«سوق واقف» شاهد على تراث الأجداد والآباء لأكثر من قرنين

alarab
اقتصاد 07 فبراير 2016 , 12:01ص
نور الحملي
أكد المواطن محمد العبدالجبار صاحب محل خنين لتجارة العطور في «سوق واقف»، أن الأخيرة هي خير شاهد على تراث الأجداد، الذي طوره الآباء ليتوارثه الأبناء من الجيل الحالي، مشيراً إلى أن عمر السوق يتجاوز المئتي عام. وقال العبداالجبار، في حوار مع «العرب»: إن سوق واقف انتقلت من كونها ساحة للتجارة، تجمع بين المستلزمات المنزلية، مواد الطعام، الملابس التقليدية، التوابل والحرف اليدوية، إلى أفضل مزار سياحي في قطر، لافتاً إلى أن عددا كبيرا من المحلات والمطاعم لا تزال تحمل نفس الاسم منذ بداية نشأة السوق وحتى الآن. وأضاف أن السبب الرئيسي وراء تسمية السوق بهذا الاسم، هو أن التجار كانوا يمارسون عملهم وهم «واقفون»، مؤكداً أن حرارة الجو في فصل الصيف كانت تمنع التجار وكذلك الزبائن من الجلوس أو التجول لأوقات طويلة، بالإضافة إلى ضيق مساحة عرض البضائع. كما تطرق العبدالجبار، إلى أهم المنتجات التقليدية التي كان يتم بيعها في السوق، وطريقة بناء المحلات وقتها وتطويره، بالإضافة إلى حرص الدولة على الحفاظ على مكانتها العريقة وشكل البناء العتيق والمميز، كل هذا في الحوار التالي:
في البداية، قص علينا ما تعرفه عن نشأة "سوق واقف".
- تقريبا منذ 200 أو 250 سنة جاءت الفكرة بإنشاء سوق للتجارة في قطر، وكان مقر السوق الحالي هو الأفضل لقربه من أماكن تمركز غالبية المواطنين آنذاك، وأطلق عليها اسم "سوق واقف"، لأن التجار كانوا يمارسون عملهم وهم "واقفون"، خاصة أنه كان عبارة عن ممر ضيق تحيطه المياه من جميع الجهات، كما أنهم لم يكن لديهم متسع من الوقت للجلوس في ظل حرارة الجو في فصل الصيف، كذلك الحال بالنسبة للزبائن الذين كانوا يفضلون القدوم إلى السوق في الصباح الباكر قبل أن تشتد حرارة الجو، وكانوا يقومون بشراء بضائعهم على عجلة، ففي الصباح الباكر كانت الشمس تتعامد في الاتجاه الآخر من السوق، فكان الناس يجلسون فيه التماساً للظل وتستمر حركة البيع والشراء حتى الظهيرة، فينتهي السوق وينصرف الناس بأغراضهم، حيث تتعامد عليه الشمس ثم يعودون إليه مرة ثانية بعد العصر، فلهذا سميت بـ "سوق واقف"، حيث كانت سوقاً مؤقتة لا تستمر فيها المحلات مفتوحة طوال الوقت.
اكتسبت السوق شهرتها من المحلات التجارية التي كانت تبيع المنتجات التقليدية كالبهارات والتوابل، المصوغات الذهبية والأواني، والعباءات القطرية المطرزة، والخناجر والسيوف وأدوات الموسيقى، بل حتى الأسطوانات القديمة لكبار الفنانين العرب، ولا تزال هذه المنتجات تباع داخل السوق حتى وقتنا هذا.

ما أهم المحلات التي لا تزال تحمل نفس الاسم منذ نشأة السوق وحتى الآن؟
- هناك عدد من المحلات التي لا تزال تحمل نفس الاسم، منها على سبيل المثال لا الحصر، مطعم "بسم الله"، الذي أنشئ في أواخر القرن العشرين، ويمكن اعتباره أول مطعم في قطر، ومنذ ذلك الوقت وهو يحقق النجاحات الواسعة في عالم المأكولات، وذلك لتميز أطباقه المتنوعة التي يقدمها سواء بالمذاق أو بالشكل. ما إن تذهب إلى هذا المطعم حتى تجد نفسك قد عاد بك الزمن إلى الوراء سنوات عدة، وعادت إليك ذكريات الماضي الجميل بتفاصيلها الرائعة، فبتصميمه الهادئ والأنيق وبمكانه في داخل سوق واقف تستعيد من خلاله تاريخ قطر وحضارتها، هذا فضلا عن ديكوراته التراثية المميزة.

