خبراء يضعون «روشتة» تجنب الدول مخاطر الأزمات المالية

alarab
اقتصاد 09 ديسمبر 2015 , 12:04ص
نور الحملي
تناولت الجلسة الرابعة من جلسات الملتقى العربي الأوروبي الخامس للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، والتي عقدت أمس بالدوحة، التصورات المستقبلية لدور الأجهزة العليا للرقابة في التنبيه من مخاطر حدوث أزمات مالية.

واستعرضت مايسة الجفيري من ديوان المحاسبة بدولة قطر، ورقة عمل ناقشت التصورات المستقبلية لدور الأجهزة العليا للرقابة في القيام بدور فعال لتنبيه الحكومات من مخاطر حدوث الأزمات المالية، معتبرة أن الأزمات المالية تنشأ عندما يكون هناك ضعف في الاقتصاد أو النظام المالي.

وقالت الجفيري: «رغم أن هذا الضعف قد لا يشعل الأزمة المالية فإنه قد يكون السبب الأساسي الذي يسهم في إشعالها، ويتكون هذا الضعف من عوامل عديدة منها: اتساع نطاق التعامل في المشتقات المالية ومنح القروض بغض النظر عن الملاءة المالية للمقترضين، وإخفاق نظم إدارة المخاطر في القطاعات المختلفة في تقدير درجة المخاطر المرتبطة بأعمالها».

وأضافت: «من العوامل الأخرى أيضاً التوسع المفرط في منح القروض العقارية عالية المخاطر، وغياب الرقابة الفاعلة من قبل الهيئات والمؤسسات الرقابية والإشرافية على التعاملات في الأسواق المالية، مما أدى إلى ممارسات غير منضبطة في هذه الأسواق، وضعف كفاءة وأداء مؤسسات التصنيف الائتماني، وغياب الشفافية في التقارير المالية، وعدم الالتزام بالمعايير التي تحكمها».

وأشارت إلى أن هذه العوامل تؤدي في النهاية إلى تفجر الأزمة، معتبرة أن الأزمات المالية في وقتنا الحالي تعتبر شائعة الحدوث في مختلف الدول.

التنبؤ
وتساءلت: هل يمكن التنبؤ بحدوثها؟ لافتة إلى أن هناك عددا من المؤشرات التي قد تتيح لنا فرصة تكوين رؤية واضحة لمخاطر حدوث الأزمات المالية، ومن أهم هذه المؤشرات مؤشرات النسب المالية، بيئة نظم الرقابة الداخلية والحوكمة، كفاءة عمليات التصنيف الائتماني، كفاءة نظم إدارة المخاطر ومدى الالتزام بمعايير المحاسبة الدولية (IFRS).

وأوضحت الجفيري أنه رغم أن تلك المؤشرات لا تمنع حدوث الأزمة فإن من شأنها أن تتيح لنا فهما أفضل لمخاطر حدوث تلك الأزمات المالية.

وعن الدور الذي يمكن أن تضطلع به الأجهزة العليا للرقابة للقيام بدور نظام الإنذار المبكر بينت الجفيري أنه يمكن القيام بهذا الدور من خلال تبني تطبيقات للإنذار المبكر، وذلك من خلال الاستفادة من مؤشرات الإنذار المبكر، التي يتم تطبيقها بواسطة صندوق النقد الدولي ومجلس الاستقرار المالي.

وقالت: «يتم ذلك من خلال إقامة شراكات مع مثل هذه المنظمات، وكذلك الرقابة على استدامة المالية العامة (القدرة على سداد الالتزامات والاستمرارية)، خصوصا أن الحكومات تحتاج من أجل تحقيق الاستدامة المالية العامة والحفاظ عليها على المدى الطويل لسياسات مالية سليمة. ويمكن للأجهزة الرقابية أن تلعب دوراً مهما في هذا الشأن من خلال ضمان وجود لوائح وسياسات مالية فعالة بالجهات الخاضعة للرقابة والامتثال لها، الرقابة على الدعم والضمانات الحكومية وتعزيز مبدأ المساءلة بشأن الاستقرار المالي».

