السادة: تآلف القلوب أهم أسباب بقاء الأمة
محليات
08 أبريل 2016 , 06:23م
الدوحة - العرب
أكد الشيخ عبدالله بن إبراهيم السادة، أن أهم أسباب بقاء هذه الأمة إنما يكون بتآلف قلوب أهلها، واجتماع كلمتهم، وتوحد صفوفهم، وأن يكون رابطهم هو الحب في الله تعالى الذي هو أحد شعب الإيمان وخصلة من خصاله. وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تحذير أمته من الافتراق والاختلاف حتى في الصلاة، وذلك بعدم التراص في الصفوف، والتباعد فيها مما يسهل تسلط الشيطان على المصلي ليصرفه عن مقصودها وهو الخشوع فيها، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه وقال: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: "لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم".
وقال السادة، في خطبة الجمعة، التي ألقاها اليوم، بمسجد مريم بنت عبدالله: "في الحديث دليل على أن الاختلاف في الظاهر بعدم تسوية الصفوف يؤدي إلى اختلاف القلوب في الباطن".
وكما هو معلوم فالأمة لما حققت قول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} علا شأنها وارتفع قدرها وذاع صيتها، أما حينما تفرقت واختلفت وتشرذمت وتناحرت صارت معيشتها ضنكا، وحياتها عسرا، فسقطت من أعين أهلها قبل أعدائها وذهبت ريحها، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
وأضاف أن من الكلمات الخالدة والعبارات الباقية والوصايا المؤثرة: قول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "الخلاف شر"، كلمة عظيمة ما زالت تتناقلها الألسن وتدونها الكتب وتقرأ على الملأ، وكيف لا يكون الخلاف شرا وهو صفة المشركين؟، وكيف لا يكون شرا وقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من أهل الفرقة والاختلاف، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، وقد جاءت النصوص في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم حاضَّة على الاجتماع، حاثَّة على التآلف، وفي المقابل أيضا جاءت محذرة من الفرقة، منفرة من الاختلاف، سواء كان ذلك الخلاف مما يتعلق بأمور المسلمين العامة أو فيما يكون بين الأفراد، ومن صور الاجتماع: أمره سبحانه وتعالى الزوجين ببذل كل أسباب الألفة والاجتماع والبعد عن أسباب الفرقة والاختلاف، ولهذا أمر الزوج بوعظ الزوجة الناشز وهجرها وضربها ضربا غير مبرح ثم تحكيم المحكمين من أهلها وأهله، ثم بعد أن يقع الطلاق أمر بأن لا ينسيا الفضل بينهما، فتأملوا معي كم هي الطرق التي جاءت لتحفظ كيان هذه الأسرة من الاختلاف والفرقة!!.
وبين أن الاختلاف الكثير، كائن لا محالة، وليس ذلك إقرارا منه عليه الصلاة والسلام ولا محبة له لذلك، وإنما إخبار بما سيكون عليه الناس، كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، والخلاف في القرون المتأخرة أكثر من ذي قبل، قال: "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا" وهذا الاختلاف الذي ذكره عليه الصلاة والسلام ظاهر في هذا العصر، فقد وقع الاختلاف على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، أما الأفراد فقد وقع التباغض، وطغى التدابر، وبرز التهاجر، واستمرت القطيعة بين المسلمين، كل يرى أنه على صواب، وأن الحق لا يتعداه، فيتمسك هذا برأيه وذاك برأيه فتزداد هوة الخلاف، وتتسع دائرة التهاجر، والأدهى والأمرّ أن تنتقل هذه العداوات والخصومات إلى الأقارب والأرحام والأصحاب والجيران.
