أكد عبد العزيز بن محمد الرواس، مستشار السلطان قابوس بن سعيد للشؤون الثقافية، أن المهلب بن أبي صفرة الأزدي والي خراسان في عهد الأمويين من أصل عُماني، مطالباً بـ "وقف الاعتداء على الأسلاف وتاريخهم".
وأشاد الرواس، خلال كلمته في ندوة دولية في جامعة نزوى بعنوان "المهلب بن أبي صفرة الأزدي العُماني"، بالدور الكبير الذي قام به المهلب بن أبي صفرة في الفتوحات الإسلامية، وفي القضاء على خطر الأزارقة.
وتهدف الندوة إلى رسم صورة واضحة لحياة المهلب بن أبي صفرة، وإبراز دوره العسكري والسياسي، ودور آبائه في عُمان والحجاز والعراق وإفريقيا وجرجان، ودراسة الأدوار التاريخية للمهالبة وتحديد معالمهم الأثرية في ولاية أدم بمحافظة الداخلية.
وقال مستشار السلطان قابوس: إن تتبّع نسب المهلب بن أبي صفرة ورصد ما كتبته المراجع التاريخية المتقدمة عنه، يؤكد أنه "عُماني"، مطالباً بـ "وقف الاعتداء على الأسلاف وتاريخهم".
وأضاف أن التاريخ ليس إرثاً لأحد، ولكن الشخصيات تعود لأوطانها وانتمائها.
وأكد الرواس أنه "تمنّى أن تكون ندوة المهلب بن أبي صفرة هذه لمدّ جسور الحوار مع الآخرين، ليكونوا جزءاً من هذه الأرض الطيبة التي تحتوي الكثير، لكنهم تركوا عُمانيتهم وذهبوا لشيء آخر، تاهوا في الأرض أربعين عاماً وعادوا الآن مرة أخرى يريدون أن يكونوا عُمانيين"، مضيفاً: "على الرحب والسعة.. ولكن يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها ونعطي الحق لأصحابه"، وذلك في إشارة إلى ادعاءات دولة الإمارات بأن المهلب بن أبي صفرة "إماراتي".
وقال الرواس، في تصريحات للصحافيين بعد انتهاء الندوة: "الاعتداء على الأموات ليس من شيم الكرام، ونحن هنا لنصرة الحق والتاريخ الممتد من مالك بن فهم إلى عهد السلطان قابوس"، مناشداً الجميع: "كفى اعتداء على الأموات".
كذلك، دعا الدكتور محمد بن ناصر المحروقي، مدير مركز الفراهيدي في جامعة "نزوى" بعُمان، الجامعات والمراكز البحثية الحكومية والأهلية إلى توثيق التراث وحفظه وعرضه للداخل والخارج في عُمان والعالم، وتكثيف العمل لتقديم هذا التراث للنشء حفاظاً على الهوية والأصالة المميزة لعُمان.
واعتبر المحروقي، خلال كلمته الافتتاحية للندوة، أن الانقطاع عن التراث "خيار من لا خيار له"، داعياً إلى إنشاء صندوق وقفي يساهم فيه الجميع ليكون داعماً لهذه الجهود، على أن يسخّر ريع هذا الوقف لتمويل الأبحاث العلمية.
من جانبه، قدّم الدكتور سعيد بن محمد الهاشمي، من قسم التاريخ في جامعة السلطان قابوس، إضاءات من التاريخ العُماني تحدّث فيها عن جغرافيا عُمان، مشيراً إلى أنها كانت تمتد إلى منطقة سلوى وأرض البينونة التي تفصل بين الأحساء وعُمان، وحدّد موقعها بالخط 50 شرقاً وفق اعتماد الدولة العثمانية وبريطانيا عام 1913، وفي الجنوب إلى بلاد الشحر.
واستعار الهاشمي مقولة للمقدسي تقول: "عُمان كبيرة وعرضها 50 فرسخاً"، ومن ابن خلدون قوله: "عُمان إقليم سلطاني يمتد إلى البحرين وحضرموت".