وأشارت إلى أن رقابة الأجهزة العليا على البنوك المركزية تلعب دوراً مهما في هذا الجانب لما لهذه لمؤسسات من دور حيوي في تحقيق الاستقرار المالي والمصرفي من خلال الأعمال الإشرافية التي تمارسها على القطاع المصرفي والمالي، والتدابير الوقائية التي تتخذها للحفاظ على الاستقرار المالي ومواجهة الأزمات المالية.

ونوهت بأهمية أن يشمل نطاق الرقابة الذي تمارسه الأجهزة العليا للرقابة أداء هذه البنوك، إذ يشير الانحراف المستمر إلى احتمالية أزمة مقبلة، وتشجيع إصدار تقارير مالية شاملة وشفافة وموثوق بها، حيث إن الدروس المستفادة من الأزمات المالية كشفت أهمية توفر نظم وتقارير مالية تتسم بالشفافية والموثوقية، والتفاعل المستمر بين الأجهزة العليا للرقابة ومجلس معايير المحاسبة الدولية، والرقابة على سير أعمال هيئات التصنيف الائتماني.

الإشراف والرقابة
وشددت الجفيري على أنه يتعين على الأجهزة العليا للرقابة ممارسة نوع من الإشراف والرقابة على أعمال تلك المؤسسات، لاعتماد المستثمرين بشكل كبير على التقييمات التي تصدرها، وضرورة الاستفادة من المؤشرات الاقتصادية، حيث يمكن للأجهزة العليا للرقابة الاستفادة من التقارير الصادرة عن البنوك المركزية والجهات الأخرى، بشأن الناتج المحلي والناتج القومي والتضخم والبطالة لإجراء مزيد من التحليل والتقييم للحالة الاقتصادية العامة على مستوى الدولة، بالإضافة إلى ضرورة تبادل المعلومات في مجال مكافحة الفساد وغسيل الأموال.

واعتبرت أن أهم التحديات التي تواجه الأجهزة العليا للرقابة والمعوقات المحتملة للقيام بهذا الدور، تتمثل في عدم كفاية الصلاحيات التي تتمتع بها الأجهزة الرقابية لتنفيذ مهمات الرقابة على مثل هذه المسائل المطروحة، ورفع التقارير بشأنها، أو عدم كفاية الموارد البشرية، والخبرات التخصصية اللازمة، والأدوات الرقابية الأخرى.

وأكدت أنه يتعين بذل كافة الجهود للتغلب على هذه التحديات، وإرساء التعاون الدائم بين الهيئات التنظيمية والإشرافية والرقابية المختلفة على الصعيدين الوطني والدولي، وبهذا يكون للأجهزة العليا للرقابة دور ملموس في التحذير من مخاطر الأزمة المالية المحتملة.

مواجهة الثغرات

من جانبه تناول جيولا بولاي من الجهاز الأعلى للرقابة في هنغاريا، ورقة تناولت دور الأجهزة العليا للرقابة في التنبؤ والتحذير من الأزمات المالية التي شبهها بالفيضانات، التي تسببت في انهيار السدود، مشيراً إلى أن الثقوب والثغرات في المالية العامة تتسبب في حدوث الأزمات المالية.

وشدد بولاي على أهمية أن تعمل الأجهزة الرقابية على التأكد من سلامة وقوة النظام المالي وقدرته على مواجهة الأزمات، وكذلك التنبيه على المخاطر التي تأتي من الثغرات في هذا النظام.

وأضاف أن الأجهزة الرقابية مسؤولة عن تحديد المخاطر المالية وتعزيز قوة النظام المالي، وذلك من خلال الدراسة والتحليل لتحديد أية ثغرات، معتبراً أن ديوان المحاسبة الهنغاري يضطلع بدور كبير في حماية المال العام من خلال الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها من خلال إشرافه على الميزانية العامة ووضع سياسات هذه الميزانية وتدقيق الحسابات النهائية والإشراف على تنفيذ الميزانية وتحليل ودراسة المخاطر على مدار العام.

