

عقد مجلس الشورى، بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، اليوم، ندوة نقاشية تحت عنوان "التنوع الثقافي وتحديات التغيير: دور المجالس التشريعية في الحفاظ على الهوية الخليجية"، بمشاركة نخبة من الخبراء والمشرعين، وحضور عدد من كبار المسؤولين والمتخصصين.
وركزت الندوة التي افتتحها سعادة السيد حسن بن عبدالله الغانم رئيس مجلس الشورى، على الدور الحيوي الذي تلعبه المجالس التشريعية الخليجية في تعزيز الهوية الثقافية والوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التحديات والمتغيرات العالمية.
وأكد المتحدثون خلال الندوة التي أدارها السيد غانم سعد الحميدي خبير مناهج بوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، على أهمية الهوية الخليجية، مستعرضين التاريخ العريق والروابط العميقة بين دول مجلس التعاون، والتي تشمل الدين واللغة والتراث المشترك، ودور المجالس التشريعية في دعم تلك الهوية.
وفي الجلسة الأولى للندوة التي تمحورت حول " تحديات التغيير واستجابة المجتمع الخليجي للتغيير "، تناول السيد فهد علي البوعينين، والسيدة هند إبراهيم السليطي، مساعدا باحث بمعهد البحوث الاجتماعية والاقتصادية بجامعة قطر، التحديات التي تواجه المجتمع الخليجي في استجابته للتغييرات السريعة، إذ أكد المتحدثان على أهمية التكيف مع التغييرات مع المحافظة على القيم الأساسية للمجتمع.
وفي هذا الجانب، أشار فهد البوعينين في الورقة البحثية التي قدمها، إلى أن الهوية الوطنية تتمتع بمكانة أساسية بالمقارنة بالانتماء القبلي، مبينًا أن هناك زيادة في الشعور بالانتماء الوطني على حساب الانتماء القبلي، خاصة بين الفئات العمرية الأكبر.
وفي إطار المحور ذاته خلال الجلسة الأولى، تحدثت السيدة هند السليطي، عن مكونات ومصادر الهوية، مبينة أنها تتضمن أربعة مكونات رئيسية تسهم في تشكيل الهوية الوطنية في دول الخليج وهي، اللغة والدين والثقافة المحلية (بما في ذلك الزي والعادات)، والتاريخ الوطني.
وأشارت الورقة التي قدمتها السليطي، إلى أن الثقافة، التي تشمل الأفكار والمعايير والممارسات المشتركة بين الأشخاص في نفس المنطقة الجغرافية، تعتبر حاسمة لتشكيل الهوية الوطنية.
ومن جانب آخر، تناولت السليطي تحديات الهوية الثقافية الخليجية، التي تواجه، عدة تحديات تتضمن تأثير العلاقات الخارجية، والمتطلبات الاقتصادية التي تؤثر على تكوين السكان، وتأثيرات العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الجلسة الثانية، التي عقدت تحت عنوان "مكونات وخصائص الهوية الخليجية المشتركة"، تطرق سعادة السيد خالد بن غانم العلي، وسعادة السيد خالد بن أحمد العبيدان، عضوا مجلس الشورى، إلى كيفية مواجهة دول الخليج للتحديات الديموغرافية والثقافية الناتجة عن العولمة والهجرات المتنوعة، مع التأكيد على الحفاظ على الخصائص الأساسية للهوية الخليجية، حيث قدم المتحدثان نظرتهما حول الثقافة والتراث كعناصر رئيسية في تعزيز الهوية الخليجية.
وضمن هذا المحور، تناول سعادة السيد خالد بن غانم العلي خلال الجلسة، مكونات وخصائص الهوية الخليجية، منوهاً بتأثير الحداثة الغربية والتنشئة الاجتماعية على بناء الهوية الوطنية.
وقال سعادته "إن الحداثة الغربية تفصل بين العقل والأخلاق، وأن التنشئة الاجتماعية غالبًا ما تفشل في نقل القيم بين الأجيال"، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في منظومة التنشئة الاجتماعية وبنيتها لضمان نقل القيم الأساسية التي تشكل الهوية، مشددًا على أهمية التراث والدين واللغة كركائز أساسية في هذا البناء.
ودعا سعادته إلى تبني تنشئة اجتماعية تؤكد على الأبعاد القيمية جنبًا إلى جنب مع الأبعاد المعرفية، مشددًا على أهمية بناء هوية وطنية ترتكز على قيم الاحترام والإنسانية، وتساهم في تحقيق مجتمع قوي ومتماسك، يحافظ على هويته وينفتح على المشتركات الإنسانية.
وحول تعريف الهوية الذي يشمل مجموعة سمات، أشار العلي إلى أن الهوية ليست ثابتة بل ديناميكية، تتفاعل وتتطور من خلال الحوار والأخذ والعطاء.
وخلال الجلسة ذاتها، أشار سعادة خالد العبيدان عضو المجلس، إلى الجهود المتواصلة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الهوية الوطنية وتقوية الانتماء الوطني، وذلك خلال الورقة التي قدمها في الجلسة والتي تناولت أهمية الروابط التاريخية والثقافية بين دول المجلس في تشكيل وحفظ الهوية الخليجية المشتركة، حيث أكد الأهمية المحورية للدين الإسلامي كعنصر أساسي في تشكيل الهوية الخليجية، من حيث تعزيز الولاء والانتماء وتقويم سلوك الفرد والحفاظ على النظام الاجتماعي والأخلاقي، إلى جانب دور اللغة في تحديد الهوية الثقافية والحفاظ على الأصالة والتاريخ، والعناصر الأساسية للهوية الخليجية التي تشمل الروابط الدينية والثقافية، ووحدة اللغة، والتمازج الأسري.
وأكد سعادته على دور الدين الإسلامي كأساس للتشريع والحياة اليومية، مما يعزز قيم الولاء والانتماء، بالإضافة إلى اللغة العربية التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من الشخصية الثقافية والوطنية الخليجية.
كما أبرزت الورقة التي قدمها العبيدان، التحديات التي تواجه الهوية الخليجية في ظل العولمة والانفتاح الثقافي، حيث أوصى بتطوير استراتيجيات لتأكيد القيم والهوية الوطنية وحمايتها من التأثيرات الخارجية، خاصة في البيئة الرقمية والتغيرات الديموغرافية، ودعا إلى زيادة التعاون بين دول المجلس لتعزيز الهوية الخليجية والحفاظ على التماسك الاجتماعي في مواجهة التحديات العالمية.
وأشار العبيدان إلى الدور الحاسم للمجالس التشريعية الخليجية في دعم هذه الجهود من خلال التشريعات والبرامج الوطنية التي تضمن ديمومة القيم الأخلاقية والثقافية الخليجية، وهو ما تم تسليط الضوء عليه في المحور الثالث للندوة.
وفي المحور الثالث من الندوة الذي تطرق إلى "دور المجالس التشريعية الخليجية في تعزيز الهوية الخليجية"، تحدث كل من السيدة مريم حمد أبو شريدة عضو هيئة تدريس في كلية القانون بجامعة قطر، والسيد أحمد سلطان الغانم مدير إدارة شؤون الجلسات بمجلس الشورى، عن دور المجالس التشريعية في دعم الهوية الخليجية، من خلال تشريعات متجددة تواكب التطورات الراهنة.
وفي هذا السياق، قدمت السيدة مريم أبو شريدة، ورقة تناولت دور المجالس التشريعية الخليجية في تعزيز الهوية الخليجية، مبينة أن الوحدة الخليجية، التي تتجلى في الدين واللغة والثقافة المشتركة، تعزز الأمن القومي والوطني للخليج.
كما أشارت إلى أهمية دور المجالس التشريعية في دعم هذه الوحدة من خلال تطوير التشريعات القائمة أو وضع قوانين جديدة تتناسب مع التطورات الحديثة وتحقيق الأهداف المشتركة.
من جانبه، قدم السيد أحمد الغانم، ورقة بحثية تناولت دور المجالس التشريعية في الحفاظ على الهوية الخليجية، مؤكداً على أهمية فهم وتمييز محددات الهوية الخليجية والتحديات التي تواجهها في عصر العولمة والتحولات الاجتماعية والاقتصادية.
وشددت الورقة التي قدمها الغانم، على أهمية الهوية التي تعكس التاريخ والدين والثقافة المشتركة بين دول الخليج ، مبينًا كيفية إسهام تلك الهوية في تشكيل هوية الأفراد والمجتمعات.
وناقش السيد أحمد الغانم، دور المجالس التشريعية في تعزيز الهوية الخليجية، من خلال تطوير القوانين واللوائح، وضمان الرقابة على أداء الحكومات، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى دعم الثقافة والتراث، مشيرا إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الهوية الخليجية، كالعولمة والتكنولوجيا، ومشدداً على ضرورة التكيف مع التغيرات دون فقدان الهوية الأصلية، مستعرضًا أهم المناقشات التي تناولتها المجالس التشريعية حول هذا الموضوع.
من جانب آخر، استعرض سعادة السيد عبدالله بن حمد الحارثي رئيس لجنة الإعلام والسياحة والثقافة بمجلس الشورى العُماني، وسعادة السيدة منى خليفة حماد المري عضو المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، وسعادة الدكتور عاصم بن محمد المدخلي عضو مجلس الشورى السعودي، وسعادة السيد عبدالرحمن محمد جمشير عضو مجلس الشورى البحريني، تجارب دولهم في سبيل الحفاظ على الهوية الوطنية، وأهم النماذج في سبيل تعزيزها ودور مجالسهم في سبيل تحقيق تلك الأهداف.
وخلال الجلسة النقاشية التي عقدت في ختام الندوة، تحدث المشاركون عن قضية العولمة وتأثيرها على الهوية الثقافية الخليجية، حيث دار حوار تفاعلي بين المشاركين، تناولوا خلاله عدة قضايا رئيسية منها، التكنولوجيا والضغوط الديمغرافية الكبيرة والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، والتي تدفع بالضرورة إلى إعادة التفكير في كيفية الحفاظ على الهوية والثقافة الخليجية.
وفي ختام الندوة، تم تقديم مجموعة من التوصيات العملية بهدف تعزيز الوحدة والهوية الخليجية، من بين تلك التوصيات: إنشاء لجنة دائمة تابعة للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي تُعنى بالحفاظ على الهوية الخليجية، بالإضافة إلى استمرار دور المجالس التشريعية في اقتراح التشريعات الداعمة للحفاظ على هذه الهوية.
كما أكدت التوصيات على أهمية التنشئة الأسرية، وضرورة تحديث القوانين القائمة وصياغة تشريعات جديدة تسهم في الحفاظ على الهوية في المستقبل، منوهة إلى أهمية تشجيع التبادل الثقافي والتعليمي بين دول الخليج، وتطوير المناهج الدراسية وإشراك الشباب في صنع القرارات التي تؤثر على الهوية واستخدام التكنولوجيا لصونها، بما في ذلك تطوير منصات التواصل الاجتماعي وإنشاء محتوى رقمي يدعم الهوية الخليجية.