صالح غريب: «عين محمد» أصبحت مزاراً للمواطنين والسياح
عيسى النصر: معالمها المبنية من الطين تحمل قيمة تراثية
أشاد مواطنون بجهود إحياء بعض القرى والمناطق الأثرية في الدولة التي تبذلها «هيئة متاحف قطر، وشملت حتى الآن قرية المفير وقرية عين محمد قرب الزبارة والتي ساهمت في الحفاظ على طابع مبانيها التراثي، منوهين بضرورة توسعة خارطة المناطق السياحية التراثية في الدولة من خلال الاهتمام بباقي القرى والمناطق التراثية لأهميتها الخاصة وما تقدمه عن البيئة الحضرية التي كانت مزدهرة في الماضي، وإعادة الحياة لها لضمان نقل هذا الإرث إلى الأجيال المقبلة من خلال توثيق التاريخ العمراني لتلك المباني وترميمها وفقًا للمعايير الدولية.
وأكدوا لـ «العرب» أن العديد من تلك المباني والمناطق الأثرية التي بقيت صامدة أمام الظروف الطبيعية تعد وجهة تراثية وسياحية لضيوف مونديال قطر2022 فيما تنتظر القرى التراثية الأخرى الإهتمام من جهات الإختصاص، نظراً لأنها تمثل بيئة قطر المعمارية القديمة في بساطتها وألفة مبانيها، فضلاً عن رمزيتها لدى المواطنين وإمكانية إعادة «إحيائها»، أو جعلها مزاراً سياحياً يروي تاريخ قطر وشاهداً على «زمن الطفرة» وبساطة الحياة التي لن تعود، داعين إلى الترويج السياحي لها بالشكل المطلوب لجذب المواطنين والسائحين بما فيها تنظيم الرحلات المدرسية وإقامة فعاليات ومهرجانات تراثية في تلك المناطق للترويج لها داخلياً وخارجياً.
وتضم جغرافية قطر العديد من القرى التراثية التي هجرها أهلها بالكامل حتى لا يفوتهم «قطار التنمية» الذي انطلق في العاصمة والمدن الكبرى، ويقع العديد من هذه القرى الأثرية القديمة على طول الساحل الشمالي، مثل قرية الغارية المطلة على البحر وتضم عشرات المنازل بينها مسجد ومدرسة، بعضها ما زال بحالة جيدة بينما تهدم بعضها الآخر ولم يتبق منه سوى الأطلال. وقرية الجميل الواقعة في الشمال الغربي من مدينة بوظلوف وهي قرية صغيرة تراثية تعتبر إحدى الوجهات المفضلة للمواطنين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع وذلك لما تحمله من دلالات تراثية وتاريخية وجذور الأسلاف. وتوجد في القرية مجموعة من المباني التقليدية المهمة، بما في ذلك مسجدا صغيرا لا يزال يحتفظ بمنارته سليمة، وغير بعيد منها قرى الخوير - العريش – الجفاره وهي من أقدم القرى التراثية.
مزار سياحي
وأعرب الكاتب والإعلامي صالح غريب عن سعادته بافتتاح قرية «عين محمد» التراثية الواقعة شمال قطر، وإعادة توظيفها كموقع للأنشطة الفنية والتراثية التقليدية، مؤكداً أنها أصبحت مزاراً لعدد من المواطنين والسياح الأجانب الذين يترددون على هذه القرية لتأمل هذه الأعمال الجديدة المتميزة والتعرف على المناظر الطبيعية والتاريخ الطبيعي لدولة قطر ويتوصلون إلى فهم أفضل للتنوع الثقافي فيها.
وأكد غريب أن تطوير وتأهيل القرى التراثية مطلب حيوي ومهم، طالما نادى به عبر العديد من المنابر أو المواقع التي كان يشغلها، لتكون نقاطاً جاذبة للسياحة وإرثاً للأجيال القادمة، منوهاً بدور هيئة متاحف قطر في إعادة وترميم وتطوير هذه القرى وتعزيز دورها في المجتمع المحلي والسياحي.