الاقتصاد الوهمي
أما عبدالعزيز الرشيدي من ديوان المحاسبة بدولة الكويت، فقد أكد أن أهم أسباب الأزمات المالية هو التحول من الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي إلى اقتصاد وهمي يقوم على ضخ أموال هائلة في الأسواق المالية أدى إلى تضخم هذه الأسواق بصورة غير حقيقية، مشيراً إلى أن حجم هذه الأموال في الأسواق خلال الأزمة المالية الأخيرة 2008 بلغ 60 تريليون دولار، وهو ما أدى إلى اتساع الكتلة النقدية على حساب الكتلة السلعية.

وأوضح الرشيدي أنه على الأجهزة الرقابية تطوير واستخدام مؤشرات للإنذار المبكر للتنبيه على المخاطر، تساعد متخذي القرار في اتخاذ الإجراءات الاستباقية على أن تكون هذه المؤشرات دائمة ومستمرة، وكذلك إصدار التشريعات لتعزيز العمل الرقابي، وتأسيس وتدعيم إدارة المخاطر، ووضع الخطط والاستراتيجيات لتجنب المخاطر، وتفعيل دور إدارات التدقيق الداخلي، ودعم وتفعيل نظام الحوكمة، بالإضافة إلى وضع الأجهزة العليا للرقابة لمعايير التزام مختلف الجهات بنظام الحوكمة، وإعطاء المزيد من الصلاحيات للأجهزة الرقابية للقيام بدور أكبر وباستقلالية تامة.

وأوصى الرشيدي بضرورة تسهيل تبادل المعلومات بين مختلف الأجهزة الرقابية، وإعادة النظر في اللوائح والاستراتيجيات بما يتوافق مع المتغيرات العالمية، ووضع قيود على المشتقات المالية والمضاربات في الأسواق المالية، وتأهيل وتدريب المدققين، ووضع دليل لتنبؤ الأجهزة الرقابية بالأزمات، وتطوير المؤشرات بشكل مشترك وتعزيز التعاون الدولي في مجال التدقيق.

الشفافية
من جهته، تناول الدكتور ريساي عقيل رئيس محكمة الحسابات التركية، دور الأجهزة العليا للرقابة في تعزيز الاستقرار المالي، مشيراً إلى أن تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية تصيب جميع الدول في العالم، وبالتالي هناك تطلع أكبر لدور الأجهزة الرقابية في الاستقرار المالي والتنبيه على المخاطر، وزيادة المحاسبة والشفافية والتنبيه على المخاطر.

بينما ركزت الجلسة الخامسة من جلسات الملتقى العربي الأوروبي الخامس للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، على استعراض تجارب بعض الدول في مواجهة الأزمات المالية والطرق التي اتخذتها في الخروج بسلام من هذه الأزمات.

تجارب عملية
وقال السيد عادل بن عبدالعزيز الصرعاوي رئيس ديوان المحاسبة في الكويت ورئيس المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة (الأرابوساي)، والذي ترأس هذه الجلسة، إن استعراض تجارب هذه الدول له أهمية خاصة فيما يتعلق بالاستفادة من هذه التجارب العملية، والتي تم تطبيقها على أرض الواقع، بما يعود بالنفع على التوصيات الصادرة عن الملتقى في هذا الشأن.

وشدد الصرعاوي على دور الأجهزة العليا للرقابة، في الرقابة على تنفيذ خطط الإنقاذ المالي، وأهمية تدخل أجهزة الرقابة الحكومية في الرقابة على تنفيذ خطط الإنقاذ المالي للتحقق من أن تلك الأموال أنفقت فعلاً في المكان الصحيح، وفي الغرض الذي خصصت له.

