الدرويش: الآباء مسؤولون عن تزويج أبنائهم وإعفافهم
الصفحات المتخصصة
07 نوفمبر 2015 , 01:58ص
الدوحة - العرب
نصح الشيخ صالح الدرويش الداعية السعودي المعروف، بالنظر في غريزة حب «الولد» بعقلانية، داعيا للتأني في الأمور التي بيّنها الله عز وجل للناس في كيفية التعامل مع الطفل، من قبل أن يكون نطفة، وحتى أن يصبح طفلاً وشاباً يافعاً، وذلك لأن «الولد» قد يكون سبباً لدخول أبوية الجنة أو هلاكهما في النار.
وتحدث في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب عن الظوابط الذي ذكرها الله عز وجل والنبي صلى الله عليه وسلم حتى تكون ذرية الأب صالحة ونافعة له يوم القيامة. موضحاً أن أول هذه الضوابط هي اختيار الزوجة الصالحة، واستشهد الداعية السعودي في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع، لمالها وجمالها وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
وعلق خطيب جامع الإمام على الحديث الشريف قائلاً: إن كلمة «اظفر» هي كلمة عربية واضحة، تعني وجود الشيء بعد التعب في البحث عنه، وهو ما يؤكد أهمية الزوجة الصالحة في بناء الأسرة.
ثم نبَّه فضيلته إلى الضابط الثاني، وهي قضية الاحتساب في طلب الولد، أي أنه حينما تريد أن تطلب ولداً يجب أن تطلبه كي يكون صالحاً ونافعاً في الآخرة، محذراً أن يكون طلبه لهدف المصالح والشهوات الدنيوية، كالافتخار به، أو لعدم انقطاع النسب وغير ذلك.
وأضاف الخطيب أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أن مرحلة التربية في الولد يجب أن تكون وهو نطفة في بطن أمه، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم، لو أن أحدكم أراد أن يجامع أهله يقول، بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فيكتب الله من تلك النطفة ألا يبلغها الشيطان، وعلق فضيلته على هذا ذلك قائلاً إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بهذا الدعاء قبل أن تستقر النطفة في رحم المرأة، فما بالنا عندما يكبر هذا الطفل فكيف يكون التعامل معه.
حسن تسمية المولود
وأشار فضيلته إلى الضابط الثالث وهو اختيار الاسم الحسن للولد، وما يتعلق بآداب تلك المرحلة، لافتاً إلى أن الخطوة الأولى تكون بشكر الله عن طريق عمل عقيقة له، ثم بعد ذلك أن تعلم أولادك كيفية إقامة الصلاة قبل أن يبلغوا سبع سنوات، مستشهداً بحديث النبي صلي الله عليه وسلم «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع».
نصح الأطفال بالحكمة
وحذر كل الحذر من زجر الأطفال عن المساجد قائلاً: إن الطفل قد يحدث ضجيجاً أو غير ذلك، لافتاً أن التعامل في هذه الحالة يكون بالتوجيه والإرشاد لا بالعنف، ولا في طرده من المسجد ولا في رفع الصوت عليه وزجره وغير ذلك. مستشهداً في هذا الأمر بموقف النبي صلى الله عليه وسلم حينما سمع بكاء طفل وهو يصلي فخفف من صلاته حتى لا تنشغل الأم في بكاء ولدها، كما استشهد أيضاً بموقفه صلى الله عليه وسلم عندما أطال في السجود لوجود الحسن والحسين رضوان الله عليهم أعلى ظهره، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال علموهم لسبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع.
ودعا الخطيب إلى عدم تفضيل حب الولد عن أوامر الله عز وجل، لافتاً إلى الخطاب القرآني الصريح الذي يبين حقيقة الأبوة والمحبة، وذلك كما في قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»، وعلق على الآية قائلاً إنها آية شاملة، حيث إنها تشير إلى من هم تحت ولاية ولي الأمر من أبناء وأحفاد وغير ذلك.
وقال فضيلته إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يعلم البشرية تعليم الأولاد والنفوس على تبيان النظام وتبيان الحرام والحلال، فقال حينما كان يأكل أحد الأطفال وطاشت يده في الصحن، بلطف، يا غلام، سم الله وكل بيمنك، وكل مما يليك، وأراد المصطفى بذلك توجيه الطفل في آداب الطعام.
مسؤولية الآباء عن تزويج الأبناء
ثم انتقل الداعية السعودي المعروف إلى توضيحه صلى الله عليه وسلم الخطاب إلى الشباب والأبناء في قضية الزواج، فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج»، منوهًا بقول أهل العلم إن المبادرة من الآباء لزواج أبنائهم واجب عليهم، كما هم مسؤولون عن إطعامهم وهم أطفال إلى أن أصبحوا قادرين على الكسب، فالأب مسؤول عن زواجه وإعفافه، لافتاً إلى أن ذلك جاء في «المغني» لابن قدمه مصحوبا بإجماع العلماء فيه.