وأعرب عن أمله في إعادة تأهيل المزيد من القرى والمناطق الأثرية والتراثية، كونها تمثل حقبة تاريخية ومرحلة ومسيرة مهمة لما شهدته بلادنا من تطور ونماء، مؤكداً أن تأهيلها يمثل امتداداً وربطاً للماضي بالحاضر، وسرداً تاريخياً يروي مسيرة الوطن من البساطة إلى الحداثة، مشيرا إلى أن الترميم يضفي عليها لمسة جمالية خاصة، مع الحفاظ على طابعها الأصلي المميز وعمقها التراثي المحلي، الذي يعكس هوية المكان وثقافته وماضيه.
قيمة تراثية
من جانبه، دعا عيسى محمد النصر الجهات المسؤولة لتبني مشروع وطني لترميم الأماكن التراثية والقرى الأثرية الواقعة في شمال وجنوب قطر، والتي غالباً ما تكون مهجورة بعد أن رحل عنها أهلها لتبدل ظروف المعيشة وتغير أنماط الحياة، وإعادة الحياة لها والعناية بها بتوجيه رسمي ترعاه وتتبناه الدولة ممثلة بالمجلس الوطني للسياحة وليس بمجرد جهود فردية وتطوعية لضمان نجاح المشروع.
أضاف النصر لـ العرب ان الوعي بالحفاظ على القرى التراثية وإعادة ترميمها يزداد بين أهالي قطر وهنالك توجه من الدولة بإعادة ترميم هذه المناطق إلا أن التركيز على تنميتها ما زال دون المأمول مشيرا ان معالمها المبنية من الطين تحمل قيمة تراثية لأنها تحتفظ بتاريخ المكان وطرائق أهله الأوائل في مكابدة الحياة وابتكار سبلهم وأنماطهم المخصوصة والمتعددة لمواجهة متطلبات المعيشة في الزمن القديم.
وأكد النصر أن المناطق الأثرية والتراثية في قطر متنوعة وكثيرة إلا أنها تفتقد لعنصر الترويج الداخلي والخارجي لها وهنالك العديد من هذه المناطق مثل الجميلية والصنع والعامرة والزور والعريق في الجهة الجنوبية وكلها تنتظر اعادة ترميمها وتشجيع إقامة فعاليات تراثية وترفيهية فيها حيث شكل ذلك عامل جذب لكثير من الزوار.
لجنة إشرافية
من جانبه قال عبدالرحمن ابراهيم ان القرى القطرية تتميز بطبيعتها الجميلة التي جسدت حياة الإنسان القطري في الماضي، ببساطتها وقسوتها، وبينت مدى تكيفه مع البيئة المحيطة واستثمار موارد الطبيعة حيث الأبنية الأثرية قائمة على الطين والجبس، وكان البناء بالطين يماثل جودة «العزل الحراري» في وقتنا الحالي، معربا عن أمله بإعادة ترميم القرى الاثرية قبل موعد كأس العالم 2022 لأنها مزارات مهمة تحكي تاريخ قطر في الماضي مؤكدا أن الارتقاء بالقرى والمواقع الأثرية والقلاع التراثية يحتاج إلى لجنة إشرافية تعيد إحياء هذه المعالم بالصورة المطلوبة بإدراك معنى قيمة التراث والحرص على وضع خطط واضحة لاستغلالها بصورة سليمة، وأشار إلى نقص العديد من الخدمات والمرافق التي تخدم المواقع الأثرية، مثل المطاعم والمتنزهات القريبة لجذب الزوّار، فضلاً عن نقص الرقابة على سلامة تلك المواقع من التشويه المتعمّد مشيراً إلى أهمية الزيارات المدرسية إلى المواقع الأثرية لتعريف الأبناء بها في الوقت الحالي لا سيما بعد تحسن الأجواء وانخفاض درجات الحرارة خلال أشهر الخريف والشتاء، فضلاً عن ضرورة افتتاح أقسام بالكليات للسياحة والآثار والتنقيب عن الآثار والترويج والإرشاد السياحي لتخريج كوادر مؤهلة لتلك المهام.