وأشار إلى أن من تأمل سيرة النبي خاصة في أول مقدمه إلى المدينة، كان أول ما فعل واجتهد فيه، أنه سعى في رأب الصدع الحاصل بين الأوس والخزرج، فكانت النتيجة أن استقرت الأحوال وهدأت النفوس، واجتمعت الكلمة حتى أصبحت قلوبهم مستعدة لقبول الأوامر والنواهي والتربية والتعليم، وكان عليه الصلاة والسلام يحذرهم من تذكر الماضي المرير من المفاخرة بالقبلية والتعصب للأرض والعشيرة، ولهذا كان يمتن عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وحق له ذلك، فقد جعله الله سببا لإخراجهم من ظلمات الوثنية إلى نور الإسلام، فكان مما قال لما ارتفعت أصواتهم واعتزازهم بقبائلهم: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!" ولما بلغه عليه الصلاة والسلام مقالة الأنصار حينما فتح مكة -وهو قول بعضهم لبعض: والله ما يفتأ رسول الله أن يدعنا ويدع المدينة ويلحق بأهله وعشيرته بعد أن فتح الله عليه مكة- فجمعهم فقال لهم: "لقد بلغني عنكم أنكم قلتم كذا وكذا، ثم قال: يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟! ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله بي؟! ألم تكونوا متفرقين وجمعكم الله بي؟!" رواه البخاري ومسلم.
فحزنوا وتأثروا كيف تجرأت ألسنتهم على قول هذه المقالة في حق رسول الله وبكوا رضي الله عنهم وهم يقولون: الله ورسوله أمنُّ، حتى تمنى بعضهم أنه لم يُسْلِم حتى لا يسمع تلك المقالة، فرضي الله عنهم وأرضاهم، ولما توفي صلى الله عليه وسلم وتولى الخلافة أبو بكر رضي الله عنه سار سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم، وتجلى ذلك حينما ارتد من ارتد من العرب، وأبى كثير منهم التزام أحكام الإسلام حتى ارتد كثير من قبائل العرب حتى قيل: لم يبق في جزيرة العرب مسجد يصلى فيه الجمعة إلا مسجد النبي ومسجد بلاد البحرين. والمقصود بها شرق الجزيرة العربية. فعظمت الفتنة، واشتد الكرب، وكثر الأعداء، لكن ذلك لم يثن الصديق رضي الله عنه عن محاربة هؤلاء وإرجاعهم إلى حظيرة الإسلام، لأنه يعرف أن أمة متفرقة ممزقة هي أشبه ما تكون بالعدم، فلم يمض عليه إلا سنتان حتى عادت جزيرة العرب كلها إلى الإسلام وكتب الله لها الالتئام.
وأشار في الخطبة الثانية إلى أن علاج الخلاف والفرقة والشقاق والنزاع يكمن في أمور عدة منها: الرجوع إلى الأصل الأصيل والمنبع الصافي: كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، على فهم سلف الأمة لاسيما عند حصول الخلاف، فهذه هي وصية الله سبحانه وتعالى، ووصية نبيه عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، فالرد إلى الله تعالى هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته، فلم يأمر الله تعالى بالرد إلى العقول ولا للأهواء، ولا إلى التنظير السقيم، ولا بد أن يكون الرد إلى هذين الأصلين بفهم سلف الأمة فهم خير القرون، وهم صفوة الخلق، فقد عاينوا التنزيل وأدركوا التأويل وفهموا النصوص، فلن يكون أحد ممن جاء بعدهم أسدّ منهم رأيا، وأقوى منهم علما، وأعظم منهم ورعا وتدينا. وأما العلاج الآخر: فهو الرجوع إلى الدين، ويكون بتجريد العبادة لله تعالى وإخلاصها له سبحانه وتعالى، فلا يمكن لأمة أن تجتمع وفيها ما فيها من صور الشرك الأكبر من دعاء غير الله، وسؤال الأموات وكشف الكربات وطلب الحاجات. ومن العلاج كذلك: عدم تعظيم الخلاف في الجزئيات، مما يؤدي إلى الشقاق والاختلاف، والسبب هو الجهل ونقص العلم، فبالعلم تستفيق القلوب وتعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والمعروف من المنكر.
ومن العلاج أيضا -عباد الله-: سلامة القلب للمؤمنين، ومحبة الخير لهم وإدامة نصحهم، والتماس الأعذار لهم وعدم الغش لهم، فإن هذا الدين دين النصيحة. ومن العلاج أيضا: السعي في الإصلاح، فإنه من أعظم القربات، وأجل الطاعات، ومفتاح كل خير، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وينبغي على المؤمن ألا ييأس من إمكانية الاجتماع بين المسلمين، فالإسلام جمع العرب بعد تشرذمهم، ووحدهم والعجم تحت راية "لا إله إلا الله"
أ.س/ س.س