فطرة محبة الولد
وكان فضيلته قد دعا في بداية الخطبة إلى النظر فيما أمره الله عز وجل للناس وبينه لهم، فيما يتعلق بقضية الولد، ذاكراً أنها محبة فطرية، وغريزة جُبل الناس عليها، وذلك كما في قوله: «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب».
وعلق على الآية قائلاً: إنه زين لكل الناس، أي زين لكل جنس بشري سليم الفطرة حب الذرية، لكن هذا المتاع لا بد وأن يرشد بما نص عليه إسلامنا الحنيف تجاه هذه الأمور.
وأضاف أنه مهما سعى الذين يحاربون الفضيلة ويحاربون الأسرة لحرب شعواء لطمس تلك الفطرة، فإن الفطرة السوية سليمة ونقية مهما أعدو لها، فهذه المحبة ينبغي أن ندرك أبعادها وحقيقتها لأنها إذا طغت أعمت البصيرة.
وقال إنه إذا طغى حب الذرية على العقل أعمى بصيرة الوالد عن تصرفات ولده، لذلك بيّن الله في محكم التنزيل حقيقة الأمر، يقول الله تعالى: « إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ»، داعياً للتأمل في كلمة «من» التبعيضية، أي: إن من زوجاتنا وأولادنا من تحققت عداوته للأب، فأيها الزوج، ضجيعك في الفراش، وجليسك في المنزل منه من هو عدو لك.
وقال فضيلته إن الذرية قد تكون صالحة وقد تكون سببا لهلاك الأب في الآخرة، فإذا تعامل الأب مع الابن بطريقة شرعية فأثمرت هذه التربية فسيصبح الولد في ميزان حسناته، وإن كانت الأخرى فلا ينفع الندم يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وأكد ضرورة النظر لغريزة حب الولد من المنظور الشرعي، حيث قال تعالى: « يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ»، فقضية الهبة من الله عز وجل، فهو يهب لمن يشاء.. والقضية هنا واضحة جلية بأن الأمر من الله كما هو شأن المال هبة من الله.
وقال إن الله سبحانه وتعالى بيَّن أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا، إذا المال والبنون زينة يتجمل به المرء ويتزين به، وتبقى الحقيقة الآخرة في التفاخر والتكاثر، وهي حقيقة الحياة الدنيا وزينتها، فتكون ميادين التنافس والتفاخر في الطبيعة البشرية وليس فيما أمر الله سبحانه وتعالى به، فطبيعة الناس هذه يجب ألا تكون في قلوبهم، لافتاً إلى أن هذه الفطرة جعل الله لك فيها معالم واضحة لضبطها، فعلاج حب النساء بالزواج الحلال، وحرم الله الزنا والفجور بأنواعها، وكذلك يهب لمن يشاء إناسا، يبتلي الله عبادة بذلك، مبيناً معالم الضوابط في هذه القضية قائلاً: من سار على هدى النبي فاز وأفلح ومن حاد فقد خاب وخسر.
الرسل وطلب الذرية
ودعا فضيلته للنظر إلى دعوة الرسل عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم في طلب الذرية التي هي فطرة بشرية، هؤلاء الرسل دعوا الله مقيدين الدعوة، فإبراهيم عليه السلام طلب من الله الولد بدعاء مقيد «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، وذلك فيه تحديد للطلب كما فعل زكريا عليه السلام «يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»، فهو ميراث للنبوة وليس للمال، فهم الذين قالوا: «رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا» فليست أي ذرية، بل قرة أعين، وتكون معهم في مصاف الأئمة، فهؤلاء اختاروا أعلى المقامات بأن يكونوا هم وذريتهم من أئمة المتقين.
عداوة الأبناء والزوجات
وأوضح فضيلته حقيقة عداء الذرية والزوجة للزوج، قائلاً إنه ليس المقصود بالعداوة قضية العداوة نفسها، وإنما عداوتهم أن يزينوا لك الحرام فتسير وفق هواهم، أن يجمل لك ما حرم الله فتجري خلفه، فعداوتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظر إلى الأموال فتجمعها مما حرم الله لأجل الذرية، فتريد أن تكثر لهم المال في رغد العيش، وأنت ستسأل عن تلك الأموال من أين جمعتها، فالعداوة أيضاً أن تراهم على المنكرات وتراهم في بيتك ومعك ولا يقيمون الصلاة ولا يذكرون الله إلا قليلا، وأنت تبجلهم وتقدمهم وتنظر إليهم نظره إقبال.
وحذر خطيب جامع الإمام من أن تقود هذه الذرية إلى جهنم وأنت تكون طمست عينك عما أحل الله، وفتحت عينيك على ما حرم الله عز وجل، وسرت إلى دروب الحرام في تعاملك في حياتك وبيتك وكل أمورك، فأصبحت تبعث عن رضاهم وتطلب رضاهم وتنسى رضا الله.. وتساءل قائلاً، فأي عداوة أشد من النار؟.
س.ص