الهدم والإزالة
وقال ناصر الكعبي: منذ عام ١٩٨٠ ونحن ننادي بإعادة ترميم القرى التراثية القديمة وقد تم تشكيل لجنة خاصة بالموضوع ولعلها لم تجتمع لعدم وجود جدية أو ربما لأن الأمر أوكل لغير أهله. جغرافية قطر تضم في جنباتها قرى كاملة كانت عامرة بأهلها أيام البساطة وصعوبة الحياة، بعد الخير اندثرت واهملت نتيجة انتقال الناس للعمل بالعاصمة وهو أمر معاكس لطبيعة التطور. بل إن بعضها هدمته وزارة البلدية في ثمانينات القرن الماضي، ومحته من الوجود.
فيما قال فهد الكعبي إن الكثير من القرى القطرية تم بناؤها في أواخر الخمسينات عندما بدأ اكتشاف البترول في البلاد، وكانت الخور في البداية تستقطب العديد من العائلات حيث يقضي الناس فترات الصيف علي الشواطئ بجانب أماكن صيد اللؤلؤ، ثم ينتقلون إلى البر في فترة الشتاء حيث يكثر المرعى وتتوفر مياه الامطار التي تلائم حياة رعي الاغنام والابل. كان الناس لا يستقرون في إقامتهم في مكان معين وإنما ينتقلون من مكان لاخر حيث المرعى والمياه العذبة وهي مقومات الحياة. أو يستقروا في منطقة الخور نظرا لقربها من مناطق العمل والمرعى وغيرها من اماكن توافر الرزق.
واستقر البعض في قرية وعب المشرب، شمال شرق قطر، والوعب هو ما اتسع من الأرض وهي عبارة عن روضة نزلها عرب من قبيلة الكعبان، وما رأيته هي منازلهم ومنها انتقلوا الى مدينة الكعبان غرباً، ولكنني لا أعلم على وجه الدقة متى اقيمت القرية، لكنها تحتوي على مسجد ومدرسة وبعض المزارع وعدد من البيوت مسقوفة جميعها بالطين والخشب المحلي والمستورد من الهند عبر الرحلات البحرية التي كان يقوم بها النوخذة (أي قبطان السفينة وقائدها) سنوياً وبدون توقف، ولا يزال بعضهم حيا إلى الآن يحكون للأجيال ذكريات الماضي العزيز على قلوبهم.
السياحة التراثية
في سياق ارتباط الأماكن التراثية والمناطق الأثرية بالسياحة تشير التقديرات الأولية حول أثر القطاع السياحي على الاقتصاد المحلي إلى وصول المساهمة المباشرة لقطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 13.6 مليار ريال (3.7 مليار دولار)؛ أي 4 بالمائة من الاقتصاد القطري غير النفطي. ويصل إجمالي مساهمة القطاع إذا أخذت في الاعتبار التأثيرات غير المباشرة، إلى 28 مليار ريال (7.6 مليار دولار)، أي ما يمثل نسبة 8.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الوطني غير النفطي، ويؤثر القطاع وبشكل كبير على سوق العمل المحلي، حيث يوفر 61 ألف وظيفة داعمة للقطاع بشكل مباشر في حين يوفر القطاع وظيفة واحدة من بين كل 11 وظيفة على المستوى العالمي.
وتعمل قطر على تنويع اقتصادها، حيث تسعى الدولة إلى وصول الإنفاق السياحي فيها إلى 10.7 مليار دولار بحلول العام 2030. وذلك ضمن استراتيجية قطر الوطنية لقطاع السياحة 2030 التي اطلقتها الهيئة العامة للسياحة بتاريخ 23 فبراير والتي اعلنت مكانة قطر كوجهة سياحية عالمية وتطمح هذه الاستراتيجية إلى وضع دولة قطر على خريطة السياحة العالمية والترويج لثقافة وقيم وتقاليد شعبها.