واستعرض الهاشمي إضاءات موجزة وعميقة عن المراحل الفاصلة في التاريخ العُماني؛ الأولى: كانت عن وصول مالك بن فهم إلى عُمان وتحريرها من الاحتلال الفارسي في معركتي سلوت وقلهات، ثم دخول الإسلام لعُمان. والثانية: في القرن الثالث الهجري التي ظهرت فيها كتب فكرية وفقهية، ونظام إداري، وصناعة تمثّلت في صناعة السفن، وتوحيد عُمان تحت راية الصلت بن مالك الخروصي وتحرير سقطرى. والإضاءة الثالثة: دولة اليعاربة التي نجحت في طرد البرتغاليين ليس من عُمان والخليج فحسب، بل من المحيط الهندي. والإضاءة الرابعة كانت في عهد الإمام أحمد بن سعيد الذي أعاد توحيد عُمان بعد أن ساد الدولة الضعف في نهاية حكم اليعاربة، والخامسة هي الإمبراطورية العُمانية في عهد السيد سعيد بن سلطان حيث ظهرت كتب كثيرة. والإضاءة الأخيرة وهي النهضة العُمانية الحديثة التي قادها السلطان قابوس.
فيما استعرض البروفيسور فاروق عمر حسين فوزي، دور آل المهلب بن أبي صفرة في المشرق الإسلامي خلال العصر الأموي، مشيراً إلى جهوده في القضاء على الخوارج الأزارقة.
وأكد فوزي، خلال كلمته، أن المهلب لم يكن يتدخل في الفتن التي كانت سائدة في ذلك الوقت والتي ظهرت بين القبائل؛ حيث عزل نفسه عن الفتنة في زمن عبدالله بن الزبير، وكذلك عزل جماعته الأزد؛ لكنه أشار إلى أن المهلب بن أبي صفرة عندما كان يكلّف بمهمة عسكرية من قِبل الدولة القائمة في ذلك الوقت كان ينفذها، ثم بعد ذلك يعود إلى قاعدته البصرة.
وأشار الباحث إلى أن عبدالملك بن مروان أوصى الحجاج بالمهلب، وأمره أن يعتمد عليه بصفته مستشاراً، الأمر الذي لم يعجب الحجاج لأنه رأى في ذلك تمكينه فوقه، فيما كان المهلب متزناً في مواقفه.
وقدّم الباحث جمال بن محمد الكندي قراءة في تاريخ آل المهلب، من خلال استقراء المسكوكات الإسلامية، مؤكداً في بداية حديثه على دور مثل هذه الآثار في قراءة التاريخ وفي كشف الحقائق، نظراً لما تتسم به من قطعية الدلالة.
وقال الكندي: "تُعتبر النقود بصفة عامة، والمسكوكات الإسلامية بصفة خاصة، من أقوي وأهم أشكال الوثائق الأخرى: الحجرية والجلدية والخشبية والورقية". ثم تحدّث عن أبرز المسكوكات التي سكّها المهالبة، والتي كان في مقدمتها "درهم المهلب بن أبي صفرة" الذي ضُرب في بيشابور سنة 76 للهجرة.
موضحاً أن هذا الدرهم من الطراز الساساني المعرّب عليه اسم "المهلب" باللغة الفهلوية. والتعريب هو إضافة المأثورات مثل: بسم الله - الله أكبر - ربي الله - الحمد لله، وكذلك شهادة التوحيد؛ على طوق الدرهم الخارجي "المهمش".
وأضاف الكندي أن هذا يُثبت أهمية المهلب كونه أحد كبار قادة الجيوش، وهو أمير وسياسي محنّك، يشدّ أزره أتباعه من قبائل الأزد العُمانية.
وانتقل بعدها للحديث عن درهم "يزيد بن المهلب"، قائلاً إنه درهم ساساني معرّب أيضاً، ومسكوك في كرمان ومكتوب عليه "قوة يزيد بالله"، ثم عرض درهماً آخر ليزيد مكتوب عليه هذه المرة باللغة العربية اسم يزيد بن المهلب، وهو مسكوك عام 84 هجرية. ثم عرض فلساً لروح بن حاتم ضُرب في صحار سنة 141 للهجرة، وروح بن حاتم هو من أحفاد المهلب بن أبي صفرة وكان والياً على صحار.
وفلس روح بن حاتم محفوظ في جامعة توبنجن الألمانية، ويعدّ من النوادر، ويدل على دور آل المهلب في عُمان. وروح بن حاتم تم تعيينه من قِبل الخليفة العباسي عبدالله السفاح في بداية حكمه سنة 132 للهجرة بعد القضاء على دولة بني أمية، بمساندة من آل المهلب.
ومن المرجّح أن هذا السكّ وقع بعد استشهاد الإمام الجلندي بن مسعود.