إرهاصات ربيع عربي في السودان

alarab
حول العالم 10 فبراير 2012 , 12:00ص
الخرطوم - رويترز
منذ بضعة أسابيع جلس ناشط بارز من المعارضة السودانية في مكتب بوسط مدينة الخرطوم ليتحدث إلى صحافي، وسارع الشاب إلى إخراج البطارية من هاتفه الجوال. وضع البطارية والهاتف على الطاولة وقال «هذا حتى لا يتعقبوك. أي جهاز أمني من تلك المنتشرة في أنحاء البلاد يمكن أن يلقي القبض عليك». ورغم هذا الخطر قال الناشط من الحركة السرية التي تسمى «التغيير الآن» إنه مقتنع بأن السودان على شفا انتفاضة الربيع العربي الخاصة به. وأدت صعوبة الأوضاع المعيشية وتزايد الغضب من حكومة الرئيس عمر حسن البشير التي تحكم السودان منذ 20 عاما إلى اندلاع احتجاجات صغيرة الحجم في الخرطوم ومدن أخرى. ولا تزال المظاهرات صغيرة جدا إذا قورنت بتلك التي هزت مصر وليبيا. وأحيانا يتجمع نحو 30 شخصا ويرفعون لافتات تندد بالحكومة لبضع دقائق، ثم يختفون قبل أن يصل ضباط أجهزة الأمن. لكن المظاهرات تكررت بمعدلات أعلى في الأشهر القليلة الماضية، والسؤال هو: هل يمكن أن تؤدي إلى شيء أكبر؟ وضع اقتصادي صعب التحدي الاقتصادي الأساس واضح. حين انفصل جنوب السودان عن الشمال العام الماضي خسرت الخرطوم نحو ثلاثة أرباع نفطها وهو مصدر الدخل والعملة الصعبة الرئيس للحكومة. وانخفض سعر الجنيه السوداني نحو %70 دون السعر الرسمي. وبلغ معدل التضخم السنوي %18 بعد ارتفاع أسعار الأغذية المستوردة. كما تستنزف المعارك ضد حركات التمرد في أجزاء عدة من البلاد الشاسعة أموال الحكومة. وفي عام 1985 أدى تضخم أسعار الغذاء إلى الإطاحة بالرئيس جعفر النميري خلال نحو عشرة أيام. لكن الحكومة في الخرطوم تقول اليوم إن الاقتصاد ليس بالسوء الذي كان عليه في الثمانينيات حين كان الناس يضطرون للوقوف في طوابير على مدى أيام ليحصلوا على البنزين والطعام بالبطاقات التموينية. ويقول السودان إنه لن يسير على نهج مصر أو تونس. وقال ربيع عبدالعاطي وهو مسؤول كبير في وزارة الإعلام وفي حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير إن الاقتصاد أفضل كثيرا من عام 1989 حين تولى البشير الحكم. وأضاف أن الوضع في ذلك الحين كان سيئا للغاية وأن الحكومة لديها القدرة على التغلب على كافة الصعاب. وفي الأسبوع الماضي تحدث البشير الذي تطلب المحكمة الجنائية الدولية إلقاء القبض عليه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في التلفزيون الحكومي لنحو ساعتين، وقد بدا عليه الارتياح ليطمئن الشعب بأن الوضع الاقتصادي تحت السيطرة. وقال الرئيس إن السودان لديه برنامج اقتصادي مدته ثلاثة أعوام لكن العام الحالي سيكون الأصعب. مؤشرات على الغضب الشعبي ظاهريا تبدو الحياة في العاصمة الخرطوم طبيعية. تلوح رافعات البناء على ضفتي النيل لتشيد مباني وتمد طرقا جديدة. وتعج المدينة بالعمال الأجانب والخادمات وموظفي الفنادق. لكن هناك مؤشرات متفرقة على تزايد الغضب