فورة الماراثونات .. وضمور سباقات المضمار

alarab
رياضة 10 مايو 2015 , 11:26ص
أ ف ب
تتهاوى الأرقام القياسية في سباقات الماراثون الدولية، إذ تشير النتائج إلى أن أفضل 86 رقما من الـ100 الأولى في تاريخ هذا السباق فتية، فعمرها أقل من 7 أعوام.

كما أن الرقم العالمي تحطم 3 مرات في غضون 3 سنوات، و"استقر" في حوزة الكيني دينيس كيموتو على 57ر2ر2 ساعة (8ر54ر2 دقيقة في الكيلومتر) في برلين خلال سبتمبر الماضي.

في المقابل، فإن غالبية الأرقام المئة الأفضل المسجلة في الـ5 آلاف م والـ10 آلاف م، تحققت قبل العام 2009. ما يطرح السؤال عن هجرة "مبرمجة" من المضمار إلى الطريق.

والملفت أن مؤشر "اقتصاد" ألعاب القوى اتجه في السنوات الأخيرة صوب سباقات الطرق. فقد حصد كيموتو عقب فوزه في برلين نحو 500 ألف دولار، ونال مواطنه ويلسون كيبسانغ أكثر من مليون دولار بعدما فرض إيقاعه العام الماضي في لندن ونيويورك. وثروات في "أم الألعاب" لا يستطيع تحصيلها حاليا من أبطال المضمار إلا الجامايكي أوساين بولت. وبالتالي فإن موسما مثمرا لأي عداء كيني أو إثيوبي يجعله طوال حياته في منأى عن العوز.

ويلفت المدرب الإيطالي ريناتو كانوفا، الخبير بأحوال العدائين الأفارقة والذي أشرف على إعداد الإثيوبي كينينيسا بيكيلي، حامل الرقمين العالميين لسباقي 5 آلاف م و10 آلاف م، إلى أن الحالة الاقتصادية هي في صلب هذا التوجه. ففي برامج لقاءات الدوري الماسي تقتصر سباقات المسافات الطويلة على الـ5 آلاف م، وبالتالي من لم يحصد مركزا بين الستة الأوائل فلن ينال مبلغا مجزيا. ويستقطب البريطاني مو فرح أضواء سباقات المضمار للمسافات الطويلة، وكان بيكيلي آخر جامعي الثروات من هذه السباقات.

في المقابل، تمنح سباقات ماراثون "غير شهيرة" مبالغ محترمة على غرار سباق سيول، البالغة جائزته 80 ألف دولار. كما باتت الماراثونات تستهوي شركات التجهيزات والألبسة الرياضية كونها تصنف في خانة رياضة العطلات تحديدا مستهدفة شريحة كبيرة جدا من مزاولي الرياضة.

كما أن موازنة تنظيم ماراثون باريس الأخير الذي فاق عدد المشاركين فيه 40 ألفا، بلغت 5ر6 مليون دولار، وترتفع إلى 20 مليونا في ماراثون نيويورك، أي 6 إلى 10 مرات أكثر من موازنات اللقاءات الدولية التقليدية الكبرى على المضمار، والتي تشهد ضمورا في الآونة الأخيرة.

ولأن الماراثونات باتت منافسات جذابة، أصبح انخراط عدائين شباب من النخبة فيها شائعا. ولم يعودوا ينتظرون انتهاء مسيرتهم على المضمار لينطلقوا في "مغامرتهم" الجديدة.

وساهم في هذا التحول تقنيات التدريب والتعافي السريع بين سباق وآخر، ما جعل هذه السباقات "وجهة ممتعة"، خصوصا بعدما زللت "رهبة" عتبة الـ30 كلم ومعاناتها. فالصمود على طول المسافة وإدارة الجهد لم يعودا مشكلة تقنية. وأضحت الصعوبات محصورة بأداء العضلات وليس بفقدان الطاقة.