كما أكد دور الأجهزة العليا للرقابة في التحذير من مخاطر حدوث أزمات مالية، بالإضافة إلى ضرورة تحديث المعايير والإجراءات التي تسهم في إحكام ضبط التصرفات للمؤسسات والأفراد وتفعيل وحدات الرقابة الداخلية ضمن كل جهة وفق صلاحيات واسعة ومزودة بالإمكانات البشرية والمادية التي تسهم في أداء دورها بفعالية، وتسهم في دعم الدور الرقابي الذي تقوم به الأجهزة الرقابية والتعاون الفاعل مع الجهات المختصة محليا وإقليميا ودوليا.

أنواع الرقابة
وفي استعراضه للتجربة المصرية في هذا الصدد، قال محمود أبو حمدة وكيل وزارة بالجهاز المركزي للمحاسبات في جمهورية مصر العربية، إن الأخير يقوم بثلاثة أنواع من الرقابة، وهي الرقابة المالية، ورقابة تقييم الأداء والرقابة القانونية، مشيراً إلى أن هناك مؤشرات محددة للقطاع العام والخاص لتقييم الأداء وتحديد مدى سيرها في الإطار الصحيح بما يتفق مع المعايير المطلوبة.

وأشار إلى أن الجهاز المركزي للمحاسبات يقوم بتعيين مستشارين في أجهزة الرقابة المالية، ليقوموا بدورهم في فحص القوائم المالية والمحاسبة الابتكارية لدى البنوك، مؤكداً أن هذه القواعد تحد من أي تلاعب في النظام المصرفي.

وأضاف أن المركزي للمحاسبات له دور كبير أيضاً في الموازنة العامة للدولة، مشيراً إلى أنه يقوم بدراسة القوائم المالية والموازنة العامة وتحديد النتائج والحساب الختامي والرد على البرلمان ومناقشته، بالإضافة إلى دوره في تقييم أداء الحكومة ومدى رضا الجمهور عن الحكومة، حيث يقوم المركزي للمحاسبات بعرض كافة هذه التقارير على مجلس النواب لمناقشتها جميعاً.

فنلندا
من جانبه، استعرض ماتي فيندينكاناس ممثل الجهاز الأعلى للرقابة في جمهورية فنلندا تجربة الأخيرة في إدارة الأصول، مشيراً إلى أن بلاده كانت من أولى الدول التي لجأت إلى إدارة الأصول في أوروبا، وذلك في ثمانينيات القرن الماضي.

وقال فيندينكاناس إن فنلندا لجأت إلى تأسيس مؤسسة «أرسنال» لإدارة الأصول، وذلك على خلفية الأزمة التي مرت بها بلاده في هذا الوقت، والذي مس القطاع المصرفي بكامله، حيث بدأت الرساميل في التزايد ومعها زادت المديونيات في الارتفاع وارتفاع قيم العملات الصعبة، مما أدى إلى انكماش في اقتصاد فنلندا في التسعينيات، وتراجع الأداء المصرفي بشكل عام.

وأضاف: «من أجل التخفيف من آثار هذه الأزمة قامت الدولة بتأسيس شركة أرسنال لإدارة الأصول، والتي كان لها الفضل في الخروج من هذه الأزمة بطريقة آمنة، حيث قمنا بإدراج مبدأ المقاصة في عملياتنا وضمنت لنا هذه الشركة مرونة العمليات المالية وأعمال الأفراد والشركات».

من جانبه استعرض فوجار جولمامادوف رئيس مجلس المحاسبات في جمهورية أذربيجان تجربة بلاده في الإدارة الرشيدة للميزانية العامة للدولة ومعايير الدين العام، بالإضافة إلى إعداد المؤشرات الرئيسية للتنبؤ بالأوضاع الاقتصادية المستقبلية.

وتحدث في هذا الصدد عن توجه بلاده إلى إنشاء مؤسسات بديلة كجهات مالية مستقلة لتقديم تقارير حول الملاءة المالية للدولة، بالإضافة إلى تطوير أجهزة المراقبة بما يسمح لها بمواجهة الأزمات ومكافحتها.