الشعبي. وفي الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر أغلقت السلطات جامعة الخرطوم مؤقتا بعد أن نظم قرويون نازحون من جراء مشروع لإنشاء سد لتوليد الكهرباء بالطاقة المائية احتجاجا، مما أدى إلى اندلاع أكبر مظاهرات طلابية منذ سنوات. بعد ذلك بأسابيع ظلت الكتابات على الجدران تدعو إلى «الثورة» وتغطي بضعة حوائط قرب الجامعة. وقالت طالبة في قسم تكنولوجيا الكمبيوتر شاركت في الاحتجاج «معظم الناس لم يكترثوا لمظاهرتنا الأولى لأننا كنا جميعا في أجواء الامتحانات». وأضافت أنه حين جاءت الشرطة إلى مساكن الطلبة ذات ليلة لاعتقال بعضهم «أصبح احتجاجا ليس ضد السد وحسب وإنما ضد الفقر والتضخم والأوضاع السيئة للطلبة أيضا». وقالت «كأن الغضب انفجر.. الآن يريدون معاقبتنا بإغلاق الجامعة لكن هذا سيزيد الأمور سوءا. لا نحصل على وظائف بعد التخرج. تكاليف الحياة باهظة. والناس غاضبون جدا». تنظيم الاحتجاجات صعب وحرم استقلال الجنوب السودان الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليون نسمة من نحو 350 ألف برميل يوميا من إجمالي نصف مليون يضخها. ومنذ ذلك الحين انخفضت صادرات النفط التي كانت تمثل %90 من إجمالي صادرات السودان إلى صفر. ولا يخدم الإنتاج في الشمال الذي يبلغ نحو 115 ألف برميل يوميا إلا الاستهلاك المحلي. ويقول علي فيرجي المحلل في معهد ريفت فالي «تنفق البلاد نسبة هائلة من الموارد المتاحة على أجهزة الأمن. في ظل وجود ثلاثة صراعات فإن احتياجات الجيش من الخزانة الوطنية تتزايد. «ورغم اتخاذ بعض إجراءات التقشف فإن هناك رغبة عامة في الحكومة في عدم اتخاذ أي خطوة قد تؤدي إلى استياء شعبي». ولكن كيف يعثر السودان على عائدات جديدة؟ قدرت الخرطوم أن تصدر ذهبا قيمته ثلاثة مليارات دولار عام 2011 علاوة على معادن أخرى بمليار دولار. ويقول عمال في قطاع التعدين إن الأرقام الحقيقية أقل من ثلث هذا. وقال مسؤول تنفيذي أجنبي في مجال التعدين طلب عدم نشر اسمه «لم يستخرج إلا سبعة أطنان من السبعين طنا المتوقعة من إنتاج الذهب لعام 2011 من المناجم المعتادة. الباقي ينتجه الباحثون عن الذهب الذين يصعب التحقق من إنتاجهم الذي يتم تهريبه عادة إلى الخارج في نهاية المطاف». ومنذ فرضت الولايات المتحدة حظرا تجاريا على السودان عام 1997 ابتعدت أغلبية الشركات الغربية عن البلاد. وتشير حركات التمرد داخل البلاد وتوجيه المحكمة الجنائية الدولية الاتهام للبشير إلى أن احتمال انتهاء هذا قريبا غير مرجح. ويشعر كثيرون بالإحباط بسبب أحزاب المعارضة التي يتهمونها بأنها غير فعالة ويدير معظمها حكام سابقون في السبعينيات من العمر. ويقول نشطاء إن حزب الأمة الذي هو حزب المعارضة الرئيس ليست لديه رغبة في الدعوة إلى احتجاجات حاشدة. وقال الصادق المهدي رئيس الحزب مؤخرا إنه يريد أن يرحل البشير. لكن ابنه عين مساعدا رئاسيا في مكتب البشير. وقرر زعماء حزب معارض كبير آخر الانضمام للحكومة.