ويشير اختصاصيون إلى أن الكيني بول تيرغات والإثيوبي هايله جبريسيلاسي، حاملي الرقم العالمي سابقا، لعبا دورا مميزا في تقليص زمن السباق من 5ر2 ساعة عام 2003 إلى 4ر2 ساعة (59ر3ر2 ساعة) عام 2008. وهي "ثورة" أساسها تلقائية الخطوات الواسعة والسريعة التي اكتسبت من سباقات المضمار، فبات إيقاع التدريب أسرع على كيلومترات أقل، وتدنت المسافة الأسبوعية المجتازة خلال حصص الإعداد من 250 - 270 كلم إلى 200 - 220 كلم، وبالتالي أصبحت السرعة في التدريب قريبة لخطوات السباقات، وفق معادلة زيادة حجم السرعة المكثفة.

لكن الصورة الوردية لازدهار الماراثونات لطختها أخيرا "هوة المنشطات" التي وقع فيها حوالي 30 عداء كينيا في غضون 3 سنوات بينهم ريتا جيبوتو المتصدرة ترتيب سلسلة الماراثونات الستة الكبرى "لندن، وبرلين، ونيويورك، وبوسطن، وشيكاغو، وطوكيو" والروسية ليليا شوبوكوفا الفائزة في ماراثون شيكاغو عام 2010، ما أطلق شكوكا حول صحة الأرقام القياسية المسجلة ومصداقيتها، وأوجد تخوفا لدى المنظمين من أن يدفعوا ملايين لمتنشطين.

ونادت منظمة ماراثون نيويورك ماري ويتنبرغ بـ"تنظيف خطوط الانطلاق"، وقالت "يستقطب مسار ماراثون نيويورك مليوني متفرج، لذا يجب أن تكون الصورة نظيفة. وقد شددنا كثيرا من إجراءاتنا وأبلغنا ذلك إلى العدائين ومدرائهم ووكالائهم".

وفي هذا الإطار، عمد منظمو الماراثونات الكبرى إلى المساهمة في تمويل الفحوص المخبرية لكشف المنشطات، واقترن ذلك بالحزم الذي أبداه الاتحاد الدولي لألعاب القوى والوكالة الدولية لمكافحة المنشطات إزاء العدائين الكينيين ومسؤوليهم. والخطوة الإيجابية جراء ذلك تكمن في المختبر الذي سيباشر أعماله في نيروبي و"يغطي" إفريقيا كلها.

من جهته، يستغرب كانوفا "هذا الهلع" باعتبار أنه باستثناء جيبوتو لم تظهر الفحوصات تنشط أي عداء إفريقي من النخبة. ويعتبر أن كل ما كشف لا يوازي "اللائحة السوداء" لعدائي سباقات المسافات القصيرة. كما أنه لا يتفق في الرأي مع القائلين إن المنشطات تعزز أداء عدائي الماراثون، "فهؤلاء يتدربون في أماكن مرتفعة تؤدي إلى تبدلات فيزيولوجية تحفز مجهودهم". ويضيف "انتقل تيرغات وجبريسيلاسي إلى الماراثون بعد مسيرة حافلة على المضمار فوصلا منهكين. لكن الوضع يختلف مع الذين يختارون هذا الاختصاص منذ مرحلة الشباب".

وعلى سبيل المقارنة، تفيد الأرقام المسجلة منذ 30 عاما بأن مسافة السباق (195ر42 كلم) تربح نحو دقيقة كل 6 سنوات، وبالتالي فإن تحقيق زمن دون الساعتين يتطلب الانتظار حتى عام 2032، أي تصبح السرعة المسجلة "أسرع بكيلومتر".

ووفق الوقائع الميدانية، فإن بلوغ هذا الإنجاز يتطلب عداء أفضل من بيكيلي على مسافة الـ5 آلاف م، ويتمتع بمخزون من قدرة التحمل أعلى من المألوف لدى التحول حاليا من سباقات الـ10 آلاف م إلى الماراثون.

لكن يخشى الانتظار حتى عام 2050 - 2070 على الأقل حتى تنجب الملاعب ظاهرة مماثلة، على غرار بولت في سباقات السرعة، وباعتبار أن بلوغ زمن 59ر59ر1 ساعة في الماراثون يعادل تطور الرقم العالمي بنسبة 47ر2 %، أي كأن يصبح الرقم القياسي لسباق الـ100م (58ر9 ثانية) المسجل باسم بولت، 35ر9 ثانية.