الكسب الحلال من أسباب نزول البركة
محليات
08 أبريل 2016 , 06:26م
الدوحة - العرب
حثَّ الشيخ الدكتور محمد بن حسن المريخي، على تحرِّي الكسب الحلال والابتعاد عن الكسب الحرام، موضّحاً أن امتثال الشرع، والعمل بالدين في هذا الجانب من أسباب البركة في الأعمار والأرزاق التي أمر بها الشرع، لكنّه أكّد أن يكون المسعى طيِّباً والكسب طيباً حتى لا تُنزع البركة من أرزاق الناس.
وقال في خطبته، التي ألقاها اليوم، بجامع عثمان بن عفان بمدينة الخور: "إن الله سبحانه وتعالى جعل النهار معاشاً وجعل للناس فيه سبحاً طويلاً، أمرهم بالسعي والمشي في مناكب الأرض ليأكلوا من رزقه، وقرن سبحانه بين المجاهدين في سبيله وبين الساعين في أرضه يبتغون من فضله فقال: "يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله"، وأخبر رسول الله أنه ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" رواه البخاري".
وذكر حال السلف في هذا الجانب؛ حيث كان بعضهم يقول: "إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهَمُّ في طلب المعيشة، ومما يروى عن عيسى عليه السلام أنه رأى رجلاً فقال له: "ما تصنع؟ قال: أتعَبَّدُ، قال: ومن يعولك؟ قال: أخي، قال: وأين أخوك؟ قال: في مزرعة، قال: أخوك أعبد لله منك"، وعندنا في الإسلام أن العبادة ليست أن تَصُفَّ قدميك وغيرك يسعى في قُوتك، ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبّد، فالاستغناء عن الناس أيها الأخوة بالكسب الحلال شرف عالٍ وعزٌّ مَنيف، حتى قال الخليفة المحدَّثُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إليّ من موطن أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري" ومن مأثور حكم لقمان: "يا بنيّ استَعِن بالكسب الحلال عن الفقر فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته".
وبيّن المريخي أن في طلب المكاسب وصلاح الأموال سلامة الدين، وصون العرض، وجمال الوجه ومقام العز؛ إذ من المعلوم أن المقصود من كل ذلك الكسب الطيب، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) وقال عَزَّ شأنُه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ومن أعظم ثمار الإيمان طيب القلب ونزاهة اليد وسلامة اللسان، والطَّيِّبون للطيبات والطَّيِّبات للطيبين.
وأشار إلى أنه مِن أسمى غايات رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل الطيبات ويُحرِّم الخبائث، وفي القيامة يكون حسن العاقبة للطيبين: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أكل طيباً وعمل في سنّة وأمن الناس بوائقه – يعني شره – دخل الجنة) رواه الترمذي.
وحثّ فضيلة الإمام المريخي المسلمين على طلب الحلال، مشيراً إلى أن تحرِّيَه أمْرٌ واجب وحتم لازم، فلن تزول قَدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسْأَلَ عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ لذا كان حقاً على المسلم أن يتحرى الطيب من الكسب، والنزيه من العمل ليأكل حلالاً وينفق في حلال، انظروا رحمكم الله إلى خليفة رسول الله أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه يأتيه خادمه بشيء من الأكل ثم يقول له: "أتدري من أين هذا الأكل؟ اشتريتُه من مال حصلت عليه في الجاهلية كذبت على رجل وخدعته بأن فسَّرْت له حادثة أو قضية كذباً وخديعة فأعطاني هذا المال فاشتريت منه هذا الذي أكلت، فأدخل أبو بكر أصبعه في فمه وقاء واسترجع كل شيء في بطنه، وقال: لو لم تخرج هذه اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها، وقال مخاطباً ربه: اللهم إني أعتذر إليك مما حملَتِ العروق وخالط الأمعاء".. رواه البخاري.
وهذا عمر رضي الله عنه: يشرب لبناً فيعجب به، فيسأل عنه فيخبره الذي سقاه أنه مرّ بإبل الصدقة وهم على ماء فحلبها، وجاء به إليه فأدخل عمر يده واستقاء؛ لأنه شرب من إبل الصدقة المُعدَّة للصدقة من قبل أهل الزكاة، فأولئك هم الصالحون يخرجون الحرام، والمشتبه من أجوافهم، وقد دخل عليهم من غير علمهم، وخلفت من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملؤوا به بطونهم وبطون أهليهم.
أيها المسلمون، أرأيتم الرجل الذي ذكره رسول الله (يُطيل السفرَ أشْعَثَ أغْبَر يمد يده إلى السماء يا رب، يا رب ومطعَمُه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) رواه مسلم، هذا الرجل استجمع من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة ما يدعو إلى رثاء حاله ويؤكد شدة افتقاره تقطعت به السبلُ وطال عليه السير، وتغربت به الديار وتربت يداه أشعث رأسه، واغبرت قدماه وكان قاب قوسين أو أدنى لاستجابة دعواه، ولكنه قطع صلته بربه وحرم نفسه من مدد مولاه فحيل بين دعائه والقبول أكل الحرام واكتسى من حرام ونبت لحمه في حرام فردت يداه خائبتين، مبيناً أن ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض ولا يحتمي من الحرام مخافة النار، إنَّ أكْلَ الحرام يا عباد الله يُعمي البصيرة، ويُوهن الدين ويضعفه، ويُقَسِّي القلب، ويُظْلِمُ الفكر، ويُقْعِدُ الجوارحَ عن الطاعات، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها، ويحجب الدعاء ولا يَتقبَّلُ الله إلا من المتقين.
وفي خطبته الثاني بيّن المريخي المكاسب المحرمة وآثارها السيئة على الفرد والجماعة وأنها تنزع البركات وتَتسبَّب في تفشِّي العاهات وحلول الكوارث، كالأزمات المالية المستحكمة والبطالة المتفشية وتظالم وشحناء، وأردف: "ويل للذين يتغذون بالحرام ويربون أولادهم وأهليهم على الحرام، إنهم كشاربِ ماء البحر كلما ازدادوا شراباً ازدادوا عطشاً، شاربون شرب الْهِيم لا يقنعون بقليل ولا يغنيهم كثير، يستمرئون الحرام، ويسلكون المسالك المعوجة، رباً وقماراً وغصباً وسرقةً تطفيفاً في الكيل والوزن، كتماً للعيوب، سحراً وتنجيماً وشعوذةً، أكلاً لأموال اليتامى والقاصرين، أيماناً فاجرةً، لهواً ومَلْهاة، مكراً وخديعةً زُوراً وخيانةً، مسالك معوجةً وطرقاً مظلمةً، يقول عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم الحرام) رواه البخاري والنسائي، وفي رواية: "فإن ذلك لا يستجاب لهم دعوة".
أ.س/ س.س