إلى أي مدى حافظت السوق على هويتها بعد تطويرها وتحولها إلى مزار سياحي؟
- السوق هي خير شاهد على تراث الأجداد، الذي طوره الآباء ليتوارثه الأبناء من الجيل الحالي، وكل من زار سوق واقف يشعر أنه في الماضي الجميل، الذي نتنفسه مع حكايات الأجداد والآباء، والذي نلمسه من خلال مشاهدة الفن المعماري القديم وهو يعبق بنشوة الماضي. بقيت السوق على ما هي عليه لنحو قرن من الزمان، وحتى بدأ العمل في إعادة إحيائها والمحافظة عليها وتطويرها. السوق حتى بعد تطويرها في السنوات الأخيرة لا تزال تحافظ على الطابع العربي الأصيل واللباس الخليجي التقليدي، حتى أصبحت السوق الأشهر لبيع الملابس التقليدية والعباءات العربية والعطور والتوابل والذهب والتحف التراثية. وقد تم تطويرها حتى تستعيد مجدها السابق، وأصبحت بالفعل أهم الوجهات السياحية في قطر، ومع ذلك لا يزال السوق محافظاً على عراقته وهويته العربية الأصيلة.

هل ظلت المباني بنفس شكلها قبل التطوير؟
- كانت مباني السوق مبنية بالحصى، وجزء آخر بني بعد الخمسينيات من القرن الماضي أو هدم وأعيد بناؤه، وكان بالسوق قرابة 400 محل، بعضها محلات تاريخية توارثها الجيل بعد الجيل، وقد حافظت الدولة أثناء مرحلة التطوير، على السوق ومقدرات المكان العريقة وشكل البناء العتيق والمميز، وبالفعل قامت الجهات المسؤولة ببناء السوق بالمواد الأصلية، أي بالحصى والجص، حتى تخرج في ثوبها العريق وعدم الإضرار بالنسيج العام.

ما اسم المحل الذي تمتلكه أنت؟ ومتى تم إنشاؤه؟
- لدي محل خاص ببيع العطور داخل السوق اسمه "خنين"، ليس قديماً، ولكننا توارثنا هذه القصص التي قصصتها عليك من واقع ما حكى لنا أجدادنا وآبائنا، إذ كنا صغاراً ونذهب معهم إلى السوق، وكانوا يقصون علينا تاريخ نشأتها وكيفية البيع والشراء وسبب تسميتها بهذا الاسم وغيره من الحكايات المتعلقة بـ "سوق واقف".

اليوم، كيف ترى "سوق واقف"؟ هل هي سوقاً للتجارة أم مزاراً سياحياً؟
- الاثنان معاً، وهذا ما يميزها عن غيره من باقي الأسواق، فسوق واقف إحدى أهم الأسواق التجارية في الدوحة، لما تشتهر به من بيع للملابس التقليدية والتوابل والحرف اليدوية والهدايا التذكارية، في الوقت نفسه فهي تضم العديد من المطاعم والكافيهات التي تقدم المأكولات والمشروبات من جميع أنحاء العالم، أضف إلى ذلك الفنادق الحديثة والقديمة الموجودة بداخلها، والتي يفضلها عدد كبير من الزائرين عن غيرها من الفنادق الأخرى، خاصة مع إطلالتها الرائعة على أهم سوق ومزار سياحي في قطر. سوق واقف حافظت على سحرها الشرقي وأصبحت قبلة للزائرين تتميز بالحركية وتحظى بإقبال جماهيري منقطع النظير.

ما أهم البضائع التي تباع داخل السوق؟
- يمكن للزائر أن يجد الأدوات المنزلية التقليدية، العسل بأنواعه، التمور المحلية، إلى جانب الخناجر، التي تستعمل في الاحتفالات، العطور، الخزائن الخشبية المزخرفة، ومختلف التحف من منطقة الخليج، الهدايا التذكارية للسياح، كذلك فإن توغلت في ثنايا السوق ستجد العائلات يتبضعون لحاجياتهم اليومية، مثل أوعية الطبخ، التوابل كالزعفران والليمون المحفوظ، الأقمشة، المكسرات، لعب الأطفال، الأقمشة الصوفية، المناشف، أدوات الري، النعل الرجالي التقليدي، الخناجر الأنيقة واللباس الوطني القطري، وغيرها من البضائع التي يأتيها الزوار من كل مكان لشرائها.