يوجد شبه إجماع بين دارسي الشعر النبطي على أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى الأنباط، وهم ثلة من العرب سكنت شمال جزيرة العرب وجنوب الشام (حوران والأردن وفلسطين وسيناء)، وكونت لها دولة قوية، وحضارة زاهرة عظيمة، راقية تشهد بها عاصمة ملكهم، البتراء، وأطلالها الباقية إلى الآن في بادية الأردن فيما ينسبه البعض إلى نبط العراق.
ومن هنا لا يمكن تجاهل الشعر النبطي ودوره الوطني وتاريخه الموروث في العالم العربي، حيث قدم شعراء النبط مدونة شعرية هائلة متنوعة الأغراض والأفكار على مر التاريخ، كما تميزت هذه المدونة بفنون موسيقية وألحان عذبة لا يمكن أن تستقيم دون الشعر النبطي.
ولكن على الرغم من كثرة الإبداع العربي والخليجي خاصة لهذا النوع من الشعر..يأتي السؤال الذي تطرحه «العرب» هل تواكب الشعر النبطي حركة نقدية علمية لهذا النوع من الشعر؟ ولماذا غابت الحركة النقدية عنه؟ وهل ما نراه من تعقيبات في المسابقات الشعرية وخاصة مسابقة مثايل التي تجريها وزارة الثقافة حاليا يمكن أن يكون بديلا لحركة نقدية تسهم في تطويره؟ حاولنا الإجابة عن هذه التساؤلات مع الشعراء والنقاد المختصين.
نقد محايد
يرى الشاعر القطري عبد الحميد اليوسف في حديثه لـ «العرب» أن الحركة النقدية موجودة دائما، ولكنها غير ظاهرة لأنها بين الشعراء وفي المجالس، وتوجد بين كبار الشعراء والمبتدئين الذين يحاولون أن يكتبوا الشعر النبطي ويتأثرون بمن سبقهم. نعم، فهناك دائما توجيه على نطاقات كثيرة للشعراء سواء كانوا مبتدئين أو شعراء يستطيعون الكتابة بطريقة جيدة، أو حتى الشعراء المحترفين، أما مسابقة « مثايل «، فتركز على القيم من خلال الشعر النبطي، كما تقدم نقدا محايدا من لجنة التحكيم من خلال خمسة نقاد شعراء أصلا يكتبون القصيدة النبطية، فهم ينظرون للقصيدة بعيني الشاعر والناقد وهذه المشاهدة للمسابقة التي نراها على نطاق واسع وحصول الشاعر على النقد أمام جمهور بشكل محايد، ما يساهم في تعزيز هذه الحركة النقدية، وبالتأكيد الشعر النبطي في حاجة إلى التوجيه والنقد البناء.
اهتمام بـ «الفصيح»
قال الشاعر والناقد الكويتي الدكتور مشعل الزعبي: هناك حركة نقدية تواكب الشعر الفصيح أكثر من النبطي ويرجع ذلك لاتساع الرقعة الجغرافية التي تتحدث وتفهم هذه اللغة الفصحى، بخلاف الشعر النبطي الذي يقتصر ربما على الجزيرة العربية وبعض الدول الأخرى أيضا، إلى جانب التراكم الزمني للشعر الفصيح قديم، والحركة النقدية فيه أيضا أخذت مئات السنوات، بخلاف الشعر النبطي.
وأضاف أن المسابقات اليوم هي وجه من وجوه الحركة النقدية مختلفة عن الأدوات السابقة، والمسابقات الشعرية في الشعر النبطي، أضحى بها ثقافة نقدية لدى الجمهور، فما تقدمه لجان التحكيم في مسابقة مثل «مثايل» يسهم في في الحركة النقدية في الشعر النبطي، داعياً إلى أن حركة النقد للشعر النبطي تحتاج إلى جهود مؤسسات وخاصة التعليمية بحيث يتم تدريس هذه المواد حتى وأن كانت في مناهج مستقلة.
غياب النقاد الأكاديميين
أكد الشاعر والناقد العماني حمود بن وهقة أن الشعر النبطي يعاني عدم وجود حركة نقدية تواكبه، لعدم وجود نقاد أكاديميين، أو اهتمام به في مرحلة الدراسات العليا، وان كانت هناك بعض الدراسات التي قدمت، ولكنها غير كافية، ما يظهر أن ما يقدم من دراسات نقدية يبقى انطباعيا أكثر منه علميا. وأضاف أن الشعر النبطي يرتبط بالفطرة، لكن تكنيكيات الشعر موجودة، وهي يعني مثل تقنيات الشعر الفصيح تماما، لا يختلفان عن بعض، فمن يقيم الشعر الفصيح يستطيع تقييم الشعر النبطي، فمن يحب الشعر يعني سيعرف الجيد من الرديء.
مدارس نقدية غربية
وأرجع الشاعر القطري سعيد علي الدحابيب افتقاد الشعر النبطي لحركة نقدية تواكبه إلى العديد من الأسباب من أهمها اتباع النقاد مدارس نقدية غربية يتم بسطها على الشعر الفصيح ؛في حين يصعب تطبيقها على الشعر النبطي، مثل الارتباط بقواعد اللغة من نحو وصرف بخلاف الوزن الذي يكون متأصلا في النوعين وان كان اعتماد النبطي على غير الوزن والقافية.
وأضاف أن المسابقات حاليا نافذة قوية تفرز الشعراء المجيدين وتخرج في نفس الوقت شعراء جددا يجددون حركة الشعر النبطي. وأكد الدحابيب أن قطر قدمت لحركة الشعر النبطي الكثير من خلال العديد من المسابقات من أبرزها مثايل وكذلك جائزة كتارا شاعر الرسول التي تخصص فرعا للشعر النبطي.
وقال إن من بين مشكلات الشعر النبطي التي تجعله أيضا بعيدا عن الحركة النقدية هو عدم طباعة للدواوين الشعرية وبالتالي غاب النقد وأصبح مجرد انطباعات شخصية يتم فيها التركيز على الصورة الشعرية، ولكنها تكون متغيرة من شخص إلى آخر، فهناك من يحب الومضات وهناك من يحب الرمزية.
رفع المستوى
قال الشاعر السعودي فيصل نماس الرياحي والمتأهل إلى نهائي مسابقة مثايل «إن المسابقات الشعرية ومتابعتها نقديا يؤدي إلى رفع مستوى الشعر في الخليج العربي وفي العالم العربي، خاصة مع صقل المواهب والاحتكاك بالشعراء، فهذه الأمور تساهم في تطوير الموهبة للشاعر بالإضافة إلى النقد ممكن يعزز الموهبة، لافتا إلى أن المسابقات الحالية خاصة مثايل تجعل من النقد للشعر النبطي مواكبا له.