه من ازدراء عام.
وتابعت د. لطيفة أن سر التطور الهائل الذي تحظى به هذه الدولة يكمن في أن اليابانيين قد أعلوا من مكانة الأخلاق في حياتهم فعلاً لا قولاً وجعلوها مقياسًا لما يناله الفرد منهم من تميز ومزايا حتى لو كان عامل نظافة، فالأخلاق هي المقياس الأساسي لا الدرجة العلمية ولا المكانة الاجتماعية ولا المواقع الوظيفية أو المالية.