التراث يدعم تفوق «القهوة العربية» على مشروبات «زمن العولمة»

alarab
محليات 08 أبريل 2017 , 01:36ص
عصام الشيخ
لا تزال القهوة العربية إحدى دلالات الكرم والضيافة العريقة التي لا يخلو منها أي مجلس عند قدوم الضيوف، ولا تزال الأجيال تتعاقب على هذا التقليد القديم رغم ظهور جيل جديد بدأ يحيد عن هذه التقاليد بما أفرزته الحضارة المعاصرة التي نعيشها اليوم، وما زال الكثير وخصوصاً من كبار السن يحرصون على تناولها في كل صباح ومساء، رغم ظهور أنواع جديدة من المشروبات الساخنة والباردة تحمل أسماء غربية، مثل القهوة الأميركية، والفرنسية ذات النكهات العديدة و«النسكافيه» و«الموكا» و«اللاتيه» وغيرها، والتي تقدم معها الحلويات والوجبات الخفيفة، والتي تعتبر من نتاج عصر العولمة وما أفرزته بفضل التطور العلمي ووسائل التواصل في شيوع أنواع جديدة من المشروبات سريعة التحضير.
وقد اختلفت طريقة تحضير القهوة عن السابق وباتت سهلة للغاية، ولكن لا تزال طريقة التقديم محتفظة بطقوسها وآدابها التراثية الراسخة القديمة التي تعزز تواجدها في مواجهة مشروبات زمن العولمة.

الهاجري: طريقة التحضير باتت في منتهى السهولة
قال يوسف الهاجري كانت القهوة فيما مضى شحيحة؛ إذ كانت مقتصرة على فئة معينة من المجتمع وهي المترفة التي تستطيع أن تدفع المال الكثير من أجل الحصول عليها لندرتها في ذلك الزمان، وبما أن القهوة العربية تُعتبَر رمزاً من رموز الكرم فقد حلّت عند العرب محل لبن الإبل، فباتوا يُفاخرون بشربها، وصارت مظهراً من مظاهر الكرم في نظرهم، فباتوا يعقدون لها المجالس الخاصّة التي تُسمّى بـ«الشبّة، أو القهوة، أو الدّيوانيّة» ولعناية الناس بالقهوة فقد باتوا ينتقون أجودها، فالبنّ الذي تصنع منه أنواع، ومن أطيبها وأشهرها «الخولاني» ثم يأتي «البري» و»الهرري» و»لقمتي» وغيرها، كما أن الدلة التي تقدم فيها القهوة لها أنواعها أيضاً وتوحي بمكانة صاحبها، فالموسرون من الناس يستخدمون أغلى الدلال كـ«البغدادية» التي يجلبها بعض المُضيفين من بلدانٍ بعيدةٍ وبأسعارٍ باهظةٍ طمعاً في السّمعة الحسنة، وهي أقدمها وأثمنها وأجودها، ومنها «الحساوية» و»العمانية» و»الرسلانية» التي تنسب لأسرة رسلان في الشام و»القرشية» التي تصنع في مكة.
وأضاف أن التقدم الذي نعيشه اليوم كان له تأثير على كافة جوانب الحياة اليومية، ومنها طريقة إعداد القهوة التي كانت في الأمس القريب تتطلب وقتاً وجهداً كما أسلفنا في إعدادها، فالنّجر مثلاً تقابله الطاحونة أو المطحنة الكهربائية، والمحماس تقابله المحمصة الكهربائية، والدّلة تقابلها الحافظات أو»التّرامس» ويطلق عليها اسم «الزمزمية» في بعض المناطق التي تبقي القهوة حارة لفترة طويلة بالساعات، وأخيراً فقد تم تجهيز خلطة خاصة بالقهوة سريعة التحضير محفوظة في أكياس، بحيث يكفي كل كيس لطبخة واحدة من القهوة بمقدار اللتر تقريباً، وبنكهات متعددة فمنها ما هو بالهيل، ومنها ما هو بالزعفران، أو القرنفل، العويدي، وطريقة إعدادها سهلة وميسرة، فما على من أراد أن يعد القهوة إلاّ أن يفرغ محتوى الكيس في دلة القهوة أو «الزمزمية»، ومن ثم يسكب الماء الحارّ المغلي عليها، وينتظر لمدة 5 دقائق، وقد ساهمت هذه القهوة السريعة في إرضاء مذاق من لا يستغني عن القهوة في الأوقات الضيقة مثل السفر، وباتت الكثير من الشركات تتفنن في صناعتها بنكهات متعددة.

عبد الله: طقوس وآداب متوارثة في تقديم القهوة
أوضح عايض عبد الله أن هناك آداباً ارتبطت بتقديم القهوة منذ القدم في بلادنا فمنها أنه عند تقديم القهوة فإن الذي يقوم بصبها يمسك الدلة باليد اليسرى، ويقدم الفنجان باليد اليمنى، ويتم تسليم الفنجان للذي يصب القهوة الذي يدعى القهوجي باليد اليمنى كذلك، وفي بعض المناطق يشترط لديهم أن تكون القهوة بالفنجان ليست مملوءة، وإنما تُصب القهوة في الفنجان بنص مقدار الفنجان، وإذا امتلأ الفنجان وتم تقديمه للضيف فإنه يعتبر إهانة، ومن مهارة صبّ القهوة أيضاً أن يحدث من يصبها صوتاً خفيفاً نتيجة ملامسة الفناجين بعضها البعض، وكان يُقصَد بهذه الحركة تنبيه الضّيف إذا كان سارحاً، كما تقدم في الأفراح، أما في الأحزان كالعزاء أحياناً فعلى مقدم القهوة ألا يصدر صوتاً ولو خفيفاً، وبلغ من احترام العرب في السابق للقهوة أنه إذا كان لأحدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المُضيف فإنه كان يضع فنجانه وهو مليء بالقهوة على الأرض ولا يشربه، فيلاحظ المُضيف، أو شيخ العشيرة ذلك، فيُبادره بالسؤال: «ما حاجتك؟»، فإذا قضاها له، أَمَره بشرب قهوته اعتزازاً بنفسه، وإذا امتنع الضّيف عن شرب القهوة، وتجاهله المُضيف ولم يسأله ما طلبه فإنّ ذلك يُعدّ عيباً كبيراً في حقّه، وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة، وأصحاب الحقوق عادةً يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التعجيزية، ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه.

القحطاني: الشباب يفضل أنواعاً جديدة من المشروبات
قال راشد القحطاني كانت القهوة العربية تقدم فقط في المقاهي الشعبية البسيطة المنتشرة في أطراف المدن أو على الطرق، ويقدم معها الشاي، وكان كل من يرغب في تناول القهوة خارج منزله لظروف السفر أو العزوبية يجتمع مع أصدقائه في تلك المقاهي؛ إذ كانت القهوة فيما مضى من المشروبات التي يحرص الناس على احتسائها في البيوت بشكل يومي متكرر لا يمكن الاستغناء عنه، وهي الكيف الذي ينشده المجتمعون سواء من أهل المنزل، أو ضيوفهم، ولكن مع تقدم الوقت، وظهور العديد من المشروبات الساخنة، وأنواع متعددة للقهوة مثل القهوة التركية، والفرنسية، والأميركية، والإيطالية، و»الأسبرسو»، و»الموكا»، و»اللاتيه»، و»الكابتشينو» صار هناك مَقاهٍ خاصة تقدمها وسميت بـ»الكوفي شوب» حيث باتت تجذب الشباب، وتلقى رواجاً في المدن الكبرى منذ مطلع العام 2000م، وسرعان ما انتشرت في جميع المدن والمحافظات، وصارت تتبارى في جذب زبائنها بديكوراتها الفخمة، وإضاءاتها الخافتة، وبما تقدمه من حلويات ومأكولات خفيفة، ولزيادة الإقبال عليها فقد تم افتتاح العديد من المقاهي العائلية التي باتت تشهد زحاماً كبيراً مما يضطر روادها إلى الحجز مسبقاً لضمان وجود مكان شاغر بها، وصار العديد من الناس يستعين بها لاستقبال الضيوف بدلاً من المنازل، وبذلك قل الإقبال على القهوة العربية خاصةً من فئة الشباب، وباتت لا تقدم إلاّ في اللقاءات الرسمية والمناسبات رغم تمسك جيل الكبار بها خاصةً في الطلعات البرية والسفر.