سؤال اليوم: في الفترة الأخيرة انتشرت بعض الحالات المرضية بين الأطفال ناتجة عن زواج الأقارب على نطاق واسع.. على الرغم من تحذير الأطباء مما قد يتسبب فيه زواج الأقارب دون فحص ما قبل الزواج.. فهل من يُهمل في مثل هذه الفحوصات قبل زواج الأقارب يأثم، نظراً لما قد يسببه من حالات مرضية لأبنائه يمكن تفاديها؟
ويجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور فضل مراد -أستاذ الفقه وقضاياه المعاصرة بجامعة قطر- فيقول:
الفحص قبل الزواج مسألة معاصرة خلافية بين العلماء وقد بحثناها في بحث مفصل خلاصته أن لها حالتين: الحالة الأولى: اشتراط المرأة أو الولي.. إن اشترط الولي أو المرأة على من تقدّم لخطبتها أن يفحص للأمراض الوراثية أو الخطيرة كالإيدز ونحوه من الوبائيات فلهم ذلك.
لأنه شرط لا يناقض كتاباً ولا سنة، ولأنه في مصلحة الأسرة والذرية، فكان خادماً لمقتضى العقد.
والشروط التي تعود على مقتضيات العقود بذلك شروط معتبرة، وفي الحديث «المؤمنون على شروطهم». وأضاف د. فضل مراد: أما الحالة الثانية: إذا أمرت الدولة بالفحص قبل الزواج.
إذا أمر ولي الأمر بما فيه مصلحة شرعية من المباحات المطلقة فواجب طاعته لعموم «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ».
وفي المسألة اتجاهان.. الأول: جواز إصدار أمر من الدولة يلزم بالفحص قبل الزواج، واستدلوا بالنص الوارد في الآية السابقة في طاعة ولي الأمر، وبقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصح».
ووجهه أن الشرع نهى عن مخالطة المسبب الغالب للمرض الوبائي للصحيح، فيقاس عليه النهي عن ورود حامل المرض على مثله الذي يغلب أو يكثر معه حصول المرض الخطير.
والاتجاه الثاني: لا يجوز للدولة أن تلزم المتقدمين للزواج على الفحص.
ودليل هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم: «أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل كتاب الله أوثق وشرطه أحق». ووجهه أن أركان النكاح وشروطه مبينة في الكتاب والسنن، وليس منها اشتراط الفحص أو العلاجات، فمن شرطه فقد زاد شرعاً زائداً في أمر مفصل البيان، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، ولم يقل وصحته.
ولأن النكاح لا يلزم منه الذرية، فقد يتزوج الإنسان لقضاء وطره، وتحصين نفسه بلا ذرية.
والذي يظهر لنا ما يلي: إذا شرط الولي للزواج الفحص فله لذلك، وكذا إذا أمرت الدولة به والعقد صحيح إن لم يتم الفحص، سواء شرط للزواج، أو أمرت الدولة فليس الفحص ركناً ولا شرطاً من الشروط التي لا صحة للعقد إلا بها.
وعموم النص «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ» [النساء: 59].
يدل على طاعته في المباحات المطلقة غير المنصوص عليها.
وعليه فالذي أذهب إليه هو أنه يجوز للدولة التوجيه بالفحص للمقدم على الزواج في حال الاشتباه بوجود المرض، لا في كل حال؛ لأن الإلزام بالفحص في كل حال يعسر على الخلق، ويؤثر على تيسير الزواج.
وللدولة أن تحثّ وتشجع على الفحص، وهذا من المصالح العامة.
وبالله التوفيق.