يعد الاحتفال باليوم العالمي لمحو الأمية من أقدم المناسبات الدولية التي يحييها المجتمع الإنساني كله بوتيرة سنوية منذ عام 1967، ويهدف الاحتفال السنوي لتذكير الشعوب بأهمية محو الأمية باعتبارها وسيلة مهمة لنشر العلم ومحاربة الجهل ومسألة تتعلق بالكرامة الإنسانية وحقوق كل البشر، فضلا عن كونها سبيلا مهما للنهوض بالمجتمع بشكل مستدام ليكون أكثر إلماما بمهارات القراءة والكتابة التي باتت لا غنى عنها في عالم اليوم الذي يمر بمرحلة انتقالية تحتاج لتضافر الجهود.
وتتلخص أهداف اليوم الدولي لمحو الأمية، في تعزيز رؤية عالم يخلو من الأمية، عبر تحسين المهارات الأساسية للقراءة والكتابة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الحق في التعليم الذي يستحقه كل إنسان ويمكنه من فهم كل أمور الحياة وتفسيرها، كما يسهل التواصل والإبداع في عالم يسوده الطابع الرقمي، ومن خلاله يتسنى للجميع المشاركة في المجتمع مشاركة فعالة، وبهذا تتحسن سبل الحياة، فالتعلم يتيح المشاركة في سوق العمل، وتحسين الأحوال الصحية والاقتصادية والحد من الفقر، فضلا عن توفير المزيد من فرص الحياة الكريمة.
ولا تزال التحديات التي تواجه محو الأمية ماثلة بالرغم من التقدم المحرز، إذ لا يزال ما لا يقل عن 771 مليون شخص في العالم من الشباب والكبار غير ملمين بالمهارات الأساسية للقراءة والكتابة بحسب الأمم المتحدة، حتى يومنا هذا، مع التذكير أن ثلثي هذا الرقم من النساء، بالإضافة إلى 103 ملايين طفل ليس لهم القدرة على الذهاب إلى المدارس لتعلم هذه المهارات، حسب منظمة /اليونسكو/ التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها عام 2006.
وإذ أدى إغلاق المدارس خلال جائحة كورونا لتعطيل التعليم الأساسي لما يقرب من 62.3 في المائة من التلاميذ في العالم، الذين يبلغ إجمالي عددهم 1.09 مليار تلميذ، فإن فئات محو الأمية كانت أشد ضررا، فنحو 617 مليون طفل ومراهق لا يملكون الحد الأدنى من مستويات الكفاءة في القراءة والحساب.
كما كشفت الصعوبات التي رافقت الجائحة حجم الفجوة الرقمية القائمة على صعيد الاتصال بالإنترنت والبنية الأساسية وخصوصا الطاقة الكهربائية التي واجهت وما تزال صعوبات تمنع توفرها الدائم في المنازل لبعض الدول الفقيرة، ما تسبب بمنع ما يقارب 24 مليون متعلم من استئناف (التعليم عن بعد) وبينهم 11 مليون فتاة وشابة بحسب منظمة /اليونسكو/.
وإذ تمحور احتفال العالم أجمع باليوم الدولي لمحو الأمية للعام 2022 حول موضوع /تغيير هياكل التعلم لمحو الأمية/، ووضع تصور جديد للأهمية الأساسية لتعلم القراءة والكتابة، وبناء القدرة على الصمود وضمان تقديم تعليم جيد وعادل وشامل للجميع، فإن احتفال العام 2023 سيكون تحت شعار /تعزيز محو الأمية في عالم يمر بمرحلة انتقالية/، كما يركز على بناء الأساس لمجتمعات مسالمة ومستدامة، في ظل توجه لتكريم البرامج المبتكرة الفائزة بجوائز اليونسكو لمحو الأمية تزامنا مع اليوم العالمي، في مقر المنظمة الدولية في العاصمة الفرنسية باريس.
وتكمن أهمية جهود محو الأمية والاحتفال السنوي بها في كونها محركا للتنمية المستدامة، فضلا عن أنها جزء متأصل في التعليم وشكل من أشكال التعلم مدى الحياة المبنية على أساس الإنسانية، فالحكومات ومنظمات المجتمع المدني والشركات وكل المنخرطين في النظام التعليمي والتربوي، أمام فرصة لإبراز التحسينات التي طرأت على معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، وللتفكير في كيفية تجاوز بقية تحديات محو الأمية الماثلة أمام العالم، فقضية محو الأمية عنصر جوهري في أهداف الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة.
وتولي استراتيجية /اليونسكو/ لمحو أمية الشباب والكبار للفترة (2020 - 2025) اهتماما خاصا بالبلدان في التحالف العالمي لمحو الأمية، وتتمحور حول أربعة مجالات استراتيجية ذات أولوية، فأولها دعم الدول الأعضاء في صياغة سياساتها واستراتيجياتها الوطنية لمحو الأمية وثانيها تلبية احتياجات التعلم لدى الفئات المحرومة، ولا سيما من النساء والفتيات وفي المرحلة الثالثة تسخير التكنولوجيات الرقمية لتوسيع نطاق الانتفاع بالتعلم وتحسين نتائجه، ثم المرحلة الرابعة والأخيرة برصد التقدم المحرز وتقييم مهارات الإلمام بالقراءة والكتابة وبرامج محو الأمية لمعرفة حجم المنجزات.
وتتضمن الخطط التعليمية المبتكرة والمفاهيم التدريبية السليمة في محو الأمية لتشجيع النهوض بمجتمعات تعلم ذات دينامية وحيوية تواكب التقدم الهائل، أن يتم إعداد دليل لأولياء الأمور حول تشجيع الأطفال على القراءة في المنازل، يشمل أنشطة لتحفيز القراءة والكتابة المنزلية واستخدام الوسائل الحديثة مثل العروض التقديمية والملصقات التي تساعد أولياء الأمور على تشجيع أطفالهم على القراءة وتنفيذ الأوامر والطلبات، بجانب كراريس التدريبات لضبط الإملاء والحروف الهجائية، فضلا عن وسائل تعليمية تدمج الألعاب المحببة للأطفال بشكل معلوماتي لجذبهم.
وكلما زاد عمر الطفل تنوعت الوسائل والأساليب من استخدام البرامج الحديثة بحسب القدرة المادية للعائلة، مثل أجهزة الكومبيوتر التي تتضمن تطبيقات وورد وبوربوينت لتعليم كتابة الحروف والجمل البسيطة وإنتاج الصور والخرائط، دون إغفال البطاقات الملونة والرسوم التعبيرية والقصص التي تزيد رصيد الكلمات ومعانيها واشتقاقاتها في ذاكرة الأطفال، وصولا إلى الكتب الإلكترونية المقروءة والمسموعة التي باتت جزءا أساسيا في المنظومة التعليمية التي دمجت الأجهزة والتطبيقات في الهاتف الشخصي والأجهزة الرقمية الحديثة، مع استصحاب الحذر والمراقبة من الاستخدام السيئ لها أو الإدمان عليها.
وفي دولة قطر، حققت المنظومة التعليمية إنجازات لافتة في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، بحيث وصلت نسبة الأمية لدى الطلبة في سن الدراسة صفر بالمئة، بينما بلغت نسبتها بصورة عامة 0.95 بالمئة، حسب الإحصاءات الصادرة من جهاز الإحصاء عام 2020، ووفقا لوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، فقد بلغ عدد الدارسين خلال العام الأكاديمي 2022/2021 بنظام تعليم الكبار بالمدارس 7676 طالبا، علما أنه يتم تسجيل طلبة تعليم الكبار بجميع المدارس الحكومية، باستثناء النموذجية منها.
وتضع الوزارة برنامجا تعليميا خاصا بتعليم الكبار، للطلبة الذين لا تنطبق عليهم شروط إلزامية التعليم (من تجاوزت أعمارهم 18 سنة أو أنهوا المرحلة الإعدادية)، والطلبة الذين تم شطبهم من التعليم النهاري (بسبب الزواج أو تكرار الرسوب أو العمل)، سواء أكانوا عاملين أو غير عاملين، لتشجيعهم على مواصلة تعليمهم.
وتنقسم مناهج تعليم الكبار إلى المناهج المعتمدة لطلبة التعليم النهاري بالمدارس الحكومية وذلك من الصف الخامس وحتى الصف الثاني عشر، ومناهج خاصة بصفوف محو الأمية (الحلقة الأولى والحلقة الثانية)، ولهم كذلك كتب دراسية ومناهج خاصة تختلف عن التعليم النهاري، وتقدم الوزارة مجموعة من الامتيازات لطلبة تعليم الكبار، كخدمات التربية الخاصة لطلبة ذوي الإعاقة وتوفير الترتيبات والتسهيلات اللازمة لهم تلبية لاحتياجاتهم وغيرها.
ويوجد في دولة قطر مساران لتعليم الكبار، أحدهما يعنى بالدراسة عن طريق المنازل، حيث يتم تسجيل الطلبة واختبارهم في المدارس الصباحية للجنسين، والآخر للفترة المسائية اختياريا، لمن يتوفر له الوقت بحيث يمكن لمن يرغب من طلبة تعليم الكبار أن يحضر دروسا في المواد الدراسية في عدد من المدارس المسائية، وينطوي النظام الجديد لتعليم الكبار في قطر، على كثير من المرونة للطلاب وأدوات الجذب، فيما يتيح أيضا للكبار إنهاء دراستهم واختصار السلم التعليمي إلى 10 سنوات بدلا من 12 سنة.
وشهدت قطر في السنوات الأخيرة معدلات قياسية وغير مسبوقة في التوسع ببناء المدارس في مختلف مراحلها وبمعدلات لا تتحقق إلا في أكثر الدول تقدما في العالم، بجانب الحرص على جودة التعليم وتحسين نوعيته وذلك اتساقا مع الدعم السخي واللامحدود الذي توليه القيادة الرشيدة للتعليم بشتى مراحله ومستوياته وقطاعاته، مما أدى إلى إرساء نهضة تعليمية على قواعد سليمة وأسس متينة تعنى ببناء الإنسان القطري وتسليحه بالإيمان والعلم والمعرفة، باعتباره الركيزة الأساسية للتنمية والنهوض الحضاري.
كما تبرز في هذا السياق جهود ومبادرات دولة قطر الخارجية لإتاحة فرص التعليم لملايين من الأطفال بالدول الفقيرة في جميع أنحاء العالم، وإعادة تأهيل وبناء العديد من المؤسسات التربوية بدول آسيوية وإفريقية، من خلال مؤسسة "التعليم فوق الجميع" التي أطلقت عام 2012 لتنضوي تحت مظلتها عدة برامج دولية مثل: "علم طفلا" و "الفاخورة" و"حماية التعليم في ظروف النزاع وانعدام الأمن" فضلا عن "أيادي الخير نحو آسيا"، حيث تعمل برامجها على ضمان استفادة جميع الأطفال في العالم النامي من حقهم في التعليم خاصة أولئك غير الملتحقين بالمدارس والبالغ عددهم حاليا 59 مليون طفل، إذ تعالج المؤسسة قضايا التعليم بالتزام خاص تجاه أكثر الفئات حرمانا في العالم من خلال بناء القدرات وتعبئة الموارد وإقامة التحالفات والشراكات المتعددة القطاعات.
إن سياسة قطر في مكافحة الأمية بدأت مبكرا، وبالتحديد منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث سارعت إلى تأسيس أول مركز لتعليم الكبار ومحو الأمية عام 1954، ليواكب ذلك بدء النهضة التعليمية بالبلاد، وفتحت صفوفا منتظمة أواخر عام 1956، ضمن جهود إنشاء قسم التعليم الفرعي في دائرة معارف قطر آنذاك، يضم عدة وحدات منها ما هو مخصص للتعليم الليلي، كما تم افتتاح مركزين للنساء سنة 1976.
وكانت دولة قطر قد وضعت خطة عشرية لمحو الأمية وتعليم الكبار بدأت عام 1977 وحتى عام 1986، فيما كانت على النطاق الإقليمي والعربي من المساهمين الفاعلين في تنفيذ وإعداد الاستراتيجية العربية لمحو الأمية وإعداد برنامج "عربيوبيل" الخاص بالبرنامج الإقليمي لتعميم التعليم الابتدائي والقضاء على أمية الكبار في المنطقة العربية، كما شهدت السنوات الأخيرة تبادل الخبرات ووضع الخطط والاستراتيجيات مع مبادرات عالمية لتحديث مجالات التربية والتعليم بشكل عام، بما فيها مجال تعليم الكبار ومحو الأمية، وهي مبادرات حظيت بإشادات دولية وتقدير واستحسان العالم والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الاختصاص.
واستلهمت دولة قطر قيمة العلم من الدين الإسلامي الحنيف، فأولت العملية التعليمية والتربوية والبحث العلمي جل اهتمامها، وحققت في هذا السياق، إنجازات لافتة، بحيث لا يوجد الآن طفل في سن الدراسة خارج أسوار المدرسة، وذلك باعتبار المواطن هو ركيزة التنمية، وأن تعليمه ومحو أميته مسؤولية يتوجب تحملها في عالم يعج بشتى أنواع المعارف العلمية